تقوم الاحزاب السياسية بوظائف عدة الا ان هدفها الاسمى والذي تقوم من اجله هو بغية الوصول الى السلطة والقبض عليها او المشاركة فيها ، وهنا الحديث عن الدول ذات الانظمة الديمقراطية الراسخة او الناشئة والتي تسعى ان تسلك المسار الصحيح من اجل بلوغ الحالة النموذجية للعمل المؤسساتي الصحيح ، وما دام ان هدف الاحزاب مسك السلطة وتقديم واعداد القادة وان تكن حلقة وصل ما بين الحاكم والمحكوم لابد لها من قاعدة شعبية او جماهيرية ترتكز عليها لتحقيق مبتغاها ، وطريقة كسب ود الجمهور ليس بالأمر السهل وانما يحتاج لخطط واقعية وعملية حتى يحوز الحزب على تلك الثقة وبالتالي يلجأ اليهم في اوقات الانتخابات لضمان صعود مرشحيه وسواء كان النظام نيابي او حتى رئاسي وتبقى الفروق تتباين بتباين طبيعة ذلك النظام وطبيعة القاعدة الشعبية ومستوى ثقافة الجمهور ورغبتهم بالمشاركة السياسية ، ففي الدول المتقدمة اغلب الاحزاب السياسية هي احزاب برامج تقدم رؤيتها لحل المشاكل داخلياً وطبيعة سياساتها على المستوى الخارجي ويبقى المواطن صاحب القرار للبرنامج الذي يتقارب ومصالحه ومصالح الدولة ، اما في الدول ذات الانظمة الناشئة او هي في طريق التحول الديمقراطي فالموضوع ذات تعقيد كبير وهنا يمكن مناقشة العراق كأقرب مثال .
ففي اعقاب التغيير السياسي عام 2003 وغياب الاطر المنظمة لألية عمل الاحزاب السياسية فقد حدث افراط كبير في عديدها فبحسب مفوضية الانتخابات ان قرابة ال200 حزب وحركة وتجمع موجود بالعراق ، كما وان غالبيتها لا تلتزم بقانون الاحزاب الذي اقره البرلمان عام 2016 ، من ناحية غياب الرقابة على طرق تمويلها او ارتباطها بدول اخرى او انها تملك اذرع مسلحة وجميعها مخالفات جوهرية ، ومن ناحية اخرى فأن طبيعة هذه الاحزاب والقوى السياسية هي احزاب شخوص أي انها تعتمد على مؤسس او زعيم ذلك الحزب او التجمع في مجمل انشطتها والتي على اساس هذا الشخص يلتف الجمهور من حولها دون النظر للهدف والرؤية او البرنامج ، وهذا النموذج غالباً ما يعتمد على ارث تاريخي او ديني او طائفي او عقائدي حتى يحافظ على مكتسباته الشعبية والسياسية ، وبدل ان يحقق هذا الحزب رغبات وطموح جمهوره من خدمات عامة وخاصة فقد اخذ يزج بتلك القواعد الشعبية في الشارع ويستخدمهم كورقة ضغط باتجاه الخصوم والموضوع طبعا لا يشمل الجميع ولا يعني غياب المطالب الحقة لكثير من التظاهرات الا ان غالبية التحشيد الجماهيري تأتي متزامنة مع التوترات السياسية او في غضون مقاطعة احدى الجهات لتشكيل الحكومة او عند رفض اعطاء بعضها مناصب حكومية ، فتعمل تلك القوى على اثارة الشارع والقيام بعملية خلط الاوراق وتنتهج التصعيد التدريجي وغالباً ما تخرج الامور عن السيطرة وتؤدي للصدام مع القوى الامنية او تنتهي بحرق واقتحام مؤسسات حكومية ويجري فضها اما بالقوة وهنا يسقط العديد من الضحايا او تقوم تلك الجهة الداعمة والمنظمة بسحب جمهورها بحجة اعطاء مهلة او ان الحكومة قد استجابت لتغليب المصلحة العامة ولا يعلم ثمن تلك الصفقة الا اهل الحل والعقد ، وفي بعض الاحيان تخرج تظاهرات عفوية او مدعومة من منظمات مختصة او مجتمع مدني للمطالبة بتعيين فئات معينة او تحسين خدمات وهنا تنبري القوى المتصدية الى ركوب الموجة وتوظيف الشارع وحرف المسار من اجل تحقيق مصالحهم .
وبالتالي فأن حق التظاهر مكفول دستورياً وعرفياً وحتى دولياً بشرط الحفاظ على سلمية التظاهر وعدم الاعتداء على المؤسسات وما يحصل في العراق كما ذكرنا في اعلاه هو عملية توظيف الشارع الشعبي من اجل تحقيق مكاسب اغلبها سياسية تؤدي الى خروج الاوضاع عن السيطرة وربما لحرب اهلية لكون كل طرف يرى في تلك التجمعات استهداف له ، وعلى هذا المنوال ينبغي زيادة ثقة الجمهور بنفسه حتى يتمكن من التفريق ما بين النافع والضار ، اضافة الى ضرورة البقاء في نطاق التعبير السلمي وعدم الانجرار وراء الشعارات المعادية وعدم الاحتكاك مع الاجهزة الامنية او الاعتداء على المؤسسات الرسمية باعتبارها ملك عام ينتفع منها الجميع ، كما وينبغي على الاجهزة المعنية حماية المتظاهرين شرط اشعارها بمكان التجمهر وطبيعة الاهداف .