"التحقيقات في استهداف بعض مواقع الحشد، تشير إلى أن إسرائيل هي من قامت بذلك"، بهذه الكلمات حمل رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، في حديثه لقناة الجزيرة يوم الاثنين 30 من ايلول 2019، إسرائيل مسؤولية الهجمات التي استهدفت في وقت سابق مواقع الحشد الشعبي العراقي، معتبرا أن إسرائيل هي الوحيدة التي تريد اندلاع حرب في المنطقة. وهنا ينقض رئيس الحكومة موقفه السابق بهذا الشأن عندما نفى احتمالية وقوف إسرائيل وراء الضربة الأولى التي استهدفت موقعاً للحشد الشعبي في آمرلي. وهذه الحوادث تكررت خمس مرات آخرها مخازن سلاح في هيت غرب محافظة الانبار. وهذا يثبت ان العراق بدا ينزلق تدريجيا ليكون ساحة للصراع.
بعد عودته من الصين، وفي اطار سعيه لأبعاد المنطقة عن الصراع العسكري، زار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي المملكة العربية السعودية، وتشير مصادر اعلامية الى انه تلقى رسالة من القيادة السعودية لنقلها الى طهران تتضمن الاستعداد للحوار وهو ذات الموقف الذي اعلنت عنه ايران على لسان المتحدث بأسم الخارجية الايرانية بترحيب بلاده بالحوار، كذلك اكد رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني ترحيب ايران بدعوة السعودية للحوار.
مؤكد ان اطراف الصراع (ايران من جهة والولايات المتحدة او احد حلفائها التقليديين من جهة اخرى) لا يمكن ان تنجر الى حرب مباشرة لأسباب تتعلق بأوضاع الولايات المتحدة السياسية وقرب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وعدم ادراك ما ستكون علي ردة الفعل الايرانية اذا ما تلقت ضربة مباشرة، فضلا عن خشية ان تؤدي الضربة العسكرية لايران الى التفاف الشعب الايراني حول قيادته في وقت تسعى الولايات المتحدة الى تعميق الفجوة بين الشعب وقيادته عبر العقوبات الاقتصادية.
ولذلك، فان الصراع اتخذ شكل الحرب غير المباشرة عبر في ساحات اخرى كالعراق واليمن وهو ما يجري على ارض الواقع من استهدافات متقابلة بين ايران ووكلائها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها فضلا عن اسرائيل من جهة اخرى مثل قصف مقرات بعض فصائل الحشد الشعبي داخل العراق واستهداف مصانع شركة ارامكوا شرق العربية السعودية.
ونتيجة لعدم امكانية العراق للعب أي دور في ابعاد اراضيه عن نتاجات هذا الصراع، أصبح لزاما ان يتبنى دور الوسيط للتقريب بين المتصارعين. ولكن الاشكالية هنا ان الوضع السياسي المتأزم وغير المستقر لا يمنح صانعي القرار السياسي الخارجي ارضية مناسبة للعب دور الوسيط، ناهيك عن فقدان مقومات لعب هذا الدور السياسية والعسكرية والاقتصادية، فضلا عن كم المشاكل الداخلية التي يعاني منها العراق في القطاعات كافة.
أعلن العراق على لسان الرئاسات الثلاث خلال زيارتهم الاقليمية والدولية وتكرر ذلك في مناسبات عدة عن التزام العراق بعدم استخدام اراضيه للاعتداء على دول الجوار، وانه يسعى لعدم المساس بالشؤون الداخلية للدول الاخرى انطلاقا من مبدا دستوري تم تضمينه في دستور عام 2005 النافذ. وهذا النهج نهج سليم اذا ما افترضنا سيطرة الحكومة على كامل اقليم الدولة، وتمتلك موقف في السياسة الخارجية موحد ومؤثر.
ولكن واقع الحال بعكس ما تقدم تماما، مؤكد ان الموقف السياسي الخارجي يصدر عن الحكومة ووزارة الخارجية العراقية، ولكن هناك من يؤثر على هذا الموقف من جهات فاعلة اخرى غير حكومية كزعامات معينة واحزاب وكتل نيابية، هذا من جانب، ومن جانب آخر لاتزال فلسفة الدولة غير واضحة فيما يخص الامن الوطني العراقي ومؤثراته الخارجية. ففي الاشهر الاخيرة حصلت تطورات عدة زادت من تعقيد المشهد الامني العراقي منها استهداف لمخازن الاعتدة والسلاح لبعض فصائل الحشد الشعبي، فضلا عن استمرار القصف التركي لمناطق تواجد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق. ولازال الموقف العراقي مشتت بين الاطر الرسمية للتعاطي مع تلك التطورات، والمواقف الاخرى غير الحكومية التي تستند لرؤى ومرجعيات فكرية وسياسية ودينية مختلفة.
وبالتالي نرى ان ذلك هو أبرز معوقات تبني سلوك سياسي خارجي واضح سواء أكان الحياد او الانحياز لهذا المحور او ذاك. ونتيجة لرجحان كفة المواقف غير الحكومية ومواقفها المتشددة تجاه محور دون محور آخر، بدأ الاخير يجزم ان العراق يتبنى موقف انحياز للمحور المعادي له.
لذلك تبني موقف الحياد بحاجة الى رؤية واضحة واهداف محددة ووطنية بعيدا عن مصالح الاخرين واهدافهم، وبلورة هذا الموقف يحتاج الى وحدة موقف، وحكومة ذات قرار سيادي بعيدا عن التأثيرات الداخلية والخارجية. وبدون ذلك لا يمكن ان يطمئن أطراف الصراع الى العراق وان يوكلوه مهمة التقارب الجيوسياسي في المنطقة على الرغم من النجاح الذي تحقق في نل الرسائل المتبادلة وترحيب الاطراف بها كما حصل مؤخرا بين السعودية وإيران.