نحن امام خياران لا ثالث لهما اما الفشل اذا بقت الاسباب اعلاه قائمة، حيث بالإمكان معرفة النتيجة قبل انعقاد أي حوار، واما النجاح وهو الطموح ويكون عند الاستفادة من الاخطاء وتقويم العمل وبالتالي سوف نشهد حوارات فكرية تاريخية تسهم في استقرار الأمن وبسط السلام ليس في العراق فحسب فقد تنعكس نتائجه الايجابية على دول الاقليم المجاورة ايضاً
كُتبت مقالات وبحوث ودراسات اكاديمية عن الحوار، لكن تطبيق مخرجات الدراسات على ارض الواقع قد تكون معدومة، لذلك التساؤل لماذا اذن نستمر بالكتابة، الجواب ان على صاحب القلم ان يؤدي الامانة فيما يبقى التطبيق من شان صاحب السلطة وصاحب المسؤولية، لذلك بدل لعنة الظلام على الجميع ان يوقد شمعة كلٌ من موقعه.
وفي إطار الدراسة الأكاديمية تعلمنا ان نبدأ بالتساؤلات التي يطرحها موضوع الدراسة، والتساؤلات التي قد تطرح هنا، هل هذه الدعوة السياسية الجديدة للحوار هي اول دعوة منذ 2003 أم هناك دعوات سابقة؟ وإذا كانت هناك دعوات سابقة كثيرة ولكنها فشلت في تحقيق الغاية أليس من باب أولى البحث عن أسباب فشلها فيما سبق ودراسة معوقاتها وصعوباتها قبل إعادة طرحها مجدداً؟
الدعوة الى دراسة اسباب الفشل لا يعني رفض الدعوة بل على العكس تقويم الدعوة لغرض انجاحها، ونظراً لما يتميز به الواقع السياسي والاجتماعي والديني في العراق وخاصة ً في فترة ما بعد الدكتاتورية، أصبحت مسألة تعزيز الحوار الفكري ضرورة ملحة لا سبيل للاستغناء عنها ولذلك أهتم معظم السياسيين العراقيين بهذه المسألة باعتبارها ضرورة وطنية، فعندما دعى السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم 9/3/2021 الى الحوار الوطني لم نجد كتلة او حزب الا وأيدت الفكرة ووافقت بشكل مبدئي، والتساؤل اذا كان الجميع يؤيد الحوار الفكري الشامل فما هو سبب فشله هل السبب في مرتكزاته وأسسه ام السبب في المتحاورين أنفسهم أم توجد اسباب اخرى ؟
لذلك لابد من البحث عن الاسباب والوقوف عنها، فعند متابعة اهم الدعوات والمؤتمرات السابقة تتضح لنا عدة اسباب ساهمت بالفشل نذكر أبرزها:
1- ان الحوارات التي جرت غالبها ذات طابع اعلامي وبروتكولي وليس حقيقي، دائما ما يدعى لها الاصدقاء المتفقين وليس المختلفين، والدليل تكتب التوصيات قبل انعقاد الحوارات في حين يفترض التوصيات تعتمد على المناقشات ونتائجها.
2- يجب ان يكون المتحاورين من غير المرشحين للانتخابات على الاقل الانتخابات القادمة التي تسبق الحوار، لان المرشحين سوف يستثمرون الحوارات انتخابياً وبالتالي سوف تكون المزايدات الانتخابية حاضرة وبقوة اثناء الحوارات.
3- التشكيك المبدئي، جميع المدعوين للحوار يشككون بالنتائج قبل الانعقاد ويعطون نتيجة بفشل الحوارات قبل ان تبدأ. صحيح ان الجميع مصاب بخيبة امل، لكن هل لدينا خيار ثاني غير الحوار، الجواب قطعاً، لا يوجد خيار ثاني كون الحوار وسيلة بشرية للتواصل بين عقلاء البشر بواسطة استخدام كل الوسائل السلمية المتاحة حيث هو النقيض لكل أشكال العنف والترهيب.
4- إن الفكر المنتج الذي يعطي حلول وبدائل (الفكر الايجابي) غائب تقريباً في حين ان الفكر المعارض والمنتقد (الفكر السلبي) حاضر وبقوة.
5- غالبية الجهات المتحاورة تفتقر الى أسس الحوار الفكري البناء، لكون الحوار الذي يبنى على قاعدة الغالب والمغلوب ستكون نتيجته الفشل بكل تأكيد كون النتيجة غير مرضية لأحد الطرفين، احدهما منتصر والأخر مهزوم ( اللعبة الصفرية . (
6- في احيان كثيرة النظرة الخاطئة للأخر المختلف دينياً او سياسياً قومياً او مذهبياً نظرة واحدة وكأن الجميع متهم، في حين ان الجيد والسيئ موجود عند جميع الاطراف، ولذلك لا يمكن اتهام جهة سياسية او دين او قومية او مذهب بل المتهم هو من يسئ ويخطأ مهما كانت جهته.
7- استحضار فكرة خاطئة عند كل شخص يسمع بالحوار، يعتقد ان جميع المدعوين هم قتلة ومطلوبين للقضاء، في حين ان الحوار هو دعوة للعقلاء واصحاب الراي الفكري المخالف والمناقض وليس الحوار هو دعوة للقاتل او المجرم، لان المجرم والقاتل يفترض ان لا يدعى الى الحوار بل يدعى للرضوخ للقانون والحضور امام المحاكم، لكن هنا ليس بالضرورة كل من اتهم هو مدان، المتهم بريء حتى تثبت الادانة.
8- من باب الامانة العلمية رؤساء الوزراء السابقين لا يتحملون وحدهم مسؤولية فشل الحوارات بل المسؤولية الاكبر تقع على بعض الاحزاب والكتل السياسية التي دائما ما تحاول ان تفشل الحوارات او تفرغها من محتواها، بشكل مقصود او غير مقصود، واهم الوسائل المعتمدة في افشال المؤتمرات او الدعوات، من خلال تحويل الحوار الى جدال، يعني بدل اعتماد الحوار الفكري البناء التكاملي اعتماد الجدل التخاصمي وتبادل الاتهامات.
لذلك نحن امام خياران لا ثالث لهما اما الفشل اذا بقت الاسباب اعلاه قائمة، حيث بالإمكان معرفة النتيجة قبل انعقاد أي حوار، واما النجاح وهو الطموح ويكون عند الاستفادة من الاخطاء وتقويم العمل وبالتالي سوف نشهد حوارات فكرية تاريخية تسهم في استقرار الأمن وبسط السلام ليس في العراق فحسب فقد تنعكس نتائجه الايجابية على دول الاقليم المجاورة ايضاً، والذي يهم في الحوار عزل و تصفية المعارضين، عزل من يختلف فكرياً ومنهجياً دون استعمال العنف عن المجرمين ممن لا ينفع مهم الحوار بل كشفهم وكشف دعواتهم الضالة، وبالتالي سوف يساهم الحوار التكاملي العلمي بتضيق دائرة المعارضة الى حد كبير بالقياس الى المعارضة التي كانت تتواجد قبل دعوة الحوار، وبالتالي سيكون الحوار سلاحا فعال ضد كل أشكال العنف والارهاب، ونجاح الحوار سوف يساعد في استقرار العراق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وامنياً، لكن يبقى الشرط قائم وهو تقديم الحوار الوطني الشامل البناء على الحوار السياسي المأزوم وبعد ذلك ننتقل بالعراق من المرحلة الانتقالية الى الدولة المدنية العصرية المنشودة.
اضافةتعليق