ما الذي تحقق في موازنة العراق عام 2019 والمقرة في اطار الحكومة الجديدة؟ رغم نجاح البرلمان العراقي في اقرار الموازنة العامة مبكرا بعد صراع طويل حول بنود الانفاق ومصادر التمويل استمر لشهور بين مجلس النواب والحكومة الاتحادية من جهة وداخل قبة البرلمان من جهة اخرى. الا ان الاطار التوزيعي لا يزال يحكم نمط الادارة المالية في العراق، عبر توزيع ايرادات الريع النفطي على بنود الانفاق العام المعتادة. مع غياب بارز للبرامج والسياسات الاقتصادية، لتكون هذه الموازنة نسخة عن موازنات الاعوام السابقة مع الاختلاف في الارقام والعناوين
ما الذي تحقق في موازنة العراق عام 2019 والمقرة في اطار الحكومة الجديدة؟ رغم نجاح البرلمان العراقي في اقرار الموازنة العامة مبكرا بعد صراع طويل حول بنود الانفاق ومصادر التمويل استمر لشهور بين مجلس النواب والحكومة الاتحادية من جهة وداخل قبة البرلمان من جهة اخرى. الا ان الاطار التوزيعي لا يزال يحكم نمط الادارة المالية في العراق، عبر توزيع ايرادات الريع النفطي على بنود الانفاق العام المعتادة. مع غياب بارز للبرامج والسياسات الاقتصادية، لتكون هذه الموازنة نسخة عن موازنات الاعوام السابقة مع الاختلاف في الارقام والعناوين.
اقرت الموازنة الجديدة بنفقات عامة بلغت (133) ترليون دينار وايرادات اجمالية لم تتعدى (105.5) ترليون دينار ليقفز العجز المخطط الى قرابة (27) ترليون دينار. ايضا لا يزال الاتكال على المورد النفطي مرتفع فقد لامس نسبة (88%) من الايرادات المخططة اعتماد على سعر (56) دولار ومعدل تصدير قوامه (3.88) مليون برميل يوميا، بضمنه نفط الاقليم والبالغ (250) مليون برميل يوميا. اما فيما يخص هيكل الانفاق العام فقد خصصت الموازنة مبلغ (100) ترليون دينار للنفقات الجارية في حين تم تخصيص المتبقي (33) ترليون دينار للأنفاق الاستثماري العام. وما يثير الاستغراب حقا رفع سقف النفقات العامة من (128) ترليون الى (133) ترليون دولار رغم الهبوط الكبير الذي شهدته اسعار النفط من (85) دولار للبرميل الى (65) دولار للبرميل خلال الاشهر الاخيرة من العام 2018 حين طرحت الموازنة للنقاش والمداولة. وهذا الامر يعكس بوضح ضعف المؤسسات الحكومية في التعاطي مع الاقتصاد والموارد بسياسات اقتصادية وقائية سليمة بدلا من دفع الاقتصاد صوب الازمات الاقتصادية والمالية. ومن المفارقات الخطيرة ايضا، والتي تؤشر معدل الخلل في الادارة الحكومية لاقتصاد البلد، اقتصار التخصيصات المالية لقطاعي الزراعة والصناعة على مبلغ (240) مليار دينار وهو ما يشكل اقل من (1%) من موازنة العام 2019، في حين يشير البرنامج الاقتصادي لسيد عادل عبد المهدي على التعويل على هذين القطاعين في تحقيق التنمية والتنويع الاقتصادي.
ويلاحظ ايضا من البيانات اعلاه ما يلي:
1- تزامن التنامي المضطرد للموازنات المالية في العراق مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتراجع مستوى الخدمات العامة وهشاشة البنية التحتية مؤشر خطير حول هدر الموارد النفطية وادخال البلد في نفق المديونية الخارجية.
2- موازنة العام 2019 تكرار لموازنة الاعوام السابقة من حيث غياب الرؤية الاقتصادية وهيمنة منهج الفواتير على اسس اعداد الموازنة.
3- حجم الموازنة مرتفع جدا (ويفوق حجم موازنة العام 2018)، ولا يعكس التعايش مع هبوط ايرادات النفط بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي.
4- احتساب سعر برميل النفط بالموازنة بــ(56) دولار مجازفة خطيرة في ضوء اساسيات اسواق النفط وقد يخلف ذلك اتساعا في حجم العجز المخطط وشحة في العملة الاجنبية، خصوصا وان العراق محدد بمعدل تصدير ثابت (ضمن اتفاق اوبك+) ولا يمكنه التوسع بالإنتاج لتعويض النقص الحاصل في الاسعار.
5- رغم تواضع حجم الانفاق الاستثماري مقارنة بالإنفاق الجاري فان البلد بحاجة ماسة لإعادة بناء واعمار وانجاز المشروعات المعطلة، ويلزم الحكومة الى توخي اقصى درجات الحيطة والحذر في صرف التخصيصات الاستثمارية، والى رقابة ورصد مضاعف من لدن السلطة التشريعية.
6- لا يزال الاتكال مفرط على الايرادات النفطية في تمويل الانفاق العام رغم التوقعات القاتمة حول مصير اسعار النفط. وهو ما يعكس ضعف الحكومة وفشل جهودها في تعظيم الايرادات غير النفطية بشكل عادل وغزير، واستمرار الانكشاف الاقتصادي والمالي على تقلبات اسعار النفط.
7- تشكل اقساط وفوائد الدين العام في موازنة 2019 قرابة (10%) من حجم الانفاق العام وهو مؤشر خطير عن تنامي حجم المديونية واستحواذه على جزء كبير من الموازنة على حساب تخصيصات البناء والاعمار وتحسين مستويات المعيشة.
8- رغم بلوغ معدلات الدين العام الداخلي والخارجي مستويات حرجة (قرابة 117 مليار دولار) الا ان التمويل الحكومي للعجز الضخم في موازنة العام 2019 لا يزال متكلاً على الاقتراض العام.
اضافةتعليق