سلوكيات القائد النرجسي وأثرها على الرضا الوظيفي

شارك الموضوع :

لابد من اعتماد معايير خاصة تراقب من يتربّع على قمة الهرم الإداري، وتحلل ما يصدر عنه، فإذا كان ميالا لتقليل الرضا الوظيفي، من خلال تثبيط همم العاملين والموظفين، فلا يجوز أن يتسنّم مناصب قيادية مهمة، وغالبا ما تكون النرجسية والأنانية هي السبب الأول في الفشل القيادي، وهذا ما يوجب التصدي عبر تشريعات وقوانين الأنظمة الداخلية التي تحمي المؤسسات والمنظمات من تسلل النرجسيين إلى مراتبها العليا

بدءًا لابد من التوضيح بأن القيادة شيء إيجابي ومهم بالنسبة لأي مجتمع أو تنظيم إداري أو مؤسسة معينة، في حين أن النرجسية تمثل مرض نفسي يجب ألا يجتمع مع القيادة في مركبٍ واحد، فالنرجسية بحسب المصادر المتخصصة تعني حب النفس أو الأنانية، واضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والتكبر، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين. 

وتُنسَب كلمة النرجسية إلى أسطورة يونانية، ورد فيها أن نركسوس كان آية في الجمال وقد عشق نفسه حتى الموت عندما رأى وجهه في الماء. كما تُعدّ النرجسية مشكلة اجتماعية أو ثقافية. وهي إحدى سمات الشخصيات الثلاثة في ثالوث الظلام إلى جانب كل من المكيافيلية والاعتلال النفسي. وعادةً ما تمثل النرجسية مشكلة في علاقات الفرد مع ذاته أو مع الآخرين باستثناء النرجسية الصحية. 

من المشكلات الكبيرة التي تتعرض لها القيادة عندما يكون القائد نرجسي، وهذا يعني اختلال حتمي في القرارات القيادية المختلفة، وكما هو معلوم أن جميع المجالات في الحياة تحتاج إلى تنظيم وإدارة حتى يمكن وضع المدخلات المطلوبة لها، وبالتالي تحتاج إلى قيادة وفي الغالب تكون القيادة فردية، فمثلا إدارة المدرسة تخضع لمديرها، والجامعة كذلك والمستشفى والصنع وحتى الدول الكبيرة هناك مسؤولية كبرى تقع على قائدها السياسي.

فإذا اجتمعت النرجسية في شخصية القائد، سوف ينعكس هذا المرض النفسي السلبي على نوع الإدارة القيادية لهذا القائد، هناك نرجسية غير مريضة وهي معروفة وتم توصيفها وتفسير بشكل واضح من قبل المختصين، وهي تعني أن يحترم الإنسان ذاته ويقدر إمكاناته وقدراته، وهذا أمر مطلوب بالفعل، ولكن يجب أن لا يتضخم ذاتيا، حتى لا ينتقل من طبيعته الإيجابية إلى السلبية التي تصبح نرجسية مرضية تصيب صاحبها بالغرور والشعور بالعظمة.

لهذا فإن القائد النرجسي غير مرغوب في قيادة المؤسسات أو المنظمات أو الدول، لأنه لا ينجح في جميع المجالات، وأخطر الأسباب أن هذه الشخصية النرجسية تحطّم الرضا الوظيفي للموظفين والعاملين في المؤسسة أو في أي كيان إداري آخر.

فالقائد النرجسي لا يحب الموظف المتفوّق، لأنه ينظر إليه كعدو يريد أن يسرق منه أضواء العظمة، لهذا يسعى بأية طريقة أن يحطم هذا الموظف المتميز بألف طريقة وطريقة، وإذا تمكن من تحطيم هذا الموظف سوف يبحث عن الضحية القادمة، وهذا يعني تحطيما وتدميرا مستمرا للرضا الوظيفي، ففي أجواء القيادة النرجسية لن يوجد إبداع ولا ابتكار ولا توجد فرصة للتقدم النوعي في الإنتاج وحتى في الأفكار لأن النرجسية القيادية لا تسمح لها بالظهور.

هناك طرق كثيرة يمكن من خلالها رصد السلوك القيادي النرجسي، وهو في الغالب يتحول إلى سلوك عدائي (فردي/ دكتاتوري)، ويظهر بقوة في الأنظمة السياسية المستبدة، حيث الحاكم المريض غالبا ما يكون نرجسيا، ويعمل على تحويل كادره الحكومي أو الحزبي الأول إلى أدوات داعم للنرجسية ومنفّذة لأهدافها.

قد يحدث نفس هذا الأسلوب السياسي في الدولة داخل المؤسسات، فمدير أو قائد المؤسسة من الممكن أن يجعل من الكادر الأساسي الأول لها داعمين له، متملقين لشخصه، وهذا ما يزيد من شعوره بالغرور، ويدفعه لمواصلة إدارته (النرجسية) للمؤسسة أو المنظمة، حيث تكون قراراته فردية في الغالب، ومحطِّمة لقدرات الموظفين الجيدين المرموقين لأنه لا يحب المتفوق، بل يحب المؤيّد والمتزلّف له لأنه يؤيد أفعاله وقيادته النرجسية. 

كيف يمكن الحد من هذا النوع القيادي النرجسي، وعدم السماح له في تبوّء المراكز القيادية المهمة حتى لا يهمّش الموظفين المتميزين ولا يدمّر الرضا العملي الوظيفي للعاملين والموظفين، هناك أنظمة إدارية فعالة تمتلكها المؤسسات والمنظمات وحتى الشركات الفعالة، فهي غالبا ما تضع ضمن أنظمتها الداخلية التي تشبه (دستور الدولة) مجالس رقابية مهمتها رصد المخالفات القيادية، وتأشير التأثير النرجسي في القرارات المختلفة للقائد، واعتماد مبدأ التصويت والانتخاب لإزاحة القائد غير المرغوب به واستبداله بالجيد والمناسب.

وهناك أساليب أخرى تحد من وصول الشخصيات المريضة بالنرجسية إلى المراكز الأمامية، منها اعتماد التقارير السلوكية القادمة من جهات رقابية مستقلة معتمَدة في اختيار المدراء الإداريين، وهو نظام تعمل به بعض الدول المتطورة، حيث يوضع سجل لكل موظف أو عامل يبدأ من أول يوم له بالعمل، ويتم تسجيل جميع الملاحظات السلوكية الخاصة به، بحيث يتوفر عنه معلومات سلوكية تبيّن قدرته على القيادة السليمة أو فشله في ذلك.

وعلى العموم لابد من اعتماد معايير خاصة تراقب من يتربّع على قمة الهرم الإداري، وتحلل ما يصدر عنه، فإذا كان ميالا لتقليل الرضا الوظيفي، من خلال تثبيط همم العاملين والموظفين، فلا يجوز أن يتسنّم مناصب قيادية مهمة، وغالبا ما تكون النرجسية والأنانية هي السبب الأول في الفشل القيادي، وهذا ما يوجب التصدي عبر تشريعات وقوانين الأنظمة الداخلية التي تحمي المؤسسات والمنظمات من تسلل النرجسيين إلى مراتبها العليا.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية