في ظل هشاشة الحكومة العراقية وتنامي قوة المرجعية العليا في أدوار مختلفة، تصاعد دور العتبات الاستثماري وبالخصوص في كربلاء والنجف، ليشكل هذا التصاعد دوراً تنافسياً حاداً للقطاع الخاص في الاستثمار وفي مجالات مختلفة، وبهذا الدور التنافسي ابتعدت كثيراً عن الدور المساند الذي كان يُفترض أن تتبناه
لم تشهد المرجعية الدينية بشكل عام والعتبات المقدسة بشكل خاص، دوراً كبيراً في العراق كالذي الذي شهدته بعد عام 2003، خصوصاً على مستوى المشهد السياسي والأمني والاقتصادي فضلاً عن المشهد الديني.
وما يؤكد دور المرجعية العليا في العراق مدير مكتبها في لبنان الحاج حامد الخفّاق حين قال " "كان للمرجعية العليا أدوار مختلفة منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003 ولحد الآن"
سبب الضعف قبل 2003
ويعود السبب في ضعف دور المرجعية الدينية على المستوى السياسي والاقتصادي، قبل عام 2003، إلى طبيعة النظام السياسي والنظام الاقتصادي، حيث ساد حكم الاستبداد سياسياً، والذي أفضى إلى تهميش وإقصاء بشكل قاطع أي فئة أو شريحة أو طبقة، ومن بينها المرجعية الدينية، يشعر إنها تشكل خطراً على كرسي الحكم. والشواهد كثيرة أبرزها إعدام الشهيدين الصدرين والكثير من المشاركين في الانتفاضة الشعبانية عام 1991.
وكذلك الحال على المستوى الاقتصادي حيث تم اعتماد النظام الاشتراكي والذي يعطي للدولة الصلاحيات الكاملة في القرارات الاقتصادية، فكانت الدولة هي المالك والقائد والمحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي في العراق، هذا ما يعني إنه لا وجود للقطاع الخاص بشكل عام والعتبات المقدسة بشكل خاص إلا بشكل ثانوي وطفيف.
لكن بعد عام 2003 شهدت المرجعية بشكل عام والعتبات المقدسة بشكل خاص دوراً بارزاً وكبيراً، اختلف هذا الدور بين المساند تارة والمنافس تارة أخرى، حسب المشهد إن كان سياسي أو اقتصادي، فدور المساندة اختص بالمشهد السياسي ودور المنافسة اختص بالمشهد الاقتصادي.
ما المقصود بالدور المساند والمنافس؟
لتوضيح ما المقصود بالدور المساند والمنافس تجّدر الإشارة إلى مسألة الدولة والقطاع الخاص في الاقتصاد، فالدولة تارة تتدخل في الاقتصاد وتمارس النشاط الاقتصادي وتصبح هي المحرك الرئيس في الاقتصاد فيتضاءل دور القطاع الخاص، لان الدولة لها قوة مادية واعتبارية فتحظى بأغلب الفرص الاستثمارية وهذا ما يعني الدور المنافس بل والقاتل للقطاع الخاص.
أما الدور المساند فيتمثل في عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ويكون القطاع الخاص المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي وفقاً لآليات اقتصاد السوق ويقتصر دور الدولة على المساندة للقطاع الخاص كتحقيق الاستقرار السياسي والأمني وتبسيط الإجراءات وتوفير البنية التحتية وغيرها، وبهذا فالدولة لم تنافس القطاع الخاص بل عملت على مساندته في توفير ما يحتاجه لممارسة نشاطه الاقتصادي.
ويمكن القول، إن دور العتبات المقدسة لا يختلف عن دور الدولة في الاقتصاد لأنه كما تتميز الأخيرة بالقوة المادية والاعتبارية تتميز الأولى بالقوة المعنوية والاعتبارية أيضاً، فما تستطيع الدولة أن تحققه تستطيع العتبات كذلك، وأبرز دليل على ذلك عند تعرض العراق لهجمة عصابات داعش الإرهابي استطاعت المرجعية والعتبات، استخدام قوتها المعنوية والاعتبارية للتصدي لهذه الهجمة وبكل بسالة.
هل دور العتبات تنافسي أم مساند؟
أي الدورين تبنته العتبات في الاقتصاد على أرض الواقع المنافس أم المساند؟ وأيهما كان الأحرى أن يُتبع؟ لكسب المزيد من المزايا على الصعيد المحلي والوطني وربما الاقليمي والعالمي، على المستوى الاجتماعي والديني والفكري وغيرها.
بعد عام 2003 أتجه العراق نحو اقتصاد السوق القائم على القطاع الخاص في قيادة النشاط الاقتصادي، مستخدماً آلية العرض والطلب في تحديد الأسعار، والمنافسة في خفض التكاليف ورفع جودة المنتجات والخدمات، ومن الجوانب المهمة التي تدعم تبني اقتصاد السوق بشكل حقيقي خصوصاً في بداية التحول، هو حماية صغار المنتجين لأجل ضمان مبدأ تكافؤ الفرص من جانب وتجذير المنافسة من جانب آخر لتنعكس آثار الجانبين على المواطن من حيث الجودة والأسعار والتشغيل وغيرها.
الواقع: دور تنافسي
وفي ظل هشاشة الحكومة العراقية وتنامي قوة المرجعية العليا في أدوار مختلفة، تصاعد دور العتبات الاستثماري وبالخصوص في كربلاء والنجف، ليشكل هذا التصاعد دوراً تنافسياً حاداً للقطاع الخاص في الاستثمار وفي مجالات مختلفة، وبهذا الدور التنافسي ابتعدت كثيراً عن الدور المساند الذي كان يُفترض أن تتبناه لاكتساب مزاياه العديدة، كالذي تبنته على مستوى المشهد السياسي، ولتلافي الكثير من الشكوك التي أُثيرت على دورها بشكل عام والاستثماري بشكل خاص.
المُفترض: دور مُساند
في الوقت الذي كان يفُترض بالعتبات أن تستخدم قوتها المعنوية والاعتبارية، كما استخدمتها لطرد داعش، في الضغط على الحكومة العراقية باتجاه بناء اقتصاد السوق بالشكل السليم وفي مقدمة هذا البناء هو حث الحكومة على توفير المناخ الاستثماري المناسب الذي يشجع القطاع الخاص على الاستثمار وفق آليات اقتصاد السوق، بعيداً عن التدخل المباشر والمنافس في الاقتصاد، لان آثار تدخل العتبة في الاقتصاد يشبه آثار تدخل الدولة في الاقتصاد.
الأدلة: سؤال وعنصر الشفافية
ما يُسند الكلام أعلاه، الخاص بتبني العتبات الدور التنافسي للقطاع الخاص وليس المساند، هو السؤال الذي عند طرحه على العديد من الناس من أصحاب الاختصاص وغيرهم، تجد أجوبتهم واحدة، وهذا السؤال هو:
في حال وجدت فرصة استثمارية في قطاع ما وتقدم اثنان من المستثمرين اليها هما العتبات، وبالخصوص الحسينية والعباسية، وممثلين عن القطاع الخاص، فمَن ستكون حظوظه أوفر ليحظى بهذه الفرصة؟
سيجيبك الجميع إن العتبات هي التي ستحظى بالفرصة الاستثمارية وليس القطاع الخاص، وعند السؤال عن السبب؟
تجد الاجابة باللغة الدارجة "بعد العتبة" في إشارة لقوتها المعنوية التي تُرعب المسؤولين في الحكومة العراقية بشكل عام والمسؤولين عن قضايا الأملاك والاستثمار بشكل خاص، خصوصاً بعد أن أصبحت لبعضها قوة مادية وعسكرية على أثر إصدار فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجعية العليا على لسان الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة عند محاربة عصابات داعش الإرهابي.
وهذا يعني غياب مبدأ تكافؤ الفرص بين المستثمرين وغياب المنافسة الحقيقية وعدم وجود حماية لصغار المنتجين مما أسهم في تحجيم القطاع الخاص وتوسع دور العتبات الاستثماري على حساب القطاع الخاص.
عنصر الشفافية
ومن باب دفاع العتبات عن نفسها حينما هاجمتها قناة الحرة عبر تقريرها التلفزيوني بعنوان "أقانيم الفساد المقدس في العراق"، أشارت إلى إن مشاريعها "اجتماعية ومجانية" بالتزامن مع غياب عنصر الشفافية في بياناتها المالية، أي لم يتوفر أي بيانات مالية عن المشاريع الاجتماعية والمجانية على مواقعها الالكترونية.
بمعنى آخر، هناك غموض في البيانات المالية الخاصة بهكذا مشاريع، ومن المعلوم إن أي جهة تقوم بالمشاريع الاجتماعية والمجانية تود إعلان البيانات المالية بهكذا مشاريع؛ لتوضح للجميع مدى دورها في الوقوف إلى جانب المجتمع ومواجهة المحن التي تواجهه فيلتف المجتمع حولها وبهذا تستطيع تحقيق الأهداف التي ترنو لتحقيقها. فغياب عنصر الشفافية في البيانات المالية دفع الى إثارة الريبة والشك في دور العتبات الاستثماري، وحصل هذا كنتيجة لاتخاذها الدور التنافسي لا المساند في الجانب الاقتصادي.
مصدر تم الاعتماد عليه
- موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، متاح على الرابط أدناه:
اضافةتعليق