مر العراق في هذا العام (2020) بالكثير من المتغيرات المهمة والتي كانت بعضها سياسية وبعضها الاخر اقتصادية وترابط بعضها بالوباء العالمي (فايروس كورونا) فضلاً عن تعلق بعضها بالثقافة المجتمعية التي اصبحت تعي ما تفعل مع النخب السياسية الحاكمة في العراق وخير دليل التظاهرات التي شهدها العراق في الشهور القليلة الماضية (الا انه في اغلب مناطق العراق تتغير المواقف سريعاً خصوصا عندما يتعلق الامر بالمصلحة الشخصية والمكوناتية).
ادى هذا التغير في المنظومة الحياتية والوعي المجتمعي تجاة الادارة السياسية العراقية للمرحلة (2003-2020) وكذلك الاوضاع التي مر بها البلد الى انتاج ثلاث حقول من المشاكل هي: -
الحقل الأول-المشاكل السياسية والأمنية، والتي تتضمن انعدام الانسجام المؤسساتي وكذلك تصاعد شبح المحاصصة بالاضافة الى التهديدات الامنية التي يمر بها البلد بشكل مستمر والمتمثلة بالهجمات الارهابية في مناطق متفرقة، فضلا عن المشاكل الاخرى.
الحقل الثاني -المشاكل الاجتماعية، تضمن هذا الحقل العديد من المشاكل وخصوصا المتعلقة بالمواطنين عامة منها انتشار الافكار الدخيله على المجتمع مع توسع حالات الفساد الاخلاقي والتفكك الاسري والمشاكل الاجتماعية الاخرى.
الحقل الثالث -المشاكل الاقتصادية، يتضمن هذا الحقل الكثير من المشاكل والتي تكون على تماس خاص مع المواطن حيث ان انتشار الفقر واتساع دائرة الفساد المنتشر في الدوائر الحكومية بالإضافة البطالة والبطالة المقنعة في أكثر دوائر الدولة والكثير الكثير من المشاكل التي اثقلت وزر من هم في الادارة الحكومية.
ان هذه الحقول مترابطة مع بعضها وان زيادة أحد الحقول يتناسب طرديا مع الحقول الاخرى حيث ان المشاكل السياسية هي جذر من جذور المشاكل الاقتصادية والاخيره هي اساس للمشاكل الاجتماعية وهذا مايعني زيادة المشاكل الاقتصادية يؤدي الى زيادة المشاكل الاخرى والعكس صحيح.
وهذا مايجعل من حل هذه المشاكل ازمة حقيقية تواجة الادارة السياسية بالدرجة الاولى لانها صاحبة القرار في ذلك فضلا عن الضرورة الكبيره للاستشارات العلمية المتخصص لكل مشكلة على حدة.
مما يعني ضرورة التخصص في ادارة الازمات التي يمر بها البلد وكذلك مراعاة لعنصرين اساسيين في حل هذه المشاكل هما: -عنصر الوقت والتوقيت والثاني هو المسار القانوني ومتابعة تنفيذه.
ولمعالجة الازمة المالية الحالية يتعين على الحكومة العراقية اتباع خطوات عديدة وفي مجالات مختلفه حتى تتمكن من احاطة المشكلة بشكل جيد وعلاج كل مشكلة يكون من الجانب السياسي بشكل اساسي فرسم السياسة العامة المعتمدة على ثوابت استقراء حقيقي للمشكلة هو الذي يجنبنا الوقوع في معالجات غير واقعية او غير حقيقية ومن هذا الخطوات التي يمكن من خلالها معالجة الازمة المالية الحالية هي :-
اولاً: معالجات قصيرة الامد:
ومدتها الزمنية محصور في (بضعة أشهر او سنة واحد على الاكثر) تتمثل هذه المعالجات في مشاريع قرارات تهدف الى زيادة الادخار وتقليل النفقات ولا يعني هذا بالضرورة الانتقال الى حالة التقشف والتأثير على رواتب الموظفين حيث تقوم الادارة السياسية برسم سياسة عامة تتبعها الدولة للتخلص من الازمة ومن بين هذه خطوط هذه السياسة التي من الممكن تحقيقها هي: -
1- الانتقال من الوضع الجامد بفعل فايروس كورونا الى الوضع النشط من خلال التعايش مع الفايروس وعدم الاستسلام له خصوصا الى الان لا يوجد له علاج، وان اجراءات الحظر الشامل والجزئي للتجوال لم تعد تفي فهي تقتصر فقط على دوائر الدولة لان الشوارع باتت لا تلتزم بالحظر بنسبة عالية جداً.
2- اعادة المفاوضات مع دول الاوبك من اجل تراجع العراق عن قراره بتقليل الانتاج لمليون برميل واي نسبه اقل من المليون فهي في صالح العراق.
3- تعديل سلم المخصصات المالية الخاص بالدرجات الخاصة والرئاسات الثلاثة وتبني قرار ينظم هذا الاجراء.
4- تبني قرار الحد الاعلى والحد الادنى للرواتب في العراق وعدم التعامل مع بعض الموظفين على حساب الموظفين الاخرين فالرواتب هي المحرك للسوق وبالنتيجة فان التفاوت فيها بدرجات كبيره يشجع السوق على التضخم او الكساد والعكس صحيح.
5- تقليص مؤسسات الدولة غير النافعة وقياس ذلك وفق رؤية اقتصادية فقط بغض النظر عن ابعادها السياسية خصوصا القنصليات والبعثات الدبلوماسية
ثانياً: معالجات متوسطة الامد:
وتمتد هذه المعالجات لفترة (ثلاث سنوات او اكثر) تتمثل في رسم سياسة عامة تعمل على تنفيذ نمو في القطاع الاقتصادي بشكل سريع بغض النظر عن المخصصات الموجة له من قبل الموازنات العامة حيث ان القرارات السياسية ممكن تطبيقها بدون تبعات مالية وفي بعض الاحيان هي التي تزيد من العائدات وليس العكس، ومن هذه المعالجات هي:-
1- تبني سياسة اقتصادية خاصة بالدولة العراقية تعتمد على اساسيات العمل الرأسمالي حيث اوضحت المشاكل الحاصلة بأن هناك عدم ترابط او انسجام بين النظام السياسي الديمقراطي والنظام الاقتصادي الاشتراكي.
2- تحول في النظام المصرفي الحكومي من التقليدي الى الالكتروني وهذا يجنب الدولة الاستمرار بالتداول العيني للنقود وهذا يجعل السيولة في المصارف بشكل مستمر مع تبني برامج توعوية للمواطنين على الادخار الالكتروني.
3- تنظيم القطاع الخاص بقانون يضمن للعاملين فيه حقوق مابعد الخدمة وهذا يخفف من الاعباء الحكومية بشكل كبير خصوصا في مسألة التعينات حيث ان نسبة 80% من المطالبين بالتعيين يطمحون للحصول على الامتيازات التقاعدية فقط.
4- تحويل العاملين في الوزارات الانتاجية غير المنتجين الى شركات القطاع الخاص من خلال تنسيق ذلك بقانون تشغيل العمال الحكوميين في الشركات الخاصة واستقطاع رواتبهم من الشركة مثلا عمال شركات التصنيع العسكري او شركات المتوقفه عن العمل كعمال شركة الحديد والصلب مع ضمان عدم استغلالهم من قبل الشركات بواسطة بروتوكول قانوني معين.
5- تشغيل المعامل العراقية التي كانت تعمل مع مراعاة طلب السوق وتسويق البضاعة بشكل مباشرة الى الاسواق مع مراعاة التنافس في السوق مع البضائع المستوردة التي من الممكن تقيدها مستقبلا في حال توسعت المعامل العراقية.
6- تبني قرارات استثمارية جديدة تساعد المستثمرين على العمل حتى لو كانت الفائدة منخفضة في بادئ الامر الا انها سوف تنتعش لو نجح هذا الاستثمار في منطقة او محافظة معينة مثلا قد نخسر الارض لكن نربح 5000 فرصة عمل في كل مشروع جديد تقريبا.
ثالثاً: معالجات طويلة الامد:
وتكون مدتها (10 او 15 سنة) على الرغم من صعوبة تبنيها بسبب عدم الانسجام الواضح بين الاطراف والاحزاب السياسية في العراق الا انها ضرورية ويتعين الاخذ بها لو اريد للنظام الاقتصادي ان يكون منتعش ونتخلص من الازمات المتراكمة واعتمادنا المستمر على النفط.
1- خصم نسبة 20% من واردات النفط العراقي لتكون صندوق سيادي للعراق لمعالجة الازمات المالية المتكررة وتستثمر هذه النسبة في المصارف الاجنبية حتى تحصل على فوائد ممكن ان يستفيد منها العراق مستقبلاً.
2- اعادة الحياة للزراعة العراقية عن طريق تبني مشروع (من يزرع يملك الارض) وهذا يعني كل من يريد ارض عليه ان يجتهد فيحصل عليها وتنظم ذلك بقانون معين يضمن عدم الاستغلال ويجرم توزيعها الى مقاطعات سكنية.
3- اما في القطاع الصناعي فأنه يجب تبني نظام استثماري يشجع المستثمرين مختلف عن القانون الحالي الذي اثبت فشله.
بالنتيجة فأن القطاع الاقتصادي مهم جدا وتقاس عظمة الدولة بقوتها الاقتصادية على عكس الطبيعة السابقة للنظام العالمي الذي يعتمد على القوة العسكرية وهذا مايجعل الاهتمام به يجب ان يكون اساسي وجوهري فعلاجه يعني علاج نسبة كبيرة من المشاكل الاخرى المشار اليها اعلاه، بالاضافة الى ذلك فأن اي من الحلول سالفه الذكر يمكن ان تتغير او يضاف لها عندما تكون هناك دراسة جدوى لكل فقره على حدا من قبل مختصين فيها.
الا ان السياسة العامة تكون على مراحل واهم مراحلها هو تنفيذ السياسة فماالفائدة من رسمها بدون تنفيذ ومافائدة تنفيذها بدون رقابة، وعليه فالجهة السياسية التنفيذية هي المسؤول الاساسي امام هذه المشاكل وعلاجها.