في الاول من شباط 1979 شهدت ايران احداثًا متسارعة غيرت من تأريخ هذه الامة ، إذ إن عودة الامام الخميني الى طهران بعد قرابة 15 عامًا قضاها منفيًا ما بين العراق وفرنسا وقبيل عودته هذه كانت قد شهدت طهران ومدن أخرى تظاهرات صاخبة بالضد من حكم الشاه مما دفعه لمغادرة ايران بلا عودة ليترك زمام الأمور لرئيس حكومته شهبور بختيار ، وكان هدف هذه الخطوة هو لقطع الطريق باتجاه تولي الاسلاميون للحكم ، الا ان عودة الخميني والتفاف الجماهير من حوله قد حالت دون تحقيق مبتغاه ، إذ أعلن الامام الخميني في أول خطبة له بإن حكومة بختيار هي غير شرعية، وسرعان ما تلقاها الجمهور بالنزول للشوارع وعلى اثر ذلك تحولت ايران الى فوضى مفرطة وانشقاقات في صفوف القوات الامنية بشتى صنوفها ورافق ذلك نزول مسلحين بالزي المدني واقتحام للسجون واخراج السجناء السياسيين. وبعد خروج الاوضاع عن السيطرة ورجوح كفة الثوار الاسلاميين استقال بختيار وجرى تعيين بزركان لرئاسة الحكومة وما جرى بعد ذلك من أحداث أدى إلى اتساع دائرة العداء ما بين امريكا وإيران.
طبيعة العداء مع الولايات المتحدة الامريكية وكيف تبدو إيران اليوم؟
لم يكن بالأمر الهين أن تتحول ايران في لحظة فارقة وتاريخية من دولة حليفة لواشنطن في ظل الشاه إلى ألد أعداء أمريكا في ظل الجمهورية الاسلامية، فنهاية السبعينيات من القرن الماضي كانت بمثابة القطيعة الحتمية في ظل ثورة عارمة انقلبت معها موازين القوة وسط رفض كبير للسياسات الامريكية في مقابل ذلك اقتحم طلاب السفارة الامريكية واحتجزوا عدد كبير من بعثتها الدبلوماسية كرهائن وسط هتافات الموت لأمريكا.
وفي ظل دخول الثورة الاسلامية عقدها الخامس لا يزال التوتر في العلاقة قائم وسط ضغوط خانقة تمارسها الولايات المتحدة تقابلها ايران بخطوات استعراضية ، كما هو حال برنامجها النووي مع تطور كبير في قدرتها الصاروخية وتمدد اقليمي واضح ومؤثر في العراق وسوريا واليمن ولبنان ، فضلا عن مشاغلتها لقوى حليفة لواشنطن عبر التخويف والترهيب لإسرائيل والسعودية والامارات في حين تقابل واشنطن تلك الضغوط بمزيد من العزلة السياسية والاقتصادية وحتى الامنية كجدار صد لدفعها نحو طاولة التفاوض والتنازل من دون تجاوز الحدود المرسومة لها .
وبعد اربعين عامًا من الثورة وفي ظل محاصرتها اقليميًا يبدو اليوم إن الجبهة الايرانية مستهدفة من الداخل في ظل عقوبات اقتصادية أنهكت المواطن الايراني وسببت غلاء المعيشة وتفاقم المعاناة وتراجع النمو الاقتصادي كثيراً عن السابق، فضلا عن تعالي أصوات بعض الإصلاحيين في ضرورة الالتفات لمصالح الشعب والتركيز على الداخل والانكفاء عن التمدد الخارجي وتجميد او الغاء فكرة تصدير الثورة وهو ما يرفضه المحافظون وبشدة.
خلاصة
بعد اربعين عامًا من الثورة الاسلامية في إيران لا يزال العداء قائمًا فلا واشنطن تخلت عن فكرة تغيير النظام الاسلامي هناك ولا إيران تنازلت لواشنطن وغيرت من سياساتها، وهذا العداء قد انسحب على حلفاء الطرفين عبر حرب الوكالة والنيابة من دون الصدام المباشر بينهما وكان للقوة الناعمة دورًا مؤثرًا، إذ عملت عليها واشنطن لزعزعة الداخل الايراني. وأما من ناحية عناصر القوة والضعف فأنه بالرغم من تطور ايران على المستوى العسكري والتمدد في دول عدة وامتلاكها لقواعد الاشتباك فهي تعاني من وخزة كبيرة في خاصرتها الاقتصادية قد تقلب عليها الموازين ، في ما تسعى واشنطن لمحاصرتها إقليميًا واختراقها داخليًا، والأمر يبدو أكثر جدية من اي وقت مضى في ظل إدارة ترامب التي لا تخفي عدائها ورغبتها في ايقاف طموح طهران داخليًا وخارجيًا ، لدفعها نحو مزيد من التنازلات واعادة الاتفاق النووي لكن بشروط تضعها واشنطن ، وبالتالي فأوضاع ايران ليست على ما يرام من الداخل و الخارج مما قد يجبرها على التنازل في مقابل شروط مسبقة يأتي فك الحصار في مقدمتها وتسوية البرنامج النووي وهو امر قد يبدو قريبًا ولا سيما بعد الضغوط الشعبية ورغبة النظام بالحفاظ على استقرار الاوضاع قدر المستطاع لتدارك المخاطر المحدقة والتي تبدو جدية هذه المرة وهو ما يشعر به القادة الإيرانيون. لهذا فإن التصعيد الاخير ربما ورقة ضغط يمارسها الايرانيون قد تؤدي لمفاوضات مستقبلية تكون على رأسها التجارب الصاروخية والملف السوري واليمني في مقابل تقليل الضغوط على طهران.