بات المقياس تقدم الدول وتطور المجتمعات يقاس بمدى التقدم الذي تحرزه في مجالات المعلومات والاتصالات على اعتبار إن المعلومات والمعرفة مورداً استثمارياً وسلعة إستراتيجية ومصدراً للدخل القومي ومجالاً للقوى العاملة وما ينعكس ذلك على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال تغيرات جوهرية بسبب عمليتي البحث والتطوير المصاحبين للتطور الناجم عن الزيادة المعرفية لمنظومتي العلم والتقنية، وتشكل المعلومات على اختلاف أنواعها وأحجامها العمود الفقري لعملية اتخاذ القرار وتحقيق التقدم الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. وتكتسب المعلومات هذه الأهمية في العمل لأن جودة القرارات التي تتخذ في جميع المستويات الإدارية تتوقف على مدى توافر المعلومات التي يحتاجها متخذ القرار. ونظراً لارتباط المعلوماتية بمجالات وأنشطة تطبيقية مختلفة، الأمر الذي يلزم التمييز أولاً ما بين المصطلحات والمفاهيم الأساسية التي ترتبط بكل من المعلوماتية وحقل إدارة المعرفة، فالمعلوماتية أوسع من كونها حوسبة للمعلومات أو بتعبير آخر استخدام الحاسوب لإنتاج المعلومات فقط. كما إن إدارة المعرفة كمصطلح مفاهيمي لا يوجد تعريفاً محدداً لها على الرغم من أنها تأتي في المقام الأول نظراً لفوائد توظيفها إذ من طريقها يمكن توليد القيمة والحصول على الأصول الفكرية التي أساسها المعرفة بغض النظر عن نوعيتها الضمنية أو الصريحة.
وهناك فرق كبير بين تلك البيانات الخام والمعلومات الإجمالية المستخلصة الجاهزة لدعم القرارات وترشيد التوجيهات، وشتان بين المعلومات والمعرفة التي تسمو فوق المعلومات باشتمالها إلى جانب المعلومات، والخبرات والقدرة على الاستنساخ واستخلاص الحكمة. كما إن الأهمية تلك لا تتوقف كما يتصور البعض على الموارد مع عناصر القوة المجتمعية لتمثيل أداة للتكامل المعرفي، وإن المقصود بالقوة المجتمعية هي الرأسمال المجتمعي كمتطلبات ومن جملتها أولاً الرأسمال البشري الذي يعتبر غاية في الأهمية لارتباطه الوثيق بالرأسمال الفكري.
ومن الملاحظ على المجتمعات الأكثر تقدماً ترى إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الرأسمال البشري على اعتبار إنه أساس المعرفة والرأسمال الفكري كما له دور بارز في بناء الحاضر وتطوير المستقبل وتحقيق القيمة الاقتصادية.
ولعل ذلك ما يستوجب ضرورة إيجاد تفهم وإدراك أكثر للعلاقة بين البيانات والمعلومات والمعرفة إذ إن كثير من المشكلات حول المعرفة يمكن تفاديها إذا ما تم تفهم التشابه والاختلاف بين المعلومات والمعرفة وإن الأخيرة ليست بيانات أو معلومات على الرغم من ارتباطها بهما، ولعل أهم اختلاف بينهم هو دور الإنسان في بناء المعرفة. إذ إن البيانات عندما توضع في نص تشكل المعلومات التي إذا ما وضعت في معنى لشرحها وتفسيرها تصبح معرفة عندها تكون الحقائق في ذهن الفرد، ولكن عندما يبدأ الإنسان بمعالجتها بأساليب التنبؤ لاستشراف المستقبل باستخدام عقله للمفاضلة بين البدائل والاختيار يصبح سلوكه ذكياً ومتى ما كان السلوك متلازماً مع القيم يصبح هذا السلوك مستنداً إلى الحكمة، ودون شك إن كل ذلك يتطلب تهيئة نوعية من البشر ذوي ميزات كالخبرة والمهارة والكفاءة.
وبعد التركيز على العمل أو الأداء الفعال هو السبيل المعرفة والتمييز إذ إن المنهج السليم هو الاهتمام بماذا يمكن أن تفعله المعرفة وليس بتعريف المعرفة ذاتها، فاستخدام كلمة المعرفة تعني امتلاك بعض المعلومات التي من طريقها يمكن التعبير عنها وتوظيفها التوظيف الأمثل كما ينبغي أن يكون وهذه هي أوضاع المعرفة في كثير من مؤسسات العالم الأقل تقدماً سواء كانت التعليمية أم الخدمية أم الإنتاجية، فليس كل من يكون قادراً على الأداء وإن كان متميزاً يكون قادراً على التصريح عن المعلومات المتعلقة بتأدية العمل للاحتفاظ بها كجزء من معرفة أو أصول الواسعة التي يعمل فيها لا شك إن ذلك يتطلب توافر بيئات تمكينية وبرامج إبداعية. ولكي نتفهم واقع إدارة المعرفة، فلابد من أن ننظر بشكل أكثر واقعية إلى الماضي والحاضر. في الماضي كانت هناك الكثير من المجتمعات التي تمارس إدارة المعرفة بصورة أو بأخرى من دون أن تطلق على ممارستها هذه التسمية. أما اليوم فإن العديد من المجتمعات اتخذت خطوات رسمية في هذا الجانب واستحداث برامج إدارة المعرفة. ولكن لا زالت هذه المجتمعات قاصرة عن إدماج (إدارة المعرفة) بشكل كامل في فعالياتها وقراراتها المجتمعية.
وبناءاً على ذلك فمن الواضح إن إدارة المعرفة تستطيع أن تسهم في إرساء أسس المجتمع ألمعلوماتي من خلال تبادل أفضل الأفكار مما يتيح استفادة أكبر من الموارد الذهنية المتاحة وإمكانية أحسن للابتكار والتطور.