مشكلات وعُقَد إدارة الأموال والمشاريع العراقية

شارك الموضوع :

أن المشاكل المزمنة التي ترافق إدارة الأموال والمشاريع العراقية، يجب أن يتم رصدها بشكل حقيقي ومسؤولية صادقة ومخلصة، وبأساليب علمية وخبرات مختصة في المعالجات الناجعة، فالقضاء على الظاهرة الريعية وأحادية الإيرادات العراقية والمشكلات الأخرى التي تم ذكرها، يجب التصدي لها بإرادة رجال الدولة المخلصين الأبرار لبلدهم وشعبهم وأنفسهم وتبرئة ذممهم أما الله وخَلْقهِ

بدءًا لابد من الإشارة إلى أننا لم نذكر لفظة الدولة، حتى نؤكّد بأننا نتطرق في هذا المقال إلى الاموال العراقية بشكل عام، الخاصة منها والعامة، أي أموال القطاع العام على حدة، ومن ثم أموال القطاع الخاص، فهذه في الحقيقة كلها أموال عراقية وإن كانت تعود من حيث الإدارة والتملّك للدولة أو للشركات الخاصة والأفراد. 

هناك حالة أو يمكن أن نسميها ظاهرة، تتعلق بالمال العراقي، وهي وجود مشكلات وعُقَد مزمنة في كيفية إدارة هذا المال، بشقّيه العام والخاص، وهذه العُقُد التي يمكن أن تبلغ مرحلة المرض، نجدها على حدّ سواء في أموال الدولة والحكومات العراقية المتتالية، وأيضا نجدها في أموال القطاع العام.

من الأمراض التي يمكن تشخيصها في الفضاء الإداري لهذه الأموال، أنها ليست خاضعة لإطار حوكمي عالي المستوى، وهذا يدلل على ضعف الإجراءات الرقابية على كيفية إدارة هذه الأموال، وتوجد أمثلة كثيرة يمكن أن نضربها هنا لإثبات ضعف الحوكمة في إدارة المال العام، ومن هذه الأمثلة قضية التجاوز على الأمانات الضريبية التي بلغت مليارات الدولارات.

فالمشكلة الأكثر وضوحا في إدارة المال العام قد نعثر عليها في المجال الضريبي، حيث لا توجد جباية منتظمة ومحمية بالقوانين الدقيقة، وحتى لو كانت هناك نصوص تشريعية صارمة ودقيقة وواضحة سوف تظهر لنا مشكلة تطبيق هذه النصوص بشكل صحيح وعادل، لهذا تسرّبت أمراض (المحسوبية، والرشوة، وحتى الابتزاز) إلى التعاملات الضريبية في الدولة العراقية، مما تسبَّب بمشكلة بالغة التعقيد في إدارة المال العام بالخصوص.

من المشكلات الأخرى أيضا، قضية الجباية الضريبية عن الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطن (على ضعفها)، نحن هنا لا نتحدث عن ضعف الخدمات أو تصفيرها أحيانا، فهذه القضية واضحة للعيان، ولكننا لابد أن نؤكد ضعف الجانب التحصيلي أو جباية الأموال الضريبية إزاء فاتورات الكهرباء والماء والمجاري وما شابه، نعم هذه الخدمات الحكومية ضعيفة، ولكن لابد أن يكون لدى الدوائر المختصة جهاز إداري متمكن لجباية موارد هذه الخدمات حتى تدعم خزينة الدولة وموارده، وتكون هناك آليات وطرق منتظمة لتحقيق قضية الاستدامة في هذه الجباية.

هذا الجانب في الحقيقة شبه مهمل، وهناك من يضع المعرقلات أم تطوّره وتطبيقه بالشكل الصحيح، حتى يبقى اللاعبون الماكرون يصطادون في الماء العكر، في مقابل تعميق المشكلات والعُقَد التي تتسبب في هدر الكثير من الموال العراقية.

من المشكلات الأخرى في هذا الجانب، تلك الصفة التي تهيمن بشكل مطلق على الإيرادات العراقية، وعلى الأموال التي تغذي الميزانية السنوية للدولة العراقية، وهذه الصفة أو الحالة هي الاعتماد التام على تصدير النفط للحصول على الأموال اللازمة التي تحتاجها الميزانية السنوية، وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين سنة على الحكومات الجديدة، إلا أنها لم تتقدم خطوة واحدة باتجاه معالجة هذه الظاهرة الخطيرة.

أما إذا تطرقنا إلى المال الخاص وأمراضه، ونعني به أموال الشركات الخاصة والأفراد، فإنه في الحقيقة ليس أفضل حالا من قرينه (المال العام)، فالمشكلة الأكثر وضوحا وتعويقا لتطور وتقدم القطاع الخاص في العراق، تكمن في تخوّف أصحاب المال (شركات وأفراد) من الاستثمار الحقيقي في الساحة الإنتاجية الوطنية (داخل العراق)، خوفا على أموالها (ورساميلها) من سطوة وهيمنة الكبار، بالإضافة إلى وضع المعرقلات أمامها، خصوصا ما يتعلق بالإجراءات البيروقراطية التي يتعامل بها الجهاز الإداري مع القطاع الخاص.

وكما هو معروف بأن رأس المال يتّسم بالجبن دائما والفرار بعيدا عن المساحات الاستثمارية غير الآمنة، فإن هذه الحالة أصابت القطاع الخاص العراقي بالوهن، وتركت الأمراض المالية والاقتصادية تستفحل في هذا القطاع، واصابته بحالة من الانكماش والتردد، ولهذا مرّت عشرون عاما ونحن ندور ونجول في فضاء السوق العالمي الحر، ولم نحقق نتائج اقتصادية ومالية يُشار لها بالبنان فيما يخص القطاع الخاص.

كذلك من المشكلات الواضحة في القطاع الخاص، أنه لا يتميز بالجرأة التي يجب ن تتوفر لهذا النوع من الأنشطة التجارية والصناعية والإنتاجية، فالمعروف أن التخوّف والانكماش لن يوفّر الفرص الصحيحة لتقدم المشاريع الكبيرة أو المتوسطة التي تنشأ بعيدا عن هيمنة القطاع العام، لذا غالبا ما تكون الخطوات محسوبة أكثر من اللازم، لدرجة أن التحسّب هنا والخوف من المغامرة يصنع عائقا لإيقاف المشاريع الخاصة. 

هذه أمثلة واضحة ومأخوذة من قلب الواقع، توضّح الكيفية التي يتحرك ويُدار بها المال العراقي الخاص والعام، وهي أمثلة سريعة ومقتضبة يمكن أن يطوّرها مختصون آخرون لوضع الحلول المقترحة لمثل هذه المشكلات والمعوقات المزمنة، بعد إجراء التمحيصات اللازمة لهذه المعوّقات.

الخلاصة التي يمكن أن تُقترَح وتُوضَع أمام المعنيين هي، أن المشاكل المزمنة التي ترافق إدارة الأموال والمشاريع العراقية، يجب أن يتم رصدها بشكل حقيقي ومسؤولية صادقة ومخلصة، وبأساليب علمية وخبرات مختصة في المعالجات الناجعة، فالقضاء على الظاهرة الريعية وأحادية الإيرادات العراقية والمشكلات الأخرى التي تم ذكرها، يجب التصدي لها بإرادة رجال الدولة المخلصين الأبرار لبلدهم وشعبهم وأنفسهم وتبرئة ذممهم أما الله وخَلْقهِ.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية