كشفت تظاهرات الشعب العراقي مطلع شهر تشرين الأول من العام الجاري 2019 حجم السخط الشعبي على إدارة الأحزاب السياسية لمؤسسات العراق وثرواته النفطية والمالية الغزيرة. حقيقة الامر لم تكن الثورة مستبعدة نظرا لما شهدته السنوات الماضية من احتقان وتأزم وانعدام للثقة بين الشعب والسلطة. فقد تمادت الأحزاب السياسية في سرقة أموال العراق وابتلاع كافة المؤسسات الحكومية في اطار المحاصصة السياسية والحزبية المقيتة، واراقة الدم العراقي بسبب ضعف إدارة الملف الأمني مرة والخيانة للوطن مرات عدة. وما اثار القلق والغضب في ان واحد، شراهة الكتل والأحزاب السياسية في نهب المال العام والتمادي في الاقصاء والتهميش لكافة الشرائح والكفاءات المستقلة في مشهد مشابه لسلوك البعث المقبور. ولم تفي الأحزاب الحاكمة بوعود التغيير والإصلاح منذ سنوات رغم ما يعانيه نصف سكان العراق من فقر وحرمان وما يعانيه البلد بكامله من بؤس وإرهاب وانعدام شبه كامل للخدمات وانتفاخ مرعب لبطالة الشباب والخريجين رغم الموازنات الانفجارية التي واكبت تعافي أسعار النفط واتساع الصادرات النفطية.
لقد دخل الصراع والتنافس على السلطة مرحلة جديدة حين اختلف اللصوص على المغانم والمكاسب وبدأ التسقيط السياسي يأخذ طابعا إعلاميا مخزيا وصل لحد بيع وشراء الوزارات والمناصب العليا في مزادات علنية. ورغم استراتيجية تقديم وجوه الخط الثاني كتكنوقراط لإدارة ملفات الدولة، بخيوط لازالت محكمة بقبضة القيادات الحزبية العليا، فان الأداء الحكومي لم يتغير واستمر مسلسل الاقصاء والنهب والسلب للموارد المالية بدهاء وحنكة من قبل اللجان الاقتصادية للأحزاب والكتل السياسية.
ان صبر المواطن العراقي المغلوب قد انتهى والثقة انعدمت بشكل تام وضاع الامل بغدٍ افضل تحت مظلة الأحزاب الحاكمة والظالمة في العراق. ولم تكن تظاهرات الخريجين وسائقي التكتك سوى شرارة لاندلاع الثورة والتعبير عن عقود من الظلم والفقر والحرمان تحت صخرة الفساد الجاثمة على صدور العراقيين منذ سنوات.
ماذا يريد العراقيون سؤال يطرح كثيرا من لدن كافة الأطراف : الجواب طويل جدا : يريد العراقيون الامن والسلام والعيش الكريم يريد العراقيون العدالة والنزاهة يريد العراقيون محاكمة ومعاقبة كافة الكتل والأحزاب السياسية لما اقترفوه بحق العراق، يريد العراقيون سيادة القانون وسيادة العراق واستقلالية قراره السياسي والاقتصادي، يريد العراقيون وطن، وطن يضمهم بارضه وخيراته، وطن يمنحهم العزة والكرامة، وطن طاهر نقي من الخونة واللصوص والفاسدين.