عود على بدء: الاحتياطي الفدرالي لم يُذكَر في قرار مجلس الأمن 1483

نبين، في هذا المقال، ما أشرنا إليه سابقا ونعيد إلى الأذهان بأن الصندوق العراقي للتنمية لا يحيل، حتما، إلى الاحتياطي الفدرالي، وعلاقة أموال العراق بالأخير ليست بقرار من مجلس الأمن كي ننتظر الخروج من قيوده. نصوص القرارات واضحة، كما أن أهميتها في العلاقات الدولية للعراق وسياقها الفريد على المستويين الإقليمي والدولي ومعاناة ملايين الناس من قسوتها كلها تحتم الاتفاق على دلالاتها وما رتبت من التزامات. وقد سبق للباحث مراجعة تلك القرارات في ورقة منشورة عام 2010 " تدويل العراق تحت الفصل السابع للميثاق" وتابعها لاحقا. وقد يجد القارئ معلومات ذات صلة في الفصل الرابع “اقتصاد العراق في الحرب والحصار والتدويل" الصفحات 123-163 من كتاب اقتصاد العراق في دراسات للباحث (2013).

صدر القرار 1483 عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع في 22 أيار، مايو، 2003، يتألف من 27 فقرة تناولت مسائل مختلفة ومنها خاصة نزع السلاح، والنظام السابق، والدعوة إلى مساعدة العراق للانتقال إلى الوضع الاعتيادي، واستحداث الصندوق العراقي للتنمية DFI وأوجب استلام إيرادات النفط جميعها فيه، ومساعدة العراق لحل مشكلة المديونية، واستقطاع التعويضات نسبة من كل إيرادات النفط. القرار لا يُلزم العراق فحسب بل جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة تجاه العراق. 

الفقرات التي أسست للصندوق لم تذكر الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، ولا أقرنت إدارة الصندوق بالولايات المتحدة. والصندوق يديره البنك المركزي العراقي حسب نصوص القرار، دون الإشارة إلى قيد على تصرفات البنك المركزي، او رقابة عليه من حكومة أجنبية أو بنك مركزي لدولة أخرى سواء الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أو غيره. وبعد سلسلة المقالات حول المسألة، التي أثيرت على هامش المنصة الإلكترونية لمراقبة التحويلات الخارجية للعراق، يبدو أن نصوص القرارات لم تُقرا كما هي وأجدني، مرة أخرى، مضطرا لاقتباسها هنا، وأضيفت الروابط الإلكترونية نهاية المقال، راجيا أهل الاختصاص القانوني الأعزاء العناية بهذه المسألة لحسمها في الوعي العام. 

  12 – يشير-أي مجلس الأمن-إلـى إنشاء صندوق تنمية للعـراق، يوضـع في عهــدة المصـرف المركـزي للعراق، ويقوم بمراجعة حساباته محاسبون عموميون مستقلون يقرهم المجلس الـدولي للمشـورة والمراقبة لصندوق التنمية للعـراق ويتطلـع إلى عقـد اجتمـاع مبكـر للمجلـس الـدولي للمشـورة والمراقبة، الذي سيكون من بـين أعضائـه ممثلـون مؤهلـون علـى النحـو الواجـب للأمـين العـام، وللمدير الإداري لصندوق النقد الـدولي، وللمديـر العـام للصنـدوق العـربي للإنمـاء الاقتصـادي والاجتماعي، ولرئيس البنك الدولي؛

 13 -يشيـر كذلك إلى أن أمـوال صنـدوق التنميـة للعـراق سـوف تصـرف بتوجيـه من السلطة، بالتشاور مع الإدارة العراقية المؤقتة، للأغراض المبينة في الفقرة ١٤ أدناه؛

  14-يشدد على وجوب استخدام صندوق التنمية للعراق على نحـو شـفاف لتلبيـة الاحتياجـات الإنسـانية للشـعب العراقـي، ومـن أجـل إعـادة بنــاء الاقتصــاد وإصــلاح الهيــاكل الأساسـية للعـراق، ومواصلـة نـزع سـلاح العـراق، وتغطيـــة تكــاليف الإدارة العراقيــة المدنيــة، وللأغراض الأخرى التي تعود بالفائدة على شعب العراق؛ 

 ١٥ -يطلـب إلى المؤسسـات الماليـة الدوليـة مسـاعدة شـعب العـراق في إعـــادة بنــاء اقتصاده وتنميته وتيسير تقــديم المسـاعدة مـن جـانب مجتمـع المـانحين بنطاقـه الأوسـع، ويرحـب باسـتعداد الدائنـين، بمــا في ذلــك نــادي بــاريس، التمــاس التوصــل إلى حــل لمشــاكل الديــون السيادية للعراق؛

 20 - يقرر أن تكون جميع صادرات العراق من مبيعـات النفـط والمنتجـات النفطيـة والغـاز الطبيعـي عقـب تـاريخ اتخـاذ هـذا القـرار متفقـة مــع أفضــل ممارســات الســوق الدوليــة السـائدة، وأن يتـولى مراجعـة حسـاباتها محاسـبون عموميـون مسـتقلون مسـؤولون أمـام الــس الدولي للمشورة والمراقبـة المشـار إليـه في الفقـرة ١٢ أعـلاه مـن أجـل كفالـة الشـفافية، ويقـرر كذلك أن تودع جميع العائدات الآتية مـن تلـك المبيعـات، باسـتثناء مـا هـو منصـوص عليـه في الفقـرة ٢١ أدنـاه، في صنـدوق التنميـة للعـراق إلى أن يتـم حســب الأصــول تشــكيل حكومــة عراقية ممثلة للشعب معترف بها؛ 

21-يقرر كذلك أن تودع نسبة ٥ في المائة مـن العـائدات المشـار إليـها في الفقـرة ٢٠ أعـلاه في صنـدوق التعويضـات المنشـأ وفقـا للقـــرار (٦٨٧) ١٩٩١ والقــرارات اللاحقــة ذات الصلة، وأن يكون هذا المطلب ملزما لحكومة العـراق الممثلـة للشـعب المعـترف بها دوليـا المشـكَّلة حسـب الأصـول وأي خلــف لهـا، مـا لم تقـرر خـلاف ذلـك حكومـة العــراق الممثلــة للشـعب المعـترف بها دوليـا، ومجلـس إدارة صنـدوق الأمـم المتحـدة للتعويضـات، ممارســـة منــه لسلطته على طرق كفالة تسديد المدفوعات في صندوق التعويضات؛”

سلطة الائتلاف المؤقتة هي التي وضعت الصندوق في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبذلك ارتبط الصندوق به، أي لا يوجد إلزام من مجلس الأمن بوضع الصندوق هناك. الحكومات العراقية، أبقت الصندوق في الاحتياطي الفدرالي، وبعد إنهاء نظام الصندوق في القرار 1956 نهاية عام 2010، بدءا من نهاية حزيران 2011 لم تعين نصوص القرار الاحتياطي الفدرالي لاستلام إيرادات النفطـ بل استمرت العلاقة لتسهيل استقطاع التعويضات.   وبذلك نفهم أن وجود الصندوق في الاحتياطي الفدرالي جاء في سياق عملي معلوم، وفي حينه كان متفقا أن الرئيس الأمريكي يصدر أمرا تنفيذيا بحماية أموال الصندوق من إجراءات القضاء وتجددت الحماية عام 2004 واستمرت حتى عام  2014 وتوقفت؛ ثمة تفاصيل منشورة عن مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية للكاتب، يا حبذا الرجوع إليها. 

حسابات الصندوق تفتح باسم البنك المركزي وهو الذي يحركها وجعل القرار البنك المركزي الشطر الاول من تسمية الصندوق الذي وضعته سلطة الائتلاف في الاحتياطي الفدرالي وأبقته حكومة العراق حتى نهاية النظام عام 2011. لكن العديد من الجهات العراقية واصلت استخدام التسمية. وكما بينت في مقالة أخرى حول الموضوع ان الإلزام باستلام إيرادات النفط في الصندوق لا يفهم منه عدم جواز نقل أموال للحكومة منه إلى حسابات خارج النظام لاحقا وقد حصل هذا بالفعل.  

القرار 1956 أنهى العمل بنظام الصندوق العراقي للتنمية منذ نهاية آذار 2011، أما العلاقة مع الاحتياطي الفدرالي فلم تتعين بقرار تحت الفصل السابع. ومن غير المنطقي من مجلس الأمن تسمية مصرف بعينه لاستلام إيرادات النفط، وأستبعد أيضا أن توافق الحكومة الأمريكية بالنص على الاحتياطي الفدرالي في قرار تحت الفصل السابع يخص العراق آنذاك، أي أن النص على الاحتياطي الفدرالي لا مسوغ له أصلا. 

القرار والفقرات التي استحدثت الصندوق لم تتطرق إلى احتياطيات البنك المركزي، والأخير كانت لديه منذ عام 2008 أرصدة في بنوك مركزية لدول غير الولايات المتحدة الأمريكية، وبحوزته أدوات دين عدا سندات الحكومة الأمريكية وحوالاتها، وهذه المعلومات معروضة في ميزانياته العمومية الصادرة عن سلطته والمدققة والمنشورة على موقعه. والبنك المركزي، بالتأكيد، لم يخالف بذلك قرارات لمجلس الأمن. وللقراء الكرام ذوي الثقافة الحسابية نوضّح أن جميع أصول، موجودات البنك المركزي، التي يصطلح عليها بالاحتياطيات الدولية، أو الأجنبية، أو الرسمية موجودة داخل ميزانيته العمومية؛ أما أموال الحكومة التي يديرها، دوليا، بالوكالة عنها فهي في حسابات خارج الميزانية العمومية للبنك المركزي وتسمى عادة " حسابات نظامية"، هذا التنظيم للعلاقة المالية الدولية بين البنك المركزي والحكومة اعتمد بعد عام 2003.   

القرار 1956، تحت الفصل السابع، أنهى العمل بالصندوق العراقي للتنمية وبالإشارة الصريحة إلى الفقرات المعنية بالأمر في القرار 1483.

الآن في شباط 2023، الترتيبات الحالية بين العراق والاحتياطي الفدرالي لا علاقة لها بقرارات مجلس الأمن. وإن وضوح الأسس التي تستند إليها هذه الترتيبات لا يضر بمصالح العراق بل هو الأفضل لدوائر القرار والمجتمع. كل ما جاء في سلسلة المقالات هذه لا تفهم منه دعوة إلى مجابهة الحكومة الأمريكية او غيرها. ومن تابع كتاباتي من الزملاء والأصدقاء يعرف ان منهجها يتحاشى المسبقات الإيديولوجية والحزبية. ولكني على قناعة، بأن استقلال وحياد العراق، عن النزاعات بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، هو النهج الأفضل للعراق والأوفر أمنا مهما كانت صعوباته ومخاطره. وهذه قناعة ننتفع من حرية التعبير للإفصاح عنها.  

أرفق القرار 1483 والقرار 1956 لقراءة النصوص وهي واضحة. ومع ذلك، لمن تساوره الشكوك، يمكن الاستفسار من مجلس الأمن، أو استشارة شركة محاماة متمرسة في الجوانب القانونية للعلاقات المالية الدولية، ولتكن من الولايات المتحدة، والعراق لديه خبرة في كيفية الوصول إلى استشارات موثوقة لمثل هذه المسائل اكتسبها من إدارة ملف المديونية الخارجية. 

 نص قرار مجلس الامن الدولي رقم 1483

https://www.diplomatie.gouv.fr/IMG/pdf/Resolution_1483_cle01784e.pdf

نص قرار مجلس الامن الدولي رقم 1956

https://www.diplomatie.gouv.fr/IMG/pdf/Resolution_1956_cle09bfd2.pdf

التعليقات