هناك علاقة وثيقة ما بين الدولة والاقتصاد والمجتمع ولا يمكن الفصل بينهما كون لا يمكن لمجتمع ما أن يعيش دون وجود للأنشطة الاقتصادية، كالإنتاج والاستهلاك للسلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع، التي تسير وفق نظام اقتصادي معين يكون نابع من فلسفة النظام السياسي للدولة.
معروف إن هناك ثلاثة أنظمة اقتصادية تُتبع من قبل أي دولة وهي النظام الرأسمالي الذي يقوم على الحرية الاقتصادية والملكية الخاصة، والنظام الاشتراكي الذي يقوم على تدخل الدولة والملكية العامة، والنظام المختلط الذي يجمع بين مزايا النظامين الرأسمالي والاشتراكي، وهناك نظام آخر يعرف بالنظام الاقتصادي الاسلامي يستمد مبادئه من الدين الاسلامي.
تدخل استبدادي
عادة ما يكون دور الدولة في البلدان النامية تدخلي وكبير في النشاط الاقتصادي بشكل عام، ونستطيع القول هي صاحبة الهيمنة في هذه البلدان كونها غير ديمقراطية وحكوماتها تمارس ليس الجمع ما بين النظام السياسي والاقتصادي فحسب بل ادماجهما واصهارهما بيدها(الحكومات) حتى تستطيع أن ترسخ بشكل أعمق وجودها وربط المجتمع بها بأوثق عرى الارتباط، وهذا له آثار سلبية على الاقتصاد والمجتمع لان هذا التدخل كان مفروض وغير نابع من إرادة المجتمع وعلى هذا الاساس فهو تدخل غير علمي وغير عقلاني بل تدخل استبدادي كونه يُقصي ويستبعد القطاع الخاص من الحياة الاقتصادية دون إدراك اهميته على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
إن تدخل الدولة الاستبدادي يعني إقصاء القطاع الخاص من ممارسة دوره الفعال في الاقتصاد وذلك من خلال تجريده من ملكية وسائل الانتاج وحصرها بيد الدولة وهذا ما يؤدي إلى انخفاض فرص العمل التي كان يولدها القطاع الخاص من جانب وهدر الموارد كنتيجة لعدم اهتمام الدولة بما تكلفه إنتاج الوحدة الواحدة لان الاولوية لديها هو اشباع الحاجة وليس كم يكلف إنتاج الوحدة الواحدة، أي لا تعمل وفق معيار الكلفة مقابل العائد التي تعتبر اس النشاط الاقتصادي لدى القطاع الخاص.
لكل قاعدة استثناء
نعم، تدخل الدولة لا يمكن الاستغناء عنه ولابد ان يكون مبني على أسس علمية رصينة وذلك من خلال معرفة حجم التدخل وحدوده وآجاله ومعرفة الحدود الفاصلة بين النظام السياسي والاقتصادي حتى لا تستطيع الحكومات من التحكم بالنظام الاقتصادي وفقاً لأهوائها ورغباتها وسعيها لأحكام المجتمع عن طريق التحكم بالاقتصاد، أضف إلى ذلك إن محدودية القطاع الخاص وعدم ربحية بعض المشاريع - كالبنى التحتية - والمشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية - كالمشاريع العسكرية والامنية - والحفاظ على الثروة الوطنية - النفط مثلاً – كلها امور توجب تدخل الدولة في الاقتصاد.
شكلية الديمقراطية وغياب المؤسسات
إن غياب الديمقراطية او وجودها ليس بشكل حقيقي مع غياب المؤسسات التي تضمن أداء الدولة بشكل نزيه وفاعل في الاقتصاد والمجتمع، ساهما في زيادة تدخل الدولة بشكل كبير وكذلك العكس ان الدولة في البلدان النامية وخصوصاً صاحبة الثروات، تسعى في الغالب إلى التخلص من العقبات التي تقف أمام طموحات المتسلطين فيها كجعل الديمقراطية شكلية وفارغة المحتوى والعمل على استدراج المؤسسات وإضعافها، حتى تضمن تحقيق ما ترنوا إليه بعيداً عن حكم الشعب ودور المؤسسات.
التدخل الاستبدادي مع غياب الادارة الكفوءة والإرادة الحقيقة والرؤيا الاستراتيجية لما سيكون عليه الاقتصاد والثروات، كنتيجة لغياب الديمقراطية التي تعني حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب فالشعب يكون هو مصدر السلطات وما الدولة إلا خادم يعمل لخدمة الشعب، وحتى وإن وجدت فهي شكليه ولا تعدو ان تكون استمرار للوضع السابق(الدكتاتوري) ولكن بشكل ديمقراطي، ومهما كانت اسباب غياب الديمقراطية الحقيقية فإن غيابها دفع لاستمرار هيمنة الدولة وتدخلها الاستبدادي غير الهادف.
علاوة على ذلك إن غياب المؤسسات التي تضمن سيادة القانون وحماية الملكية والالتزام بالشفافية والمساءلة والحق في الوصل للمعلومة وحرية الاعلام، قد ساهم بشكل وآخر بتغطرس التدخل الاستبدادي وإقصاء القطاع الخاص بشكل عشوائي دون معرفة مدى اهميته في الحياة الاقتصادية، إذ إن غياب المؤسسات يجعل القرارات والسياسات تنبع صاحب السلطة(الدكتاتور) وبالتالي ستكون متذبذبة وغير متصفة بالاستقرار والاستدامة كونها مرتبطة بصاحب السلطة فمتى ما انتهى دوره سواء بشكل ثورة أو سلمي، ستتغير القرارات والسياسات التي كان يقوم بها وسياتي المتسلط الثاني ايضاً بقرارات وسياسات مفصله على مقاساته وهكذا دواليك، وهذا ما يجعل القطاع الخاص متخوفاً من القرارات السياسات في هذه الدولة كون قراراتها وسياساتها متغيرة تبعاً لصاحب السلطة.
النتيجة
وبما إن اغلب تلك البلدان الغنية التي تمتلك ثروات طبيعية هائلة لا تسير وفق المنطق الاقتصادي، فضلاً عن الدور التدخلي والكبير للدولة في النشاط الاقتصادي لبلدان النامية (تدخل الدولة الاستبدادي) كما ذكرنا آنفاً، بالإضافة إلى شكلية الديمقراطية وغياب المؤسسات، وما يرافق ذلك من ظهور للعديد من المشاكل السياسية والاجتماعية والادارية وغيرها في البلدان النامية الغنية من فوضى سياسية وشيوع البطالة وانتشار الفساد سياسياً واجتماعياً وادارياً وتوقف كل ما يشجع على الانطلاق نحو الأمام.
لذا كانت النتيجة هي غياب التناسبية بين الثروات واداء الاقتصاد اي ان البلدان النامية التي تمتلك ثروات كبيرة في الغالب يكون اداء اقتصاداتها لا يتناسب مع ثرواتها ليس هذا فحسب بل ان البعض من هذه البلدان لديها تراجع في نمو اقتصاداتها واقتصادات البلدان غير الغنية يكون أدائها أفضل من البلدان الغنية، وهذا ما أوضحه واقع اغلب الدول النفطية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وامريكا اللاتينية وغيرها مقارنة مع الدول الفقيرة للموارد الأولية فالأولى يكون أداء اقتصاداتها أسوء من الثانية، وهذا ما لا يقبله المنطق الاقتصادي لان هذا الاخير يفترض من لديه رأس مال أكبر سيكون اداءه أفضل وفق نظرية السلوك العقلاني للمنتج والمستهلك للدولة او الفرد او كلهما معاً.
فالمشكلة الحقيقية في هذه البلدان تكمن في مجال إدارة الدولة للاقتصاد والثروات، أي إن تدخل الدولة لم يكُن مدروساً ولم يكُن مبني على أسس علمية كالتي تم ذكرها آنفاً بل كان تدخل استبدادي زاحم القطاع الخاص واقصاه عن المساهمة في تنشيط الاقتصاد وأصبح دور هذا الاخير دور هامشي يعتاش على ما تنفقه الدولة عبر قنواتها الخاصة، فخسر الاقتصاد والمجتمع مزايا القطاع الخاص وظلا تابعين ايضاً ومرهونين لسياسات الدولة التي ترغب بها.
وعليه فالحل يكمن في
1- ان يكون التدخل تدخلاً مبني على الاسس العلمية وفق المنطق الاقتصادي وبعيداً عن التدخل الاستبدادي حتى نضمن تحقيق النتائج الجيدة.
2- الاهتمام ببناء المناخ الاستثماري حتى يستطيع القطاع الخاص من اخذ دوره الحقيقي في الاقتصاد لان فسح المجال امام القطاع الخاص وتشجيعه وتنميته يعد أحد الاسس العلمية لتدخل الدولة في الاقتصاد، اي إنها تنسحب مع توفير بيئة مناسبة لاستثمار القطاع الخاص.
3- ترسيخ الديمقراطية بشكل حقيقي حتى نضمن فاعلية حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب بعيداً عن سيطرة المتسلطين الذين يرومون تحقيق مصالحهم الضيقة على حساب الشعب وبمقدراته.
4- تقوية المؤسسات التي تضمن استدامة استقرار سير النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بعيداً عن التذبذب الناشئ عن ارتباط كل القرارات والسياسات بصاحب السلطة.
5- إن تنفيذ هذه التوصيات سيضمن تحقيق الهدف المنشود المتمثل في تحقيق التناسبية بين الثروات الهائلة التي تملكها البلدان النامية واداء اقتصاداتها.