قيل إن الزراعة نفط دائم وقيل إنها معين لا ينضب وقيل لا خير في امة تأكل أكثر مما تنتج، والواقع يقول إن بلداً بلا زراعة سيكون حتما غير مكتمل السيادة إذ إن أمنهَ الغذائي مرهون بيد من يمونه بحاجته الغذائية، والأمن الغذائي لا يتحقق إلا من خلال الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي الوطني.
إن نمط الإنتاج السائد في العراق يتسم بما يسمى "بنمط اقتصاد الريع"، فاستخراج النفط وتصديره يشكل المصدر الرئيسي لتحريك النشاط الاقتصادي في عدد من القطاعات، حيث يساهم القطاع النفطي بنسبة كبيرة من تركيب الناتج المحلي، وحوالي 90% من إيرادات الموازنة العامة تعتمد على القطاع النفطي، كما أن عوائد الصادرات النفطية تمثل إجمالي الصادرات والتي تعد المصدر الرئيسي للاحتياطيات من النقد الأجنبي، إلا أن مساهمة القطاع الزراعي منخفضة في إجمالي الناتج المحلي إذ تبلغ9%، كما تنخفض نسبة الصادرات الزراعية من إجمالي الصادرات.
صحيح إن التنوع الاقتصادي هو الطريق نحو تنمية مستدامة وإن الاقتصاد الذي يتمتع بأساس قوي في الصادرات، يساعد على حماية الدولة ضد التغييرات غير المتوقعة في الاقتصاد المحلي وضد التقلبات الخارجية التي تحدث في السوق العالمية، بيـــنما الواقع الفعلـــي يبين بما لا يقبـــــل الشك، إن غلبة المشروعات الصغيرة وغير النظامية والتقليدية والضعف الهيكلي في الاقتصاد العراقي وتراجع النمو الاقتصادي أصبح غير قادر على مواصلة الالتزام بتقديم حتى الخدمات الأساسية إلى مواطنيها.
إن بوادر ندرة الإنتاج الزراعي الذي بات ينقرض تدريجياً مع اتجاه السكان نحو الحياة المدنية والرفاهية، والتي تتسبب في مشكلة غلاء الأسعار والارتفاعات الحاد في أسعار المواد الغذائية والتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى فقر أكثر، وهذا هو الاتجاه في هذه المرحلة في العراق، فإن ألأراضي الشاسعة المتروكة تحولت إلى أراضي بور جرداءٍ بسبب هجرة الشباب والأيدي العاملة من تلك الأراضي نحو المدن والحياة المرفهة والاعتماد على استيراد الكثير من المحاصيل الزراعية كالحنطة والشعير والرز وكذلك الفواكه والخضر.
وإذا كان هذا هو الحال فأفضل الاستثمارات الآن هي الاستثمارات الزراعية الكبيرة المجهزة بالتقنيات الحديثة من مكائن ومعدات وبذور جيدة وأسمدة بأنواعها، إذ إن الواقع قد تغير، فان التحول نحو الزراعة المتخصصة (الزراعة التجارية ) والتي تمثل المرحلة الأخيرة من مراحل التطور في ثورة الإنتاج الزراعي، والذي يكون ناتج المزرعة قد تم إنتاجه بالكامل للسوق وهذا النمط موجود في معظم الدول المتقدمة، إذ إن العائد يكون عالياً ومضموناً وذلك لارتفاع التراكم الرأسمالي والتقدم التكنولوجي ومراكز البحث والتطوير، والخروج عن نمط الزراعة التقليدية الذي يهدف إلى توفير سلع الاستهلاك العائلي والذي يتصف بانخفاض الإنتاجية وارتفاع نسبة المخاطرة وعدم التأكد.
وإن المزارع العادي لا يستطيع أن يستخدم هذه التقنيات دون دعم الدولة فهو لايملك سوى جهده وان الدعم الحكومي لا يتوقف على الدعم المالي كالتسهيلات المالية والمنح والقروض فقط، إذ لابد من تقديم خدمات للمزارعين والتي عادة ما تكون على شكل معلومات وأفكار جديدة وطرق حديثة ومتقدمة، وكل هذا للمساعدة في كيفية استخدام الأسمدة وكيفية مكافحة الآفات والحشرات، وكيفية استخدام المكننة الحديثة وإصلاح التربة وغير ذلك بهدف الحصول على عائدات زراعية أعلى، إذ ستسهم الاستثمارات الكبيرة في تخفيف العجز الإنتاجي، كما أنها سوف تعود بالفائدة على المستثمرين والدولة. وأنا اليوم أدعو المستثمرين للعودة إلى الأرض وتشجيع القطاع الخاص بالاستثمار ألزراعي والقيام بالثورة الخضراء، وهذا يتطلب العمل الجاد لنكون في أمن اقتصادي سينعكس علينا ربحاً وأمناً غذائياً وستكون استثماراتنا هذه ذات عوائد أعلى من الاستثمارات الأخرى.