مدخل
بعد تحول العراق للنظام البرلماني وتبني التعددية السياسية والحزبية والانتقال التدريجي نحو الديمقراطية والتي جوهرها التداول السلمي للسلطة والذي يكمن اساسه في الانتخابات التي تحدد الاشخاص المؤهلين لتمثيل الشعب في قبة البرلمان والذي يمنح الثقة للحكومة التنفيذية، وهنا اصبح المواطن العراقي وبالتحديد الناخب هو ركيزة التغيير السياسي عبر منح صوته لمن يمثله في كل دورة انتخابية ولمدة اربعة اعوام يفترض فيها المواطن ان يكون رقيباً ومتابعاً لمن منحهم صوته الا ان الامر ليس بتلك السهولة والسلاسة فهناك تحديات وصعوبات بعضها عام يتعلق بالثقافة السياسية للمواطن العراقي والبعض الاخر خاص يدور حول المؤشرات على طبيعة العملية السياسية واخفاقات في ادارة المرحلة، فبالرغم من مرور اكثر من تسعة عمليات انتخابية لا تزال الامور غير واضحة للمواطن العراقي وهي نتيجة طبيعية لتداخل الاحداث وكثرة المشاكل والتناحر السياسي وارباك الاوضاع الامنية، ولا يزال الناخب العراقي متحير في المشاركة ومتحير في الاختيار وما يهمنا هنا الموضوع الاول واسباب العزوف او التردد عن المشاركة كما في جدول رقم (1) الذي يظهر لنا نسب المشاركة وكيف تراوحت بين الارتفاع والانخفاض
اسباب العزوف عن المشاركة
للعزوف الانتخابي او قلة المشاركة جملة من الاسباب ويمكن ايضاح اهمها:
1- انعدام الثقة او زعزعتها: بسبب تراكم الازمات السياسية وتأثيراتها على مجمل الوضع في العراق دون ايجاد حلول لاسيما في قطاع الخدمات أصبح المواطن العراقي لا يثق بمخرجات الانتخابات وانما مجرد مرحلة تستكمل سابقاتها بذات الروتين وذات الاهمال.
2- القوانين الانتخابية: اغلب القوانين الانتخابية في مجمل الانتخابات السابقة هي صعبة الفهم لاسيما وان المواطن البسيط لا يهتم بالأمور الحسابية المعقدة، وانما يحتاج لشيء مبسط فلا عجب من انعدام ثقته لضعف التثقيف السياسي اذ ان الناخب يصوت لشخص ويفاجئ بصعود غيره حتى لكون القاسم الانتخابي قد حرم قائمته من الصعود وهذا يدلل على تخبط القادة السياسيين بوضع قانون منصف وعادل وكان الاجدر ان يؤخذ بقانون موحد وليس قانون مفصل لكن دورة انتخابية.
3- المحاصصة: النظام السياسي العراق يقوم على اسس التعاون والموازنة بين السلطات وبالتالي مجلس النواب ينتخب رئيس الجمهورية والذي بدوره يعمل على تكليف مرشح الكتلة الاكبر وحتى بموضوع الكتلة الاكبر لم يتم حسمها ففي كل انتخابات يظهر كلام مختلف عن سابقه، وبالتالي مهما تكن النتائج يصار الى تقاسم انتخابي على ضوء المكون والطائفة والدين والمذهب وتوزيع النسب حسب ثقل كل فئة من تلك الفئات، وغالباً ما تكون عدد مقاعد كل طائفة او قومية معروفة او متقاربة كما في الجدول رقم 2 التالي:
4- حملات المقاطعة: قبل كل انتخابات تظهر جماعات او مؤسسات او احزاب تدعو لمقاطعة الانتخابات وهنا الموضوع يحمل بعدين الاول محاولة البعض للتأثير بغية انخفاض المشاركة باعتقاده قد تلغى الانتخابات او تسحب الشرعية والبعد الثاني ماكينات الاعلام التابعة للأحزاب تدفع باتجاه ضعف الاقبال وبالتالي انخفاض نسبة المشاركة يزيد من حظوظ الاحزاب التقليدية لكونهم شبه ضامنون بخروج انصاهم وكلما قلة نسبة المشاركة قل العدد المسموح به لفوز النائب.
5- الوضع الامني: صحيح ان في يوم الاقتراع تنتشر القوات الامنية وتعمل على تأمين المراكز الانتخابية الا ان الموضوع لا يقتصر على ذلك وانما العنصر الاهم هو شعور الناخب بالأمن والامان وحرية الاختيار وعدم اجباره على اختيار شخص بعينه.
6- التدخل الخارجي والخوف من التزوير: كثيرا ما تحدث عمليات تزوير بالرغم من دور المفوضية العليا للانتخابات وكشفها لكثيراً من تلك العمليات الا ان المخاوف موجودة وبعض الخروقات مستمر، اضافة الى وجود تدخل خارجي سواء عبر دعم طرف على حساب أطراف اخرى او تمويل او دعم اعلامي بالرغم من ان القانون منع تلك التصرفات بكل اشكالها.
الحلول والمعالجات:
لا بد من ايجاد مجموعة من الحلول والمعالجات في سبيل دفع الناخب العراقي نحو المشاركة باعتباره حق من حقوقه اولاً وتصحيح المسار ثانياً واختيار الاصلح ثالثاً ومن تلك المعالجات التالي:
1- معالجة قانونية: من الضروري جداً ان تتفق القوى السياسية على ايجاد قانون انتخابي موحد وثابت على ان يعالج الاخفاقات السابقة بعد تشخيص نقاط القوة والضعف والاستفادة منها، فالاستقرار هنا ضروري جداً للمواطن اولاً حتى تتراكم معرفته بالقوانين الانتخابية ثانياً يزيد من خبرة مفوضية الانتخابات في ادارة الانتخابات بأفضل صوة لها وثالثاً تعرف كل جهة سياسية حجمها وتعمل على تدارك اخفاقاتها.
2- وعي سياسي: لابد من توعية الشارع العراقي على المشاركة السياسية وكيف بإمكانه ان يساهم بتغيير الحال ومعرفة حجم ودور اختياراته وهنا الموضوع يتحمل عدة اوجه فالمشاركة بحد ذاتها تضفي طابع ايجابي نحو التحول الديمقراطي، ايضاً تساهم بزيادة ثقة المواطن وكذلك هي نوع من انواع الحساب بعد نهاية الدورة الانتخابية وبداية دورة جديدة من خلال صناديق الاقتراع التي تمثل الة التغيير السلمي.
3- توفر البيئة الانتخابية: من الضروري جداً ان يشعر الناخب العراقي بوجود بيئة انتخابية صالحة ومهيأة للمشاركة سواء عبر توفير الامن الانتخابي والشعور بالاطمئنان، او كل ما يتعلق بوسائل الانتخاب وحرية الاختيار والابتعاد عن الضغوط او التخويف وتوفير المستلزمات الكافية من مركز انتخابي وبطاقة انتخاب واجهزة وغيرها، اضافة الى مراقبة جيدة من قبل الامم المتحدة عبر فرقها المختصة.
4- ضبط الدعاية الانتخابية وتحجيم المال السياسي: بالرغم من وضع ضوابط عديدة فيما يتعلق بوسائل الدعاية الانتخابية الا ان الخروق لا تزال كثيرة فبعض الكتل تلجأ للعامل الديني والمذهبي بغية استقطاب عواطف الناس او البعض الاخر يلجأ للتحريض بالضد من جهة معينة او يعزف على الاوتار الطائفية والقومية والعنصرية حال قرب موعد التصويت، ايضاً هناك من يستخدم الجوامع والحسينيات والكنائس في الترويج وهذه الامور جميعها ممنوعة ويحاسب عليها القانون لكنها موجودة وتظهر في اية انتخابات، الامر الخطير الاخر المال السياسي وحجم استخدامه في الدعاية للشخص او الكتلة السياسية كذلك التعيينات او الخدمات التي هي حق للمواطن الا ان كثيراً من الاحزاب تناور بها في سبيل استقطاب مزيداً من الاصوات ، فالمال السياسي بحد ذاته اشكالية كبيرة ويؤثر على الاحزاب والقوى الجديدة ذات الامكانيات البسيطة فالأحزاب الكبيرة تملك المال والقنوات الفضائية والنفوذ وحتى يعضها يملك اجنحة مسلحة، لذلك مالم يتم ضبطها تعتبر عامل مزعزع لثقة الناخب وبالتالي تدفعه نحو العزوف عن المشاركة في الانتخابات او بقية الفعاليات السياسية .