يوم 2 تشرين الاول الجاري كلف السيد رئيس الجمهورية برهم صالح السيد عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة في مراسيم اتسمت بالهدوء وتداول سلمي هادئ للسلطة في الرئاسات الثلاث، الامر الذي لم يحصل سابقا بعد 2003 سوى عند تسليم السيد اياد علاوي رئاسة الحكومة الانتقالية للسيد ابراهيم الجعفري عام 2005.
لم يكن السيد عادل عبد المهدي مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا لتشكيل الحكومة وفقا لدستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005 المادة (76/ اولا)، بل ان الخلاف حول الكتلة النيابية الاكثر عددا بين كتلتي البناء والاصلاح وعدم تسليم احداهما للأخرى هو من انتج عبد المهدي كمرشح توافقي بين الكتلتين لتشكيل الحكومة الجديدة.
هذه هي المرة الاولى التي يتم تجاوز معضلة تحديد الكتلة النيابية الاكثر عددا. المعضلة التي تسببت بضياع ارادة الناخبين عام 2010 وتحريف مسارها بمساندة وتفاهم اميركي – ايراني. هذه الاشكالية – وعلى الرغم من عدم تسليط الضوء عليها – سيكون لها حضور في الدورة البرلمانية الخامسة 2022 وربما التي ستليها. اذ لا يمكن ضمان ثبات مخرجات الانتخابات وظروف المعادلة الاقليمية والدولية كما هي في الدورة البرلمانية الرابعة. وحينها سنُشكِل على خطأ كلا الكتلتين في تسمية اي منهما على انها الكتلة الاكثر عددا، وعلى اقل تقدير سينشأ عرف مضمونه ان تحديد الكتلة النيابية الاكثر عددا - ذلك الامر الدستوري – سيكون رهن التوافقات والتجاذبات السياسية بين الكتل الفائزة بعد كل انتخابات.
هذه الاشكالية ستلقي بظلالها على السيد عادل عبد المهدي وحكومته المقبلة، اذ كما قلنا ، انه جاء من خارج البرلمان وهي المرة الاولى التي تحصل بعد تغيير النظام السياسي. ومع انه حظي بتأييد الكتلتين المتناحرتين الابرز في مجلس النواب الجديد، الا انه مهمته تبقى تحت تهديد عدم منح الثقة في مجلس النواب لاسيما اذا شكل كابينته الوزارية الجديدة بعيدا بالمطلق عن مصالح وتوجهات كلا الكتلتين الامر الذي ربما يتسق مع ما تذهب له ابرز القوى الكردية والسنية التي لازالت تؤمن وتعتقد باعتماد الاستحقاقات الانتخابية كآلية لتشكيل الحكومة.
ما حصل ينطوي على مخاطرة كبيرة على الرغم من منح اكثر من كتلة برلمانية رئيس الوزراء المكلف مطلق الحرية في اختيار وزرائه. ومع ان ذلك لا يوفر الأغلبية المطلوبة لمنح الثقة، فلابد من الحصول على تأييد القوى السياسية الاخرى داخل البرلمان لضمان حصول التشكيلة الحكومية على ثقة مجلس النواب.
ان اسهل الطرق لضمان ذلك هو بلورة مشروع وطني حقيقي لأعادة بناء الدولة يتضمن اهداف وطنية مرحلية قابلة للتحقيق، وآليات (برامج) كفيلة بتحقيقها وفقا للإمكانيات المتاحة، وتوقيتات محددة، ثم الهدف الاشمل وهو بناء الدولة.
ومع ان تحقيق ذلك يتطلب قدرة كبيرة على اقناع القوى السياسية داخل مجلس النواب التي لازال كثير مها يفكر بمنطق المصلحة الحزبية والمكوناتية في التشكيلة الحكومية، الا ان تحقيقه بوضوح وشفافية امام الراي العام له مزايا كبيرة، منها ان القوى السياسية في مجلس النواب ستقترب أكثر من مساندة رئيس الوزراء المكلف لتلافي الاحراج امام جماهيرها التي لمست المخرجات الفعلية السيئة لحكومات المحاصصة الثلاث الماضية (حكومات الاستحقاقات الانتخابية). ثم ان تحقيق ذلك سيولد حالة من الاختلاف بين تلك القوى السياسية في كيفية تحقيق تلك الاهداف. وهنا ستتشكل اولى بذرات المعارضة داخل مجلس النواب، وضمان حصول الحكومة على ثقة تلك القوى، فضلا عن انها توفر الوقت والجهد لرئيس الحكومة في طريقة اختيار اعضاء حكومته عبر تفحص رؤيتهم وقدرتهم على تنفيذ البرنامج الحكومي المنصوص عيه في مشروع بناء الدولة.
عليه، نرى ان تكون البداية في جهود السيد عادل عبد المهدي هو ايجاد ذلك المشروع وضمان التفات القوى السياسية داخل المجلس حوله قبل البحث عن اسماء لشغل المناصب التنفيذية.