اصدر صندوق النقد الدولي مطلع ديسمبر كانون الاول الجاري بيانا حول استكمال المجلس التنفيذي للصندوق المراجعة الأولى لتنفيذ اتفاق الاستعداد الائتماني المعقود مع العراق لمدة ثلاث سنوات، وهو الاتفاق الذي يهدف إلى مساعدة العراق في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي واستعادة توازن المالية العامة على المدى المتوسط. واستكمل الصندوق أيضا مراجعة تأكيدات التمويل في ظل اتفاق الاستعداد الائتماني. وكان المجلس التنفيذي قد وافق في يوليو تموز 2016 على اقراض العراق قرابة 5.34 مليار دولار أمريكي وعلى شكل دفعات. كذلك وافق المجلس على طلب إعفاء العراق من شرط انطباق أهداف نهاية سبتمبر ايلول الماضي لمعايير الأداء الأربعة المتعلقة بالحد الأدنى لإجمالي الاحتياطيات الدولية والحد الأقصى لصافي الأصول المحلية لدى البنك المركزي العراقي والحد الأقصى لرصيد المتأخرات القائمة المستحقة لشركات النفط الدولية والحد الأقصى لرصيد إجمالي الدين العام، بالإضافة إلى طلب تعديل مراحل تنفيذ الاتفاق مع الصندوق.
ويهدف برنامج الإصلاح الاقتصادي العراقي الذي يدعمه اتفاق الاستعداد الائتماني إلى معالجة احتياجات ميزان المدفوعات العاجلة، والوصول بالإنفاق إلى مستوى يتناسب مع انخفاض أسعار النفط العالمية، وضمان استمرارية الدين العام في حدود يمكن تحملها. ويتضمن البرنامج أيضا إجراءات لحماية الفقراء، وتعزيز إدارة المالية العامة، ودعم استقرار القطاع المالي، وكبح الفساد.
تتطلب الازمة المالية من الحكومة العراقية رسم سياسات اقتصادية ملائمة للتعامل مع الصدمات التي تواجه العراق والمتمثلة في الصراع المسلح مع تنظيم "داعش" والأزمة الإنسانية المترتبة عليه وانهيار أسعار النفط وما ترتب عليه من انحسار في تدفق العملة الاجنبية. على مستوى الموازنة العامة، اجرت الحكومة عملية تصحيح مالي كبيرة يتم معظمها من خلال خفض الإنفاق الرأسمالي غير الكفء مع حماية الإنفاق الاجتماعي، وقد جاء برنامج المالية العامة المعدل في 2016 ومشروع موازنة 2017 متسقين مع ما ورد في اتفاق الاستعداد الائتماني. وينبغي أن يتم بالتدريج تحسين عناصر التصحيح المالي، عن طريق زيادة الإيرادات غير النفطية وتخفيض الإنفاق الجاري وإصلاح قطاع الكهرباء، والدعم، والمؤسسات المملوكة للدولة، لإفساح المجال أمام إنفاق استثماري أكبر وأكثر فاعلية وكفاءة بما يدعم تحقيق النمو الاقتصادي.
اما بالنسبة لإجراءات دعم استقرار القطاع المالي فيتم ذلك عبر تعزيز الإطار القانوني للبنك المركزي العراقي، وإعادة هيكلة البنوك المملوكة للدولة، وإلغاء قيود الصرف مع الابقاء على اسعار الصرف الحالية للدينار دون تغيير كونها توفر ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد وامتصاص الضغوط التضخمية. كذلك ينبغي تطبيق إجراءات جديدة لمنع غسيل الأموال، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز قانون مكافحة الفساد. وقد اتسم الأداء الحكومي بالتباين في ظل اتفاق الاستعداد الائتماني، غير أنه تم التوصل إلى تفاهمات بشأن الإجراءات التصحيحية الكافية لإبقاء البرنامج على مساره المقرر. وسيكون من الضروري مراعاة التنفيذ الحازم، مع توافر الدعم الدولي القوي.
هل العراق بحاجة لمظلة الصندوق؟
انخراط العراق في برامج المساعدات المالية والفنية لصندوق النقد الدولي يمنح العراق فرصة في تجنب الجزء الحاد من الازمة الراهنة ويوفر مظلة رقابية دولية لأداء الحكومة العراقية ويزيد من حوكمة المؤسسات العامة وتصحيح الانحراف الذي تسلل لكافة مؤسسات الدولة بسبب المحسوبية والفساد وهيمنة الاحزاب السياسية على عملية صنع القرار الاقتصادي في البلد بما يتوافق وبرامجها السياسية وعلى حساب تحقيق التنمية والاستقرار. وقد افصحت تجربة العقد الماضي بان النموذج التوافقي في ادارة الدولة تميز بغياب الرؤية الاقتصادية وضعف السياسات اللازمة لإصلاح الاقتصاد وتنمية قطاعاته الزراعية والصناعية والخدمية فضلا على هدر الموارد وتعميق الاختلالات الهيكلية عبر ادامة زخم المورد النفطي في تمويل الموازنة والاقتصاد وامتصاص البطالة، دون الالتفات الى خطورة ربط المصير الاقتصادي والمالي للبلد بمورد مرتبط بعوامل خارجية.
وبذلك يمكن ان تساعد المؤسسات الدولية في تصميم إطار اقتصادي جديد يناسب واقع الاقتصاد العراقي ويحد من عبث مافيات الاحزاب السياسية في البلد في التحكم بموارد النفط بعيدا عن التنمية والاستقرار. كما يوفر برنامج اصلاح المالية العامة املاً في تصحيح خطط وبرامج الموازنة العامة بما يخدم التوازن الاقتصادي في البلد عبر تحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة ودعم الفئات محدودة الدخل وتفعيل المنافذ المالية البديلة للنفط لتكون رافدا مستدام في تمويل الموازنة عبر اصلاح النظام الضريبي وتفعيل السوق المالي لامتصاص الفوائض المالية للجمهور وتحويلها لقنوات استثمارية بدلا من مظاهر الاستهلاك المذهل التي يشهدها البلد حاليا.
اضافةتعليق