ادى التراجع المستمر في اسعار النفط العالمية الى انزلاق الاقتصاد العراقي الى ركود عميق وعسر مالي خطير، تزامن ذلك مع تحدي مزدوج يواجه الحكومة العراقية متمثلا في مقارعة تنظيم داعش الارهابي من جهة والاصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد المالي والاداري من جهة اخرى.
ويعيد انخفاض أسعار النفط تسليط الضوء على مسائل اقتصادية أساسية مثل إعادة هيكلة الاقتصادات الوطنية والبحث عن إيرادات متنوعة للخزينة العامة والعمل على تنويع القاعدة الاقتصادية وتحفيز القطاع الخاص. فالاعتماد على إيرادات النفط في السنوات السابقة حجم من دور القطاع الخاص وأدى الى انحسار نشاط القطاعات غير النفطية.
وقد توجهت الانظار نحو القطاع الخاص ودوره في تغير النظام الاقتصادي القائم منذ العام 2003 ليكون قاطرة للنمو والاستقرار الاقتصادي في البلد بدلا من الادمان المزمن على المورد النفطي. وفي هذا السياق انشأت الكثير من المؤسسات واتخذت جملة من الاجراءات والبرامج لأجل التمهيد الى تحول سلس نحو القطاع الخاص والتصفية التدريجية لمنشآت القطاع العام دون الاضرار بالقوى العاملة فيه عبر زجهم في مشاريع متوسطة وصغيرة تلقى الدعم الحكومي. الا ان معظم هذه البرامج بقيت حبرا على ورق نظرا لعدم واقعيتها كونها كانت وصفات جاهزة للتحول نحو القطاع الخاص بعيدة عن الواقع الاقتصادي في العراق ومتطلباته.
المحور الاول: القطاع الخاص ودوره المأمول
ان تعزيز دور القطاع الخاص وتحفيزه على اخذ دوره الريادي يمكن ان يسهم في تنشيط الاقتصاد الوطني وفك الاختناق المالي الذي يعاني منه البلد، من خلال ما يلي:
1- استيعاب عدد كبير من الايدي العاملة وبمختلف الاعمار والمهارات نظرا لتوفر فرص عمل متنوعة في مختلف قطاعات الاقتصادية تتناسب مع معظم المهارات المتوفرة، وبذلك يرفع القطاع الخاص عن كاهل الحكومة مسؤولية توفير فرص عمل لكافة الباحثين عنها.
2- ارتباطا بالنقطة السابقة، يؤدي امتصاص البطالة عبر فرص العمل التي يقدمها القطاع الخاص الى تحقيق دخول للعاملين تتحول الى طلب فعال قادر على تحفيز النشاط الاقتصادي بدلا من ارتباط الاخير بالإنفاق الحكومي والمرتبط اساسا بالتقلبات سعر النفط.
3- بيع الشركات والمنشآت الحكومية الغير قادرة على الانتاج، او اتباع منهج المشاركة مع القطاع الخاص، سيوفر للحكومة موارد مالية جيدة نظرا لتوقف الدعم السنوي المقدم لهذه الشركات لأجل ممارسة اعمالها من جهة، والحصول على مبالغ كبيرة مقابل بيع هذه الشركات من جهة اخرى.
4- نهضة القطاع الخاص واضطلاعه بمهمة توفير السلع والخدمات في البلد، مع حماية جمركية من قبل الحكومة، سيوفر جبهة عريضة من السلع المحلية تحد من نزيف العملة الاجنبية بسبب الاستيراد المذهل من جهة وتحقق الامن الغذائي للبلد من جهة اخرى.
5- استحواذ القطاع الخاص على جزء أكبر من عملية الانتاج في البلد على حساب تقليص دور الدولة سيزيد من كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية.
6- بفعل التشابكات القطاعية فان نهضة القطاع الخاص (الصناعي تحديدا) سيحفز بدوره كل من القطاع الزراعي والتجاري والخدمي وغيرا من القطاعات الاقتصادية.
المحور الثاني: تحديات انطلاق القطاع الخاص.
ان القطاع الخاص في العراق يعاني من مجموعة من المشاكل والعوائق التي تحول دون تطوره بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر:
1- تدهور الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي في البلد.
2- الافتقار إلى سياسات واستراتيجيات تدعم القطاع الخاص وتقادم وتعقيد الإطارين القانوني والتنظيمي الذين صمما لاقتصاد مخطط مركزياً.
3- عدم كفاية مصادر التمويل المتاحة وطول المدة اللازمة للحصول على قروض استثمارية.
4- انهيار البنية التحتية المادية في البلد وعدم كفاية إمدادات الطاقة والمياه.
5- شحة الموارد البشرية المؤهلة لاسيما العمالة الماهرة.
6- سوء ادارة الملف الاقتصادي من لدن صناع القرار.
7- الاستيراد المنفلت وعدم قدرة المنتج المحلي على المنافسة.
8- تعقيد الحلقات البيروقراطية وتفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري الذي ينتاب هيئات الاستثمار.
المحور الثالث: القطاع الخاص وسياسات التحفيز المطلوبة.
في اواخر شهر اب الماضي شكلت الحكومة العراقية خلية ازمة لمتابعة الوضع الاقتصادي والمالي ورسم السياسات القادرة على التكييف مع الهبوط المتواصل في أسعار النفط، من خلال إطلاق مبادرة جديدة لتطوير القطاع الخاص في سياق المنهاج الحكومي للإصلاح الاقتصادي. مع ذلك، يشار الى اخفاق عدد كبير من البرامج الحكومية التي نُفذت خلال العقد المنصرم لدعم القطاع الخاص في العراق وتذليل عقبات انطلاقه، لأنها كانت مجزأة ولا تندرج ضمن استراتيجية مترابطة أو خطة تتضمن إجراءات متعاقبة يمكن أن تستخدمها الحكومة في معالجة المشاكل التي تعرقل ظهور قطاع خاص فاعل.
ان تطوير مكانة وأداء القطاع الخاص يعتبر قضية جوهرية يتوجب أن ترتكز عليها السياسات الاقتصادية من خلال تبني استراتيجية مثلى لتطوير القطاع الخاص تعكس الفهم الصحيح والتصور الواضح لآليات وسبل تفعيل دوره في النشاط الاقتصادي، لذا ينبغي على الحكومة إطلاق حزمة من السياسات والاجراءات المناسبة لتحفيز وتعزيز هذا القطاع في المرحلة الراهنة لعل أبرزها: -
1- البدء بحوار بين الحكومة والقطاع الخاص، حيث تتشاور الحكومة (مجلس الوزراء ومجلس النواب) مع القطاع الخاص عند وضع سياسات أو قوانين أو أنظمة أو تعليمات تخص الأخير من خلال لقاءات وندوات مشتركة لمراجعة وتبسيط الإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بنشاط القطاع الخاص تذليل العراقيل التي تعيق انطلاقه.
2- توفير التمويل الكافي للقطاع الخاص عبر إصدار قوانين جديدة وإزالة التعقيدات الروتينية وتحسين فرص هذا القطاع في الحصول على تمويل ملائم يتناسب والفرص الاستثمارية في البلد، والعمل على استحداث آليات تمويل جديدة تكون متاحة لمعظم الشركات والمؤسسات الخاصة، لاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
3- ضرورة توفير مناخ ملائم ومحفز يساعد على تنشيط القطاع الخاص من خلال توفير البنية التحتية اللازمة والحماية الامنية للمشروعات والمؤسسات العاملة في البلد.
4- تبني برامج متقدمة للتدريب والتأهيل تساهم في تمكين قوة العمل العراقية ورفع مستوى مهارتها بحيث تكون هذه البرامج متجانسة ومتناغمة مع متطلبات سوق العمل العراقي، لأجل رفد القطاع الخاص بأيدي عاملة متنوعة المهارات تتلاءم واحتياجات السوق.
5- العمل على تسهيل اجراءات منح اجازات الاستثمار وتخصيص الاراضي اللازمة للمشروعات الاستثمارية ومنح اعفاءات ضريبية وحماية جمركية من السلع المماثلة لأجل تمكين القطاع الخاص من النفاذ الى الاسواق المحلية ومنافسة المنتج الاجنبي والاستحواذ على الاسواق المحلية.
6- إحداث شراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التكامل في النشاط الاقتصادي وبما يخدم كلا القطاعين، ويؤسس لنمو ديناميكي للقطاع الخاص يمكنه من الحصول على فرص أفضل لتوسيع نشاطه ومن ثم تعزيز مكانته وأدائه بما يعود بالفائدة على النشاط الاقتصادي ككل.
7- ايجاد سوق تنافسي واجتماعي بعيد عن الاحتكار، من خلال سن قوانين تؤطر عمل الاسواق المحلية وتزيد من كفاءتها في تخصيص الموارد.