أن الحل الصائب، الآن، في تعطيل الصلاحيات والتوقف الشامل والفوري عن: التعاقد بجميع أشكاله للتجهيزات والمشاريع، الممولة من الموازنة العامة وغيرها، وعقود الاستثمار والتشغيل، واتفاقيات تطوير النفط والغاز وتوزيع الأراضي والقروض، وجميع أشكال الخصخصة، لحين تمكن الحكومة الجديدة من إعادة تنظيم أجهزة الدولة وأنظمة العمل وإدارة العمليات بما يكفل حماية الأموال العامة، من داخل نظام العمل وقوام السلطة التنفيذية، بشهادة مؤهلين عدول
كشفت رزية الأمانات الضريبية، للرأي العام، أن وزارة المالية لا تسيطر على دوائرها والمصارف الحكومية المرتبطة بها والتي لديها أموال مودعة للموازنة وشركات القطاع العام بلغت (60) ترليون دينار نهاية آب من هذا العام. كما ان دوائر وإجرآت عقود التجهيزات والمشتريات والتي يفترض أنها تخضع لضوابط صارمة من وزارة المالية المسؤولة عن تمويلها مخترقة. ومقاولات المشاريع العامة معروفة بكثرة وقائع التزوير والعبث والمبالغة بتكاليف ما لا ينجز. تدقيق التصاميم والمواصفات والتسعير والتكاليف عند التعاقد وإثناء التنفيذ وحين الاستلام، هذا على الورق لا علاقة له بالميدان. وهنا أيضا وزارة التخطيط لا تحكم الاستثمار العام، ولو استطاعت فعلا تدقيق مشاريع الخطة الاستثمارية لكان العراق في وضع آخر. لا يتعدى دورها الوساطة بين الوزارات والمحافظات ووزارة المالية. والأخيرة التي تضم المنهاج الاستثماري السنوي في الموازنة العامة ليست قادرة على شيء تماما، في هذا المجال الحيوي، دون أدنى مبالغة.
فصار المشروع الاستثماري الحكومي بلاء على العراق وليس أداة للإعمار، وكذلك عقد التجهيز وسواه. ووزارة النفط لا تتوقف عن إبرام اتفاقيات جديدة لمنح الشركات الأجنبية نفوذ التطوير والاستخراج على ما بقي من جغرافية العراق ولا ضرورة لذلك في الحقيقة، وليس من الصعب على ذوي الاهتمام الجاد اكتشاف عدم ضرورة مواصلة الوزارة هذا النهج. وتستمر وزارة الصناعة في عقود الاستثمار وما إليها. وأثيرت اعتراضات وتساؤلات على نشاط الهيئة الوطنية للاستثمار وإجازاتها للمستثمرين تتضمن تصرف القطاع الخاص بأراضي حكومية وامتيازات.
كما أن الجهاز المصرفي الحكومي يقدم للقطاع الخاص قروضا، هنا وهناك، من أموال الموازنة والبنك المركزي، وهذه القروض لا تستند إلى معايير دقيقة من جهة فاعليتها في التنمية الاقتصادية، ولا في ضوابط العدالة التوزيعية، وهي شرط المشروعية للتصرف بالمال العام. ويبدو أن ترتيبات مموهة للخصخصة مطروحة ويراد تمريرها بالإستغفال والتبرير المنافي للنزاهة مثل تحرير تلك الأنشطة من خناق البيروقراطية المركزية والأغطية الثقيلة، بينما أثبتت الوقائع غياب المركز وضعف حاكمية النظام إلا من تدخلات انتقائية مُجامِلة لهذا وذاك.
ومن الجلي أن الحل الصائب، الآن، في تعطيل الصلاحيات والتوقف الشامل والفوري عن: التعاقد بجميع أشكاله للتجهيزات والمشاريع، الممولة من الموازنة العامة وغيرها، وعقود الاستثمار والتشغيل، واتفاقيات تطوير النفط والغاز وتوزيع الأراضي والقروض، وجميع أشكال الخصخصة، لحين تمكن الحكومة الجديدة من إعادة تنظيم أجهزة الدولة وأنظمة العمل وإدارة العمليات بما يكفل حماية الأموال العامة، من داخل نظام العمل وقوام السلطة التنفيذية، بشهادة مؤهلين عدول.
الأغلبية لا تؤيد هذ المقترح، وربما يوصف بتجميد الدولة وإصابة الاقتصاد بالشلل، بينما لا يمكن الخروج من المأزق دون قرار حاسم وصعب، وبخلافه يعاد إنتاج الوضع القائم لأجيال قادمة. فالذي لا يريد الشر لشعب العراق ويعرف ما الذي جرى وما تعتمل به النفوس عليه المبادرة، دون إبطاء، وإقناع من بيده شيء من الأمر لتعطيل كافة الصلاحيات المالية والإدارية التي يترتب عليها تصرف لاحق بالمال العام والثروة الوطنية، إلى أن يعاد النظر وتغيير البنية التنظيمية للدولة والإدارة الاقتصادية جذريا. وقد لاحظنا بعد الكشف عن سرقة الأمانات الضريبة لم يصدر عن دوائر القرار والنفوذ السياسي وغيرهم فعل أو حتى قول يتعدى نطاق هيئة النزاهة والقضاء، أي تسوية بعض النتائج الفاقعة من خارج نظام العمل استرضاء للجمهور وإبقاء الصندوق مغلقا على ما فيه. وللقارئ الكريم إن أراد الاطلاع على مقترح للكاتب "إعادة تنظيم أجهزة الدولة في العراق" منشور من مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية شباط 2022، والفصل الثالث من كتاب اقتصاد العراق في دراسات الصفحات 83-123 للتعرف على الخطوط العامة لإعادة التنظيم كما يتصورها، وهي ليست بديلا عن خزين المعرفة الكافي والفائض في العراق.
اضافةتعليق