الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على وضع الموازنة في العراق

أزمة الرهون العقارية التي اجتاحت سوق نيويورك (NYEM) انعكست على الأسواق المالية العالمية الأخرى، مما أدى إلى وجود أزمة اقتصادية ومالية، إذ يتوقع الكثير من الخبراء أن تؤدي أزمة الائتمان العقاري إلى خسائر مالية عالمية تصل إلى واحد تريليون دولار تطال جميع البلدان، فالأزمة الحالية هي أكثر الأزمات المالية التي عصفت بالبلدان سوء في الزمن الحاضر منذ أزمة (1929) ولم تكن هذه الأزمة وليدة فترة قريبة بل تعود للأعوام (2005-2006) لا بل تعود إلى أكثر من ذلك الوقت والأسباب الكامنة خلفها هي تحول النظام الرأسمالي من الرأسمالية الصناعية إلى الرأسمالية المالية وكان ذلك خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي، إن هذا التحول ولد فجوة كبيرة ما بين القطاعين الحقيقي والمالي والدليل على ذلك إن الناتج القومي الحقيقي العالمي 48 ترليون دولار في حين إن قيمة الأصول المالية (تعكس هذه الأصول مجموع القيم الحقيقية للسلع والخدمات المنتجة عالمياً) قد بلغت 148 تريليون دولار مما ترتب عليه حصول خلل بنيوي في النظام الرأسمالي والمتمثل باتساع هذه الفجوة. الفساد الإداري لمصارف الاستثمار الأمريكي وعدم التزامها مقررات لجنة بازل/2 تؤكد على ارتفاع نسبة رأس المال إلى إجمالي القروض الممنوحة، إذ تمادت هذه المصارف في التوسع بالائتمان العقاري وتجاوزت النسبة المذكورة بكثير، فقد وصلت نسبة الائتمان الممنوح بضمان العقار إلى أكثر من 70% في الوقت الذي كانت فيه قيم العقار مرتفعة جداً. ولعل من أهم أسباب الأزمة المالية تتركز على الآتي:- 1. يتكون المؤشر العام لأسعار الأسهم في سوق نيويورك من مجموعة قطاعات منها}الصناعة- النقل والموصلات والخدمات (قطاع المصارف خصيصاً) فأن تعرض بعض المصارف الأمريكية إلى خسارة كبيرة انعكست في انخفاض مؤشر قطاع المصارف وكنتيجة طبيعة فأن المؤشر العام للأسعار المتكونة في القطاعات الثلاثة المذكورة سينخفض هو الآخر متأثراً بالأزمة العقارية، فضلا عن ذلك فان أسعار الأوراق المالية الأخرى في السوقين النقدي والمالي تتأثر هي الأخرى مما ولدت معه أزمة السيولة وعدم الثقة بالسوق ككل. 2. ومن أسباب انتقال اثر الأزمة إلى الأسواق المالية الأخرى هو وجود الاستثمارات الأجنبية في البنوك الأمريكية، إذ تقوم بعض البورصات والبنوك المركزية في بعض البلدان على إعادة تشغيل الأموال الفائضة في بورصة نيويورك لغرض المضاربة والربح. 3. وجود مصارف أمريكية تستثمر في نفس المجال {الائتمان العقاري} في أسواق بلدان أخرى كسوق لندن وباريس...... الخ. 4. ولعل من أسباب انتقالها عالميا أيضا هو تسهيل المضاربة الاستثمارية، إذ يلاحظ إن المستثمر في سوق نيويورك الذي يملك أصول مالية قي أسواق أخرى يضطر إلى بيعها لغرض موجه أزمة السيولة والاحتفاظ بالسيولة، وهذا ما تم ملاحظته في سوق دبي إذ قام المستثمر الأجنبي ببيع أصوله المالية لغرض الحصول على السيولة والذي انعكس بدوره على سوق دبي ولد معه أزمة عدم الثقة.. مظاهر الأزمة لقد ولدت أزمة الرهون العقارية وإعلان بعض المصارف الأمريكية إفلاسها، قيام البعض الآخر من المصارف بعد الأزمة إبداء رغبة الاحتفاظ بالسيولة بدلا من إقراضها واستثمارها في السوق المالية. 2. أزمة تمويل: وتمثل بعدم رغبة المصارف بتمويل المشاريع الاستثمارية وحتى في حالة لجوء تلك المشاريع للاقتراض بشكل مباشر من البنوك التجارية فان الأخيرة تفرض سعر فائدة مرتفع رغبةً منها بالاحتفاظ بالسيولة بدلا من إقراضها. وقد أدى ذالك إلى تعميق الأزمة من جانبين. أ- انخفاض أسعار الأسهم ومن ثم أزمة في سوق الأوراق المالية. ب- انخفاض في أسعار السلع والخدمات. 3. أزمة الثقة: وتمثلت في السعي المحموم للأفراد في الاحتفاظ بالأصول المختلفة (الاكتناز) أو الهرع إلى سحب أموالهم من المصارف، خصوصاً في أوربا. ويتوقع أن تنعكس هذه الأزمة على القطاعات الاقتصادية، إذ يتوقع أن يتراجع معدل النمو الاقتصادية في بريطانية من (1,8% عام 2008 إلى 1,4% عام 2009) في حين انخفض معدل النمو الاقتصادية في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من عام 2008 بمقدار 3% ويتوقع أن يتراجع أكثر من ذلك، كذلك تراجع معدل النمو الاقتصادي للبلدان التي تغطيها منظمة التعاون الاقتصادية العالمية من 2,7% عام 2008 ،إلى 1,7% عام 2009 مما يؤدي إلى ظهور مشاكل الركود الاقتصادي وما يترتب عليه من ارتفاع معدلات البطالة نتيجة تسريح المؤسسات لموظفيها، مما يعكس حجم الآثار الخطيرة. المعالجات اخذ رجال السياسة الاقتصادية على عاتقهم في ظل الآثار الخطيرة التي ولدتها الأزمة المالية إيجاد الحلول والمعالجات لإيقاف انتشار تلك الآثار، إذ وضع السيد بوسلن خطة عرفت بـ (خطة بوسلن) (وزير الخزانة الأمريكي) والتي تمثلت بالإجراءات:- ضخ 250 مليار دولار على شكل شراء للأصول المعدومة (العقارات) على انه لا توجد لحد الآن آلية لدى الفيدرالي الأمريكي حول شراء تلك الأصول. وضخ 100 مليار دولار أخرى إضافية في حالة عدم كفاية الأولى. ضخ أكثر من 350 مليار دولار وبموافقة الكونغرس الأمريكي وقد زاد هذا المبلغ إذ وصل إلى أكثر من 700 مليار دولار، على الرغم من إن مراقبي السوق المالية يتوقعون إن السوق المالية تحتاج إلى أكثر من 1200 مليار دولار. بعض الإجراءات النقدية والتي تمثلت بقرار البنك الفيدرالي الاحتياطي الأمريكي بخفض معدلات الفائدة وبشدة وبشكل فوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإبطاء النتائج السلبية إلا إن هذه الإجراءات قد ساهمت في تعميق الأزمة، إذ دفع هذه الإجراء إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن معدلات فائدة أعلى إلى الخارج. * انعكاسات الأزمة المالية العالمية على وضع الموازنة في العراق قد لا يتأثر الاقتصاد العراقي على المدى القصير بالآثار السلبية للازمة المالية خصوصاً وان سوق العراق للأوراق المالية ينخفض فيه عدد المستثمرين الأجانب، إذ لا يشكل حجم تداول أموال المستثمرين الأجانب من مجموع أحجام التداول سوى 3%، كذلك قلة عدد المستثمرين المحليين في الأسواق المالية الأخرى العربية والأجنبية منها، ولكن قد يتأثر الاقتصاد العراق على المدى الطويل خصوصا وضع الموازنة، فقد انعكست الأزمة على الأسعار العالمية للنفط إذ انخفضت من 148 دولارا للبرميل الواحد إلى 63 دولاراً للبرميل الواحد، ففي الوقت الذي تم تقدير الموازنة لعام 2009 بـ 78 مليار دولار، على أساس إن سعر البرميل الواحد 80 دولار، إلا إن سعر النفط انخفض إلى أكثر من ذلك مما ترتب عليه حصول عجز تقديري في الموازنة المقبلة تقدر 15 مليار دولار، ولكن تستطيع الحكومة العراقية إن تواجه هذه العجز حتى ولو استمر سعر البرميل الواحد من النفط بالانخفاض، خصوصاً وإنها تمتلك فوائض مالية من الموازنات السابقة ولكن في الأمد الطويل إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فان ذالك سيؤثر على وضع الموازنة العامة وبالتالي على الاقتصاد ولغرض مواجهة هذه الأزمة يتطلب:- 1. الشراكة ما بين القطاعين الخاص والعام. 2. تأهيل وتطوير القطاع النفطي لزيادة الإنتاج من النفط وبالتالي مواجهة الانخفاض في أسعار النفط، خصوصا وان العراق لم تتجاوز حدود الإنتاج القصوى لمنظمة أوبك. 3. تنويع مصادر الدخل لغرض تنويع وتوسيع الإيرادات. 4. الاستفادة من الفوائض المالية التي تحققت في الموازنات السابقة.
التعليقات