قبل تناول الانعكاسات الدولية للحرب الروسية على أوكرانيا، لابُد من أخذ مسألة العولمة بعين الاعتبار.
بمعنى إن العالم أصبح بفعل العولمة، التي ازالت الحدود بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانفراد الديمقراطية والرأسمالية بالعالم؛ كالقرية الصغيرة، وإن أي حدث يطرأ في أي اقتصاد ستنعكس آثاره على الاقتصاد العالمي، والعكس صحيح حسب نسب اندماج أحدهما في الآخر.
ونظراً لاعتماد الاقتصاد العالمي على روسيا وأوكرانيا بشكل كبير في مسألتي الطاقة والغذاء، لذلك عند دخولهما في حرب مباشرة في بداية العام الحالي، دخل معهما الاقتصاد العالمي في ازمة الطاقة والغذاء والتي دفعت لتوقعات بدخول الاقتصاد العالمي إلى ما يُعرف بالتضخم الركودي كما حصل في سبعينيات القرن الماضي.
هناك مجموعة اثار للحرب الروسية-الاوكرانية انعكست على الاقتصاد العالمي يمكن تناولها وفق الآتي:
ارتفاع التضخم
من المعروف ان الاسواق الدولية للسلع الاولية تقوم على العرض العالمي منها والطلب العالمي عليها، وإذا ما سار كلا الجانبين (العرض العالمي والطلب العالمي) بشكل انسيابي دون تعثر أحد الجانبين سيحصل ما يعرف بالتوازن والاستقرار الاقتصادي والعكس صحيح كما هو الحال في الحرب الروسية-الاوكرانية.
حيث تسببت هذه الحرب، إضافة لما سبقها (جائحة كورونا)؛ في تشوه الاسواق الدولية للسلع الاولية بشكل كبير، بحكم ان روسيا وأوكرانيا مسؤولتان عن نسبة كبيرة من العرض العالمي للطاقة والغذاء، ونتيجة لدخولها في حرب مباشرة، انخفض العرض العالمي من الطاقة والغذاء وارتفعت الاسعار عالمياً وأصبح الاقتصاد العالمي يعاني من ارتفاع معدلات التضخم العالمي التي وصلت 7.8% .
ارتفاع سعر الفائدة.
ونظراً لارتفاع معدل التضخم العالمي، بسبب السياسة التوسعية التي اتبعتها دول العالم لأجل التعافي من جائحة كورونا وبسبب العقوبات التي تسببت في انقطاع الطاقة عن اوروبا، ولأجل تخفيض هذا التضخم لجأت الولايات المتحدة الامريكية لرفع سعر الفائدة على أمل سحب السيولة المالية وتخفيف التضخم.
رفع سعر الفائدة تسبب في زيادة الطلب على الدولار من قبل المستثمرين رغبةً في الحصول على الفائدة المرتفعة عليه، وهذا ما سيتسبب في زيادة أعباء الاستثمار ومن ثم قد يحصل ما يُعرف بالتضخم الركودي كما يُتوقع.
انقطاع الانتاج
من المعروف في ظل العولمة كما أشرنا أعلاه، هناك اندماج بين الدول عبر إزالة الحدود وزيادة التشابكات التجارية؛ بشكل يتجاوز العلاقات التجارية الثنائية، فإذا ما حصل طارئ على العلاقة التجارية الثنائية بين بلدين، لا يمكن حصر تأثير ذلك الطارئ على القطاعات الرئيسية وعلى الطرفين فحسب بل سينتقل بشكل وآخر إلى القطاعات الأخرى وإلى البلدان التي ترتبط بهما ومن هذه البلدان إلى بقية دول العالم لتترك أثرها على الاقتصاد العالمي برمته.
حيث تسببت الحرب الروسية-الاوكرانية، على سبيل المثال لا الحصر؛ في انقطاع انتاج نظم الكابلات الالكترونية في أوكرانيا وانقطاع التصدير ومن ثم إغلاق مصانع السيارات في ألمانيا، لان الاخيرة تعتمد على الكابلات الالكترونية المصدرة من أوكرانيا.
توقف التجارة المباشرة
أن الدول التي ترتبط بروابط مباشرة مع طرفي الحرب روسيا وأوكرانيا ستتأثر بشكل سلبي، بحسب نسبة الترابط معهما، إن كانت نسبة كبير سيكون التأثر كبير والعكس صحيح.
حيث ترسل بيلاروسيا، على سبيل المثال؛ صادراتها السلعية بنسبة أكبر من 45% من مجموع صادراتها إلى روسيا، كما انها تستورد استيراداتها السلعية بنسبة أكبر من 50% من مجموع استيراداتها من روسياً أيضاً. كما انها تورد الطاقة من روسيا بنسبة كبيرة، تتجاوز 90% من مجموع واردات الطاقة.
هذا الترابط المباشر ذو النسب المرتفعة وبسبب الحرب والعقوبات سينعكس بضلاله السلبية على بيلاروسيا وهذا الحال يشمل الدول الأخرى التي ترتبط بشكل مباشر مع روسيا أو أوكرانيا على المستوى التجارة المباشرة.
التداعيات الانسانية
لاذ عدد كبير من الاوكرانيين بالفرار من الحرب، حيث يُقدر عددهم أكثر من 4.5 مليون لاجئ، ووصل نصفهم إلى بولندا، ويُتوقع هروب عدد أكبر كثيراً إذا ما استمرت الحرب، هذه الأعداد ستولد مزيد من الضغوط على الخدمات المحلية في الأمد القصير، بما في ذلك المساكن والرعاية الصحية.
وعلى مستوى الأمد الطويل، سيترتب على انتشار اللاجئين في الاتحاد الاوربي زيادة العمالة؛ ولكن بنفس الوقت سيؤدي إلى آثار اقتصادية واجتماعية، منها المزاحمة على فرص العمل وتصاعد مشاعر العداء ضد المهاجرين.
التوقعات التشاؤمية
تترك التوقعات أثرها على اداء الاقتصاد، خصوصاً في ظل الاحداث الطارئة المفتوحة غير معلومة المصير، حيث تكون التوقعات مُبهمة فتكون أكثر تشاؤمية بشأن المستقبل وعلى هذا الاساس سيكون السلوك الاقتصادي سلبي.
بمعنى ان التوقعات التشاؤمية بفعل الحرب الروسية-الاوكرانية التي لاتزال مفتوحة باتجاه التعقيد ولا ضوء لأنهاء الحرب، أسهمت أو ستسهم في تغيير السلوك الاقتصادي للمستثمرين، ليكون سلوك انكماشي أكثر مما هو توسعي، وهذا ما يزيد من تعميق الانعكاسات الدولية للحرب على اوكرانيا.
درجة استجابة السياسات
يتوقف تأثر البلدان بآثار الحرب الروسية-الاوكرانية على درجة استجابة السياسات الاقتصادية، بمعنى كلما تكون السياسات الاقتصادية يقظة وسريعة الاستجابة في معالجة الأحداث الاقتصادية الطارئة كلما تكون آثار الحرب أقل والعكس صحيح.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر؛ ان دولة كلبنان تأثرت بشكل كبير بآثار الحرب الروسية-الاوكرانية، وذلك لسببين الاول ضعف الاقتصاد الداخلي من جانب وضعف السياسات الاقتصادية من جانب آخر، بل انها مستجيبة للآثار بشكل كبير ولذلك أصبحت لبنان دولة تعاني من أزمة اقتصادية حادّة.
خلاصة القول، ان الانعكاسات الدولية للحرب الروسية على أوكراني، كانت كبيرة، وستصبح أكبر إذا ما استمرت الحرب دون التوصل لحل ينهي الحرب.
ومن أجل إيقاف هذه الآثار لابُد من أن يتكاتف الجميع واللجوء للحوار لإيقاف الحرب وتغليب لغة العقل على لغة السلاح، والايمان بأن الحوار هو الطريق الأمثل لحل الخلافات.
المصادر :
1 - صندوق النقد الدولي، افاق الاقتصاد العالمي "الحرب تحدث انتكاسة في التعافي العالمي، ص8-11.
2 - البنك الدولي، الافاق الاقتصادية العالمية، متاح على الرابط أدناه:
https://www.albankaldawli.org/ar/publication/global-economic-prospects