مشكلة الاقتصاد التركي في عجز الميزان الخارجي وتدهور قيمة العملة

 تمهيد لتعريف الأزمة:  

 تعرض هذه المقالة، باختصار، مجريات ازمة الاقتصاد التركي لعام 2018 ، وكيف انها تنشأ من عجز مزمن في ميزان المدفوعات، ميزان العمليات الجارية الخارجية او الحساب الجاري، ما يتطلب تدفقات مالية طوعية، او اقتراض، من الخارج لسد العجز. وعندما تتعثر تلك التدفقات، مثل الاستثمار الاجنبي المباشر او مختلف اشكال الاستثمار المالي الاجنبي في تركيا، وفي نفس الوقت ترتفع تكاليف الاقتراض، وتتعسّر عملية تدوير الدين الخارجي، تتفاقم المشكلة الى ازمة. وتظهر مثل هذه المشكلة، بصور متفاوتة، في كثير من الدول النامية متوسطة الدخل، التي تشترك فيما يسمى قيد ميزان المدفوعات على التنمية. ومن الامثلة عليها ازمة مديونية دول امريكا اللاتينية في الثمانينات، وفي الارجنتين تكاد تتكرر بصفة دورية لحد الآن. وقد شهدت مصر مثلها عندما اضطرت الى تعويم الجنيه، والأردن هذا العام ...  ودول نامية اخرى. 

  وقد واجهت مشكلة ميزان المدفوعات، والمديونية الخارجية، بعض دول منظومة اليورو نتيجة التوسع في الانفاق اعتمادا على تمويل خارجي، ولقدرتها التنافسية الدولية الضعيفة فلا تتمكن من توسيع الصادرات، ومن أبرز امثلتها اليونان في ازمة مديونيتها السيادية. لكن المديونية التركية الخارجية اغلبها للقطاع الخاص. ويبدو ان السياسة الاقتصادية لتركيا راهنت على يسر التمويل الخارجي، ولم تحذر من احتمال انعكاس التدفقات المالية كما حصل لدول آسيا نهاية النصف الثاني من التسعينات، ودول اخرى. ان انفتاح القطاع الخاص في الدول الناهضة على السوق المالية الدولية ينطوي على مخاطر جمة، ويضعف فاعلية سياسات الاستقرار.  

  زخم التنمية الاقتصادية في تركيا: 

    بلغ متوسط الناتج المحلي الاجمالي للفرد في تركيا 10536 دولار عام 2017، والناتج المحلي الاجمالي 851.1 مليار دولار، وربما يقترب من 900 مليار دولار عام 2018. 

  كان سكان تركيا 27.5 مليون نسمة عام 1960، وازداد الى 80.7 مليون نسمة عام 2017، بمعدل نمو 1.89 بالمائة سنويا، انخفض بين عامي 2000 و2017 الى 1.42 بالمائة سنويا.  وتوصف تجربة تركيا في التنمية بالنجاح لنمو الاقتصاد في تلك المدة بمعدل 4.44 بالمائة سنويا، وفي القرن الحالي ارتفع الى 5.37 بالمائة سنويا. ومن تلك البيانات ازداد متوسط الناتج المحلي للفرد بمعدل 3.95 بالمائة سنويا بين عامي 2000 و2017، وهو انجاز يساعد على تقليص فجوة الدخل مع البلدان المتقدمة.  وتصنف تركيا ضمن الدول الناهضة متوسطة الدخل في الشريحة العليا منها. لكن وتيرة نموها تبقى أدنى من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان في طور الصعود والصين منذ عام 1990 والى الآن. ولو استطاعت الحفاظ على زخم النمو لعقدين قادمين يصل متوسط الناتج للفرد حوالي 22 ألف دولار، ويقترب الناتج المحلي من 2.3 ترليون دولار، وهذه من سمات الدول الاقتصادية الكبرى. ومن بيانات المسوحات الاقتصادية لدول OECD، تركيا تموز 2018، يظهر ان نمو الاقتصاد التركي كان بنسبة 7.4 بالمائة عام 2017، ومن المتوقع انخفاضه الى 5.1 بالمائة عام 2018 واقل منه عام 2019، بينما يزداد الاستهلاك الخاص وتكوين راس المال بنسبة 9 بالمائة او أكثر لكل منهما حسب التقديرات الاولية لعام 2018 في حين كانت زيادتهما السنوية أدنى من زيادة الناتج المحلي عام 2017.

    وتحقق ذلك الأنجاز في سياق مكّن تركيا من رفع الجهد الاستثماري بحيث تجاوز تكوين راس المال الثابت، الإضافة السنوية الى الأصول الإنتاجية الثابتة، 27 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي في السنوات القريبة الماضية. بينما كان حوالي 12 بالمائة من الناتج او اقل قبل عام 1970، وأدنى من 20 بالمائة حتى عام 1986.  واعتادت ادبيات الاقتصاد التركي على ذكر التحول نحو الليبرالية والسوق مطلع الثمانينات، وفي نفس الوقت توصف سنوات التسعينات بالعقد الضائع وقد شهد الاقتصاد التركي خلالها تقلبات عنيفة في النمو الاقتصادي. 

 ورغم الانجازات العمرانية الكبيرة والنمو لكن الاقتصاد التركي لا يختلف عن بقية البلدان النامية في المستوى التنظيمي لأنشطته الانتاجية. ولهذا يستوعب النشاط الفردي والصغير والذي يغلب عليه الطابع غير الرسمي جزءا كبيرا من القوى العاملة، وللمؤسسات الانتاجية العائلية متوسطة الحجم دورها المهم في الاقتصاد الى جانب الشركات المساهمة.  ويعتمد مدى الانتفاع من المصارف والسوق المالية على التطور التنظيمي للمنشآت فالشركة المساهمة تستطيع طرح اسهم جديدة للتمويل الى جانب الاقتراض من المصارف، بينما لا تنتفع الانشطة صغيرة الحجم والمتوسطة، والتي تشغَل النطاق الاكبر من قطاع الاعمال، من السوق المالية وتعجز عن الاقتراض من الخارج، وتقتصر على الاقتراض من المصارف المحلية بشروط صعبة احيانا وبضمانات عالية، وتكون المديات الزمنية للقروض قصيرة على الاغلب. وهكذا يتبين، منطقيا، ان القروض الاجنبية على قطاع الاعمال التركي تركزت في نطاق الشركات الكبيرة.

   ويلاحظ على الاقتصاد التركي تفاوت انتاجية العمل فهي في المنشآت الصغيرة 20 بالمائة من معدلها في المنشآت الكبيرة. من جهة اخرى يستفاد من تقارير منظمة OECD نهوض المنشآت متوسطة الحجم في تركيا. وترتفع تكاليف الانتاج في القطاع عالي التنظيم (الرسمي) بأكثر منها في القطاع غير الرسمي الامر الذي يعرقل التطوير التنظيمي للأقتصاد، وهذه من مشكلات الدول النامية عموما. ويسهم القطاع غير الرسمي بحوالي 27 بالمائة من القيمة المضافة لأنشطة الاعمال في تركيا.

  التصنيع والتحولات في بنية الإنتاج: 

   تحرك الاقتصاد التركي على مسار التصنيع وهو العملية الاساسية في التنمية الاقتصادية واللحاق بالمستوى المتقدم من العالم.  وارتفع اسهام القيمة المضافة للصناعة التحويلية في الناتج المحلي الى قرابة 22 بالمائة بين عامي 1994 و 1998 ، ( بيانات البنك الدولي،WDI  ) . ومن ثم تراجعت الاهمية النسبية للصناعة التحويلية لتتراوح بين 15 بالمائة الى 17 بالمائة من الناتج المحلي في السنوات الاخيرة والتي يوصف الاقتصاد التركي فيها بذروة النمو. 

 وانخفضت الاهمية النسبية للزراعة في الاقتصاد من 55 بالمائة عام 1960 الى ما دون 10 بالمائة منذ عام 2003. وهذا النمط: التحول من الزراعة الى الصناعة التحويلية والخدمات ثم من الزراعة والصناعة التحويلية الى الخدمات، مرحلة ما بعد الصناعة والتي عليها الدول المتقدمة من سنوات، هو المسار الاعتيادي للتطور الاقتصادي، لكن لو استطاعت السياسة الاقتصادية مقاومة التحول المبكر نحو الخدمات يمكن ان يكتسب الاقتصاد التركي ميزة اضافية. ان توسع الخدمات في هذه المرحلة لا يساعد على استمرار زخم النمو ويضعف فرص تجاوز الاقتصاد لقيد ميزان المدفوعات. 

 وشهد الاقتصاد التركي نموا سريعا في المدة الاخيرة وخاصة في السنتين الاخيرتين وتوليد فرص عمل خارج الزراعة وتحسين مستويات الرفاه. الى جانب استمرار عملية التحديث وانتشار التقنيات الرقمية، وقد انسجمت السياسات المالية والنقدية مع السياسة الاقتصادية التوسعية. 

 واصبحت فجوة انتاجية العمل بين تركيا والنصف الاعلى من دول OECD حوالي 35 بالمائة وهي أفضل من المكسيك وشيلي وبولندا ودول اخرى دون المتقدمة. وايضا تقلصت فجوة متوسط ساعات العمل للفرد الى 21 بالمائة عن النصف الاعلى لدول المنظمة ما يعني نجاح تركيا في مسيرة اللحاق.  

 عجز ميزان المدفوعات والمديونية الخارجية وسعر الصرف:

وقد تطلب النمو، بما ينطوي عليه من تغيرات في بنية الانتاج، زيادة الانفتاح التجاري. وفي هذا الصدد يمكن وصف الاقتصاد التركي، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بالتوجه الداخلي، إذ كانت نسبة صادرات السلع والخدمات من الناتج المحلي الأجمالي 4.7 بالمائة بينما بلغت تلك النسبة 22.8 بالمائة بالمتوسط بين عامي2001 و2017، محسوبة من بيانات البنك الدولي WDI. وربما أسهم هذا التحول، من الأنكفاء نحو الداخل الى اقتحام الاسواق الخارجية، في تطوير الاقتصاد التركي. 

 ومع زخم النمو وزيادة الانفتاح التجاري بقيت الأستيرادات أكبر من الصادرات، على الأغلب، في تركيا، أي ان اقتصادها يعمل مع عجز في الميزان التجاري عادة.  ولا تكفي صافي تحويلات الدخل من الخارج لسد عجز الميزان التجاري لذلك يبقي عجز ميزان المدفوعات، للعمليات الجارية او الحساب الجاري، مستمرا. ومالم تستقبل تركيا تدفقات صافية من الاستثمار الاجنبيي تضطر الى الاقتراض من الخارج وهنا مشكلتها. وتختلف تركيا في هذا المسار عن نموذج الدول الآسيوية، الآنفة، التي قادت الصادرات تنميتها، ومثلما كانت اليابان من دول الفائض الخارجي كذلك الصين منذ صعودها والى الآن.

  والمقصود بالتدفقات الصافية من الاستثمار الأجنبي مجموع الاستثمارات السنوية الاجنبية التي يستقبلها الاقتصاد التركي مطروحا منها استثمارات الاتراك والمؤسسات التركية في الدول الاجنبية. ولذا كلما ارتفع عجز الحساب الجاري وإزدادت الاستثمارات التركية في الخارج تصبح المشكلة أكثر تعقيدا.

 ولا تقتصر الاستثمارات الاجنبية في تركيا على الاستثمار المباشر بل شراء الاجانب للأسهم والسندات التركية وكذلك ودائعهم في المصارف التركية. اما استثمارات الاتراك في الخارج فهي نظائر تلك الاصناف، في الخارج، مضافا اليها ما يحتفظ به الاتراك من العملة الاجنبية، ولذلك تشجع الحكومة التركية مواطنيها على التخلي عن العملة الاجنبية مقابل الليرة التركية.  

 وعندما تقصر التدفقات الاستثمارية الصافية عن سد عجز الحساب الجاري وتواجه الحكومة صعوبة الاقتراض من الخارج يصبح عجز ميزان المدفوعات شاملا أي ان عرض العملة الاجنبية من جميع المصادر، عدا الاحتياطيات، دون الطلب عليها، وتنتقل هذه الفجوة الى سوق الصرف. وبذلك تصبح الحكومة في وضع حرج لأن الحفاظ على استقرار سعر الصرف يتطلب التضحية بجزء من الأحتياطيات الدولية للبنك المركزي، وعندما تطول الازمة تستنفد الاحتياطيات، ويزداد الوضع سوءا لأن المتعاملين في السوق المالية يتوقعون استمرار ارتفاع سعر صرف العملة الاجنبية، تدهور قيمة العملة الوطنية، فيزداد الطلب على العملة الاجنبية بسبب التوقعات وتتسع الفجوة في سوق الصرف وتتدهور قيمة العملة الوطنية أكثر فأكثر. لكن قبل الوصول الى نهاية هذا السيناريو، تبادر الحكومات، ان استطاعت، لاتخاذ تدابير استثنائية ومن بينها التقشف لخفض الطلب الكلي، وتبعا لذلك انخفاض الطلب على العملة الاجنبية، لكن هذا الأجراء يؤدي الى خفض النمو الاقتصادي. والتقشف لوحده لا يكفي عادة بل تضطر الحكومات الى الاقتراض بشروط صعبة لدعم عرض العملة الاجنبية في سوق الصرف وتهدئة التوقعات. 

   ويدل تغير سعر الصرف ان تركيا تعرضت الى ضغوط قوية، فبينما كان الدولار الأمريكي 3.79 ليرة تركية نهاية عام 2017 ارتفع الى 4.09 ليرة بداية مايس من عام 2018، ثم وصل 6.0954 ليرة في 23 من آب 2018، وبذلك انخفضت قيمتها بنسبة 24.82 بالمائة في شهر واحد و74.99 بالمائة في سنة واحدة. ولا تسمح الحكومة التركية بمثل هذا الانخفاض لولا انها واجهت عجزا في ميزان المدفوعات لم تتمكن من ادارته. 

ويقدر عجز الحساب الجاري بنسبة 5.6 بالمائة و5.7 بالمائة من الناتج المحلي الأجمالي لعامي 2017 و2018 على التوالي وهي مشكلة الاقتصاد التركي، رغم تحقيق فائض في الميزان التجاري في السنتين الآنفتين، ما يعني زيادة تدفقات الدخل الى الخارج، الفوائد وارباح رؤوس الاموال الاجنبية، بمقادير التهمت فائض الميزان التجاري واحدثت عجزا في الحساب الجاري. ويقارب عجز ميزان المدفوعات الجارية زيادة الدين الخارجي في مدة سنة، ما يفيد ضآلة اسهام التدفقات الاستثمارية في سد العجز الخارجي. وتقدر المديونية الخارجية على الاقتصاد التركي بنسبة 53.2 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي عام 2017، وقد وصلت حوالي 467 مليار دولار نهاية الربع الاول من عام 2018 منها تقريبا 19 مليار دولار قصيرة الامد تستحق التسديد في مدة لا تتجاوز السنة. 

 للقطاع العام 30 بالمائة من الدين الخارجي على تركيا عام 2018 والباقي لقطاع الاعمال الخاص، المالي وغير المالي، مناصفة، بعد ان تصاعدت حصة القطاع المالي في الدين العام وتجاوزت 40 بالمائة من مجموع الدين بين عامي 2015 و2016 ثم انخفضت. وان هيمنة القطاع الخاص على الدين الخارجي تضعف سيطرة الحكومة على العملة الاجنبية ويتعرض سوق الصرف لتقلبات منشؤها تغيرات رصيد الدين الخارجي نتيجة التدوير او تقلص الرصيد او زيادته ونفقات خدمته. وترتبط نفقات خدمة الدين بأسعار الفائدة في السوق المالية الدولية، وهوامش المخاطرة في الاقتصاد التركي والتأمين على الديون ... والتوقعات. 

 عبء الدين الخارجي ومواجهة الازمة:

يعادل رصيد الدين الخارجي 200 بالمائة من قيمة الصادرات وعندما يتعثر تدوير الدين فهي الازمة. وتشير التوقعات الى زيادة رصيد الدين الاجنبي حتى عام 2030 من المستوى الحالي وهو دون 55 بالمائة من الناتج المحلي ليصل لأكثر من 90 بالمائة من الناتج المحلي وفق اعلى سيناريو، و 60 بالمائة في السيناريو الأوطا.وبذلك يتجاوز 330 بالمائة من قيمة الصادرات حسب السيناريو المرتفع، ومن المتوقع ان تتجنب السياسة الاقتصادية تصاعد الدين الاجنبي لحماية الاقتصاد من مخاطر اضافية. بيد ان تنمية الصادرات بمعدل يفوق نمو الناتج المحلي هو الملجأ، على صعوبته، لتجنب هذا المصير.  وتعتمد تكاليف خدمة الدين الاجنبي على هامش المخاطرة ومن اهم العوامل المؤثرة في تقدير المخاطر حجم الدين الخارجي بالذات اضافة على توقعات نمو الاقتصاد الوطني والتضخم والثقة بالنظام المالي التركي، ويظهر ان هامش المخاطرة مرتفع في الاقتصاد التركي واعلى من المكسيك وشيلي وبولندا منذ عام 2016.  وغالبا ما يلتفت الى الأحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي لأن لكفايتها دور في بناء وتغير التوقعات لأنها الملجأ الأخير للوفاء بالألتزامات الخارجية والتدخل في سوق الصرف. واستنادا الى أحدث البيانات تبلغ الاحتياطيات الاجنبية للبنك المركزي 124.281 مليار دولار تعادل استيرادات ستة أشهر وبذلك يمكن وصفها بالحد الادنى من الكفاية، لكنها تبدو كافية عند النظر اليها نسبة الى النقود والعملة في التداول. لكن من جهة اخرى تعادل 27.5 بالمائة من المديونية الاجنبية على تركيا بيد انها اعلى بكثير من حجم ديون الامد القصير. لكن مع ذلك إذا إطمانت حكومة تركيا الى انفراج الازمة وانفتاح السوق المالية الدولية على اقتصادها تستطيع توظيف جزء من هذه الاحتياطيات لزيادة عرض العملة الاجنبية في السوق ودعم الليرة.

 ان نسبة النقود بالمعنى الواسع الى الناتج المحلي الاجمالي في تركيا 54.4 بالمائة وهي أدنى من فئة البلدان متوسطة الدخل بالشريحة العليا 152.9 بالمائة والمتوسط العالمي حيث النسبة 125.3 بالمائة. ويدل هذا المؤشر لتركيا على المستوى الواطئ للعمق المالي والذي يعكس ايضا الميل المنخفض للأيداع في المصارف ومن نتائجه القدرة المحدودة للمصارف التركية على تقديم الائتمان.

 وفي محاولة للسيطرة على التضخم ارتفع سعر الفائدة الاساسي الى 17.75 بالمائة وسعر الفائدة لما بين المصارف 22.55 بالمائة، وهذا من دلالات شحة السيولة، وسعر الفائدة على القروض 19.25 بالمائة. وقد يسهم رفع سعر الفائدة في خفض طلب القطاع الخاص الى الاقتراض خاصة وان مجموع دين القطاع الخاص يعادل 170.8 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. 

  يعتمد انفراج ازمة الاقتصاد التركي على الفرص المتاحة في الاسواق المالية الخارجية لتدوير الدين وتكاليف التدوير لأن ضخامة مدفوعات الفائدة تضيف الى عجز الحساب الجاري وهو أصل المشكلة.  ولولا مشكلة الدين الخارجي وتورط قطاع الاعمال في حلقتها المفرغة فإن الدين على الحكومة التركية معتدل إذ يقدر 27.8 بالمائة من الناتج المحلي عام 2018 والصافي 23.1 بالمائة حسب الراصد المالي لصندوق النقد الدولي في نيسان ابريل من عام 2018. كما بقي عجز الموازنة العامة دون السقف الاوربي إذ يقدر 2.9 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي عام 2018 وعند استبعاد مدفوعات خدمة الدين يقدر العجز الاساسي 1.3 بالمائة من الناتج.

 اما وقاية الاقتصاد التركي من مثل هذه الازمات فيتطلب استراتيجية لأرساء مقومات التوازن الخارجي بتقوية التوجه نحو الصادرات، ورفع الميل للأدخار بحيث يكفي للأستثمار المناسب للنمو دون التطلع الى تمويل خارجي. وايضا لانعدام الاستقرار السياسي في تركيا، والنطاق الاقليمي المحيط، له اضرار على الاقتصاد تتمثل في زيادة الانفاق غير التنموي من جهة واهدار فرص في الصادرات. وكما لا يخفى ان التوتر في العلاقات الدولية التي تكون تركيا طرفا فيها له آثار سلبية على التوقعات تنعكس في مزاج الاسواق المالية الداخلية والخارجية. 

التعليقات