إن من أولويات تحقيق التنويع الاقتصادي هو تحقيق العدالة الاجتماعية بين الجيل الحالي والأجيال القادمة من ناحية وبين أفراد الجيل الحالي من ناحية أخرى، ففي ظل الاقتصاد الريعي الأحادي الذي يعتمد على مورد واحد أو موارد محدودة جداً، تختفي العدالة الاجتماعية بين الجيل الحالي والاجيال القادمة وافراد الجيل الحالي
كما إن للتنويع الاقتصادي اهداف اقتصادية تم تناولها في مقال سابق، فله أهداف اجتماعية أيضاً، تسهم عند تحقيقها، زيادة الرفاه الاجتماعي وتماسك افراد المجتمع، وذلك من خلال حصول الافراد على حقوقهم من الثروة الوطنية وتكوين فرص العمل.
فالعمل على تحقيق التنويع الاقتصادي والتخلص من الاقتصاد الاحادي، سيؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل التي من شأنها تقليص البطالة، وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية حتى تتمتع بها الأجيال اللاحقة فتتحقق العدالة الاجتماعية، ويمكن توضيح الهدفين بإيجاز كما يأتي :
أ- تقليص البطالة
ان غياب التنويع الاقتصادي والاعتماد على مورد واحد أو موارد محدودة جداً، سيسهم في تفاقم البطالة، حيث يتطلب القيام بإنتاج الموارد الاولية الطبيعية استثمارات كبيرة بحكم تعدد وتنوع مراحل وعمليات استغلال تلك الموارد، إلى جانب طبيعة الأراضي والمياه التي يتم الاستخراج منها، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة رأس المال الثابت/ رأس المال المتغير، الذي يعني ان هيكل رأس المال في انتاج الموارد الطبيعية يكون أغلبه من العناصر الثابتة التي تشمل المكائن والمعدات والإنشاءات، وتصل إلى أكثر من 80% مقارنة مع رأس المال المتغير .
وبما إن الآلات والمكائن وغيرها، المستخدمة في انتاج هذا المورد أو الموارد المحدودة جداً، تكون متطورة ومعقدة تكنلوجيا، وتحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة للحصول عليها، حتى يتم انتاج هذه الموارد للدول الغنية بها، أي إنها لا تعتمد في إنتاجها على الايدي العاملة بشكل كبير، فاعتماد الاقتصاد الوطني على هذه الموارد كثيفة رأس المال مع عدم الاهتمام بالموارد الاخرى ذات الكثافة العمالية، فضلاً انخفاض مرونة استجابة الأيدي العامة في القطاعات الاخرى لمتطلبات فرص العمل في قطاع المواد الأولية فتكون النتيجة انخفاض الطلب على الايدي العاملة، فتتفاقم البطالة.
أما التنويع الاقتصادي فيهدف إلى تقليص البطالة من خلال زيادة الاهتمام بالموارد الاخرى ورفع مساهمتها بالشكل الذي يوازي مساهمة المورد أو الموارد المحدودة جداً، والابتعاد عن أو تحييد الأثر السلبي للموارد المحدودة على الموارد الاخرى، على أقل تقدير، الذي يسهم في استمرار توليد البطالة، وذلك لان الموارد الاخرى ذات التنوع في طبيعتها كالصناعات التحويلية وغيرها، حينما يتم تجميد وتحييد الاثر السلبي للموارد المحدودة جداً، ستتطلب الكثير من الأيدي العاملة للإيفاء بمتطلبات انتاجها، وهذا ما يعني تقليص البطالة، في ذلك الاقتصاد الاحادي.
ب- العدالة الاجتماعية
إن من أولويات تحقيق التنويع الاقتصادي هو تحقيق العدالة الاجتماعية بين الجيل الحالي والأجيال القادمة من ناحية وبين أفراد الجيل الحالي من ناحية أخرى، ففي ظل الاقتصاد الريعي الأحادي الذي يعتمد على مورد واحد أو موارد محدودة جداً، تختفي العدالة الاجتماعية بين الجيل الحالي والاجيال القادمة وافراد الجيل الحالي.
- غياب العدالة بين الأجيال الحالية واللاحقة
إذ في ظل زيادة الحاجة إلى الأموال لتلبية الحاجات المتزايدة والمتنوعة والمتطورة بحكم العولمة والتطور والتقدم التكنلوجي العالمي، مع ضعف الجهاز الانتاجي المحلي على تلبية الاحتياجات المحلية، هذا ما سيزيد من الاعتماد على المورد الواحد أو الموارد المحدودة جداً، وهذا الاعتماد المتزايد، سيؤدي إلى قصر عمر أو انخفاض الأهمية الاقتصادية لهذا المورد الواحد أو الموارد المحدودة جداً، والنتيجة هي حرمان الأجيال القادمة من التمتع بهذا المورد أو الموارد المحدودة جداً كما تمتعت الجيل الحالي، هذا من ناحية غياب العدالة الاجتماعية ما بين الجيلين.
- غياب العدالة بين أفراد الجيل الحالي
أما من ناحية غياب العدالة الاجتماعية بين أفراد الجيل الحالي، فتكمُن في توزيع عائدات المورد الواحد او الموارد المحدودة جداً على بعض أفراد الشعب ممن له علاقة بالدولة بشكل مباشر (الموظفين مثلاً) أو غير مباشر لأغراض اجتماعية كإعانات البطالة التي لا تخلو من أغراض سياسية، مع إهمال باقي أفراد الشعب، يعني إن الدولة تقوم بتوزيع الثروة الوطنية لبعض أفراد الشعب على حساب باقي الأفراد.
أن هذا المورد الواحد أو الموارد المحدودة جداً التي تعتمد عليها الدولة، التي تستأثر بالقسم الأعظم من عائداته بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وتوزيع ما تبقى على بعض أفراد الشعب، هي موارد وطنية ذات صفة عامة، أي أنها تعود لجميع افراد البلد، ولا يحق لأحد احتكارها وتوظيفها لمصالحة الخاصة، لا حكومة ولا أفراد، ولكن الواقع يشير إلى إن أغلب البلدان التي تعتمد على الموارد الاولية تعاني من مسالة غياب العدالة الاجتماعية بين الافراد.
ولذا فالتنويع الاقتصادي يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين الجيل الحالي والأجيال القادمة من ناحية، وبين أفراد الجيل الحالي من ناحية أخرى، وفي الوقت ذاته يؤدي إلى زيادة الطلب على الأيدي العاملة فينخفض حجم البطالة، ولكن السؤال المطروح ما هي الآليات التي يستخدمها التنويع الاقتصادي لتحقيق الاهداف الاجتماعية؟
بالطبع هناك آليات عديدة يمكن اللجوء إليها لتحقيق التنويع الاقتصادي ولكن سنختصر على اثنين وهما الصندوق السيادي والقطاع الخاص، ويمكن تناولهما بإيجاز وكما يلي:
دور الصندوق السيادي في العدالة الاجتماعية
يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال وضع جزء من عائدات المورد الواحد أو الموارد المحدودة في صندوق سيادي؛ يعمل على توظيفها بما يخدم الصالح العام، أي تتحول العائدات النفطية إلى ملكية عامة لجميع الاجيال الحالية واللاحقة من نوع آخر وهو الاسهم والسندات، ويكون استثمارها في داخل البلد أو خارجه أو كلاهما، حسب مقتضيات الضرورة الاقتصادية والاجتماعية.
فعلى سبيل المثال صندوق المعاشات التقاعدية الحكومية – العالمية، لا يستثمر العائدات النفطية داخل الاقتصاد النرويجي كونه اقتصاد صغير الحجم لا يستوعب عائدات الموارد النفطية بل يؤثر سلباً في حال تم استثمارها في الداخل وهذا ما حصل بالفعل قبل إنشاء الصندوق السيادي النرويجي، حيث انخفضت القدرة التنافسية للأنشطة الاقتصادية كنتيجة لارتفاع قيمة العملة وزيادة الاجور 50% وانخفاض نمو الصناعة التحويلية، وزيادة المديونية بحلول نهاية عام 1977 حين بلغت 50% من الناتج المحلي الاجمالي .
إن العمل على إنشاء الصندوق السيادي بحد ذاته يعد طريقة لتحقيق العدالة بين أفراد الجيل الحالي، لأنه سيتم تلبية حاجة الموازنة العامة عند تعرضها للعجز، وهذه التلبية تمثل جزء من تحقيق العدالة وبشكل غير مباشر لان جزء منها يذهب للتعليم والصحة التي تشمل الجميع فضلاً عن البنى التحتية وغيرها، وقد تكون بشكل مباشر عندما تؤدي إلى سد حاجة الافراد عند الضرورة، على أن تكون وفق نسب معينة تتوافق مع المعايير الاجتماعية والاقتصادية.
دور القطاع الخاص في تقليص البطالة
عندما يكون الاقتصاد احادي المصدر وبالخصوص اذا كان هذا المصدر ريعياً وبيد الدولة فإنها في الغالب ستلجأ إلى الوظيفة التوزيعية اي تقوم بتوزيع الموارد الريعية التي تحصل عليها كنتيجة لصادرات المواد الأولية، هذا التوزيع سيؤدي إلى المزيد من المشاكل المتعلقة بالبطالة، فمن جانب يؤدي إلى زيادة البطالة المقنعة في الدولة عبر "التوظيف السياسي"، ومن جانب آخر تؤدي إلى انخفاض تخصيص المشاريع الحقيقية المنتجة للسلع والخدمات، خصوصاً في ظل الأزمات التي تصيب الموارد الريعية، فينخفض الطلب على الايدي العاملة، والأهم والمفرض أن تعمل على الاهتمام بالبنى التحتية التي لا يقدم عليها القطاع الخاص، حتى تكون احدى الركائز الاساسية لانطلاق القطاع الخاص في قيادة الاقتصاد، لأنه هو الأجدر والأكفأ في زيادة كفاءة أداء الاقتصاد كونه(القطاع الخاص) لا يعمل من دون اتخاذ المبادئ الاقتصادية بعين الاعتبار، كالكلفة مقابل العائد، ولديه القدرة والقابلية على البحث عن فرص الاستثمار وتوجيه رأس المال نحوها، وبهذا فهو يعمل على خلق المزيد من فرص العمل التي تتسم بنوع من الاستدامة ولا تتوقف بتوقف العائدات التوزيعية كما الحال في ريعية الدولة، وبالنتيجة قد تنخفض البطالة فضلاً عن ترشيد الاستهلاك وقليل الاستنزاف.
اضافةتعليق