الحرب التجارية والركود الاقتصادي القادم

شارك الموضوع :

اليوم، وبعد عقد من الزمن على الانهيار المالي والاقتصادي، بدأت خطوط صدع جديدة تهدد بنية الاقتصاد العالمي، نتيجة ضعف إجراءات التنظيم المالي، وتداعيات عدم المساواة المفرط، والاختلالات العالمية المتصاعدة والتوترات السياسية في الشرق الاوسط

          مضى عقد من الزمن على اندلاع الازمة المالية العالمية عام 2008 وما خلفته من انهيار حاد طال معظم الاسواق والمؤسسات المالية في كافة بلدان العالم، خصوصا الاقتصادات الصناعية والاسواق الصاعدة. ورغم كافة التدابير متعددة الاطراف التي اتخذت لكبح التدهور الاقتصادي وانقاذ الاقتصاد العالمي من الانزلاق صوب الركود العظيم، فان التعافي المتحقق لم يحرك اشرعة النمو والاستقرار الاقتصادي بالسرعة المطلوبة لبلوغ حاجز الامان. 

         قبل عقد من الزمن، ومع دخول الازمة المالية اعتم فصولها، خشي كثيرون أن تسعى الدول إلى إقامة حواجز تجارية جديدة، تعيد مشاهد ثلاثينيات القرن العشرين وفترات ركود أخرى تلت الحروب العالمية. ولكن جرى تجنب القيود التجارية إلى حد كبير، بسبب تدخل منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين لتسهيل التعاون المتعدد الأطراف. ولم يتقلص حجم التجارة العالمية بمقاسات الازمة العالمية؛ وبحلول العام 2011، تعافت معدلات التجارة وعادت إلى مستويات ما قبل الأزمة.

      ويدرك المختصون بالشأن الاقتصادي دور المساهمة الكبيرة للتجارة في استئناف النمو الاقتصادي العالمي نظرا للدور الذي يلعبه نظام التجارة المفتوحة المتعدد الأطراف كقاطرة للنمو والاستقرار، فقد كانت التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية تنمو بمعدل مرة ونصف أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

        اليوم، وبعد عقد من الزمن على الانهيار المالي والاقتصادي، بدأت خطوط صدع جديدة تهدد بنية الاقتصاد العالمي، نتيجة ضعف إجراءات التنظيم المالي، وتداعيات عدم المساواة المفرط، والاختلالات العالمية المتصاعدة والتوترات السياسية في الشرق الاوسط. والاخطر من ذلك الحمائية والسياسات المنغلقة التي اثيرت مؤخرا. فقد أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربا تجارية من خلال فرض تعريفات استيراد على الشركاء التجاريين الرئيسيين لأمريكا. وفي الآونة الأخيرة، أعلن عن فرض رسوم على 200 مليار دولار أخرى من الصادرات الصينية، والتي ستدخل حيز التنفيذ في 24 سبتمبر / أيلول الجاري. كما يهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 20 في المئة على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي.

       ويعتقد ترامب بأن هذه الرسوم ستساعد على تحسين الميزان التجاري الأمريكي، دون ادراك أن منع السلع الاجنبية من دخول السوق الأمريكية، يعني ايضا كساد السلع الامريكية. كما أن التعريفات التمييزية ستفشل في تحقيق هدف ترامب المعلن، على اعتبار ان تقليص اختلالات التوازن التجاري الثنائي بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول. يمثل رصيد الحساب الجاري لأي دولة، وهو الفارق بين المدخرات المحلية (العامة والخاصة) والاستثمارات المحلية، وما لم ترتفع المدخرات أو تنخفض الاستثمارات، فلن يتسنى تضييق فجوة الحساب الجاري اطلاقا.

       لقد قوضت التعريفات الجمركية الأميركية بالفعل النمو الاقتصادي العالمي وأضعفت منظمة التجارة العالمية. وفي عالَم سلاسل العرض والإمداد العابرة للحدود والترابط المتبادل المتزايد، سوف يؤدي التعطيل غير الضروري لتجارة الحديد والصلب إلى تراجع الإنتاج ليس فقط في الدول المصدرة، بل وأيضا في الولايات المتحدة. وتتفاقم خطورة الوضع في ظل احتمالات اتخاذ دول أخرى لتدابير انتقامية.

        ويرى معهد "اوكسفورد ايكونوميكس" للأبحاث إن "الخطر الحقيقي بالنسبة إلى أوروبا هو عدم وجود رد استراتيجي على برنامج "أميركا أولا" الذي يدعو إليه ترامب". ويجمع الخبراء على أن حرباً تجارية ستقع فعلاً إذا نفذت الولايات المتحدة تهديدها بفرض رسوم على وارداتها من السيارات ما "سيصيب محرك المبادلات الدولية في الصميم".

        إن أي محاولة لتقويض التجارة العالمية، المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، من شأنها أن تخلف عواقب اقتصادية وخيمة وتكاليف باهظة على الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية. ويتعين على المجتمع الدولي، بعيدا عن الولايات المتحدة، أن يتصدى لسياسات ترامب وأن يعيد التأكيد على مبادئ النظام المفتوح المتعدد الأطراف للتجارة، قبل فوات الأوان.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية