يبدو أن السياسة النقدية أسرفت في إلزام المصارف على تحديد سعر الفائدة على الائتمان الممنوح بما لا يتوافق مع أحكام الاسلام التي تشجب الفوائد الربوية.
ولان الاقتصاد العراقي دائري فإن سياسة الحكومة تنعكس على سلوك الافراد والعوائل بشكل مباشر، لذا فقد أسهم التزايد في منح القروض للافراد بعد عام 2003 مع أسعار فائدة مرتفعة في تأكل المدخولات النقدية وانعكست على إنخفاض القيمة الحقيقية بسبب ارتفاع تكلفة الفوائد وارتفاع معدلات التضخم، مما أدى الى زيادة الأعباء التي يتحملها الفرد وبشكل أو بآخر تزايدت معدلات الفقر بالاقتصاد العراقي. ومن جانب أخر كانت التكلفة باهضة على المجتمع بسبب الآثر السلبي الذي تركته تلك القروض على التنمية إذ لم يسهم الائتمان الممنوح للافراد والقطاع الخاص من قبل البنوك التجارية في ظل مبادرات البنك المركزي بعد عام 2014 في تحقيق أستثمارات حقيقية لاسيما في ظل عزوف المقترضين عن مزاولة العمل بالقطاع الخاص الداعم للانشطة الانتاجية لأسباب مختلفة قد تعزى الى عدم توفر البيئة الاستثمارية الداعمة والتراخي في تبني أستثمارات فاعلة ، يضاف الى ذلك عدم الرشادة التامة بالتصرف باموال الاقتراض والدخول في مشاريع خاسرة أو ضعيفة القيمة المضافة في الناتج المحلي الاجمالي .
وكان التوجه الحكومي الاخير المتناغم مع البرنامج الحكومي في اصلاح المنظومة المالية والمصرفية بالزام وزارة المالية والبنك المركزي والمصارف الحكومية والأهلية بإعادة النظر في احتساب الفوائد المدفوعة على القروض الممنوحة للمواطنين بأستعمال أسلوب الفائدة البسيطة التناقصية بدلاً عن الأسلوب التراكمي المتبع حالياً، اذ سيسهم هذا التوجه في رفع القدرة الشرائية للمستفيدين من تلك القروض وزيادة الاستهلاك المحلي لغالبية المواطنين.
والملاحظ أن السياسات الاقتصادية تحاول أن ترسم مسارات واضحة لتصحيح البنية الهيكلية للاقتصاد العراقي، إذ قام البنك المركزي من خلال سياسته النقدية بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للاقراض التي من المؤمل أن تدخل حيز التنفيذ في منتصف عام 2024 مما ينعكس ايجاباً على زيادة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنشيط حركة الاقتصاد المحلي، فضلاً عن توجه وزارة المالية من خلال سياستها المالية على حث المصارف الحكومية على اعادة أحتساب الفوائد على القروض بما يتوافق مع توجهات الحكومة الرامية الى زيادة معدلات التنمية.
وبذات الصدد، نرى ضرورة أستمرار مبادرات البنك المركزي بدعم المصارف التجارية الحكومية للمشاريع الزراعية والصناعية بدون فوائد (الفوائد الصفرية) لما لذلك من آثر تنموي يسهم في تعجيل الاستثمار وأمتصاص الايدي العاملة العاطلة ومن ثم تخفيض معدلات البطالة وأنعاش حركة الانتاج والاستهلاك والاسواق والتجارة الخارجية في البلد.