مواجهة التأثير الايراني في العراق

الكاتب: جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة غولف ستات أناليتيكش، وكاتب في مجلة ناشيونال انترست ومعهد الشرق الأوسط.

الناشر: “Lobe Log Foreign Policy”  / واشنطن.

ترجمة: هبـــه عبــاس محمد

 

في الوقت الذي يحتفل فيه العراقيين بتحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الا انه لايمكن توقع مستقبل البلد. وعلى الرغم من عدم امكانية التنبوء بانتهاء الحرب على داعش في العراق، من المحتمل ان يركز نهج ادارة ترامب بشكل كبير على مواجهة النفوذ الايراني في البلاد ذات الاغلبية الشيعية. ومن جانبها ستدعم السعودية الرئيس ترامب بهذا الخصوص اذ تجنبت الرياض مؤخرا التعاون والعمل مع القيادة الشيعية في بغداد باعتبار ان النظام السياسي بعد عام  ٢٠٠٣ اصبح خاضعا للسيطرة الايرانية. وان الزيارة التي قام بها مؤخرا رجل الدين الشيعي السيد مقتدى الصدر – الذي دعا الى حل الفصائل الشيعية المدعومة من ايران- الى السعودية تشير الى اهتمام الاخيرة بابعاد العراق عن مدارالنفوذ والتأثير الايراني.

وعلى الرغم من محاربة كل من واشنطن وطهران لتنظيم داعش بشكل متوزاي لكن ليست هناك مصلحة متبادلة في ان ينتج عن هزيمة التنظيم اي تعاون جوهري او رسمي بين الدولتين. ومن جانبها كانت ادارة اوباما اكثر استيعابا لايران في الصراع ضد تنظيم داعش من ادارة ترامب. فعلى سبيل المثال قال جون كيري وزير الخارجية الامريكي السابق العام الماضي على الرغم من المشاكل في العلاقات بين واشنطن وطهران الا ان وجود ايران في العراق كان مفيدا، ومن الواضح انها تركز على داعش، و هناك مسألة مشتركة بيننا. ومع ذلك فان اوباما وفريقه عازمون على التميز عن ادارة اوباما من خلال اتباع سياسة خارجية اكثر صرامة وعدوانية ضد ايران في المناطق التي يعتقدون ان الرئيس السابق كان ضعيفا فيها او مستعد للتنازل عنها لطهران من اجل حل الازمة النووية سلمياً.

 وعلى الرغم من عدم تصديقه امتثال طهران لخطة العمل الشاملة المشتركة، فأن البيت الأبيض يفرض عقوبات جديدة على إيران. مما يشير إلى عزم ادارة ترامب نقض الاتفاق، والسعي الى تغيير النظام في الجمهورية الإسلامية. فضلا على ذلك ، أشاد ترامب مؤخرا بحكومة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بالمشاركة في العمليات القتالية على الخطوط الأمامية في معركة داعش والقاعدة وحزب الله. ومنذ أن أصبح رئيسا في وقت سابق من هذا العام، قامت الولايات المتحدة بشكل متعمد بتنفيد ضربات عسكرية مباشرة على سوريا والبنية التحتية العسكرية الحكومية، وزادت واشنطن من دعمها للحملة التي تقودها السعودية ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن.

وهناك احتمالات بان العراق سيصبح في نقطة حرجة في ظل التوترات القائمة بين الولايات المتحدة وايران فور بدء مرحلة مابعد داعش في الموصل، الامر الذي سيقلل من مصلحة الدولتين في الموصل والعراق.  وفي شهر أيار الماضي، قال الرئيس ترامب، أثناء حديثه في القمة العربية الإسلامية الأمريكية تقوم إيران في العراق بتمويل الأسلحة وتدريب الإرهابيين والفصائل والجماعات المتطرفة الأخرى التي تُحدث الدمار والفوضى. وبالمقابل تؤكد طهران أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو السبب الجذري للكثير من الفوضى في البلاد.

كما يعتمد موقف العراق في النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط  إلى حد كبير على مدى تمكن بغداد والرياض من التغلب على التوترات التي دفعت المسؤولين السعوديين الى تجنب الانخراط مع القيادة الشيعية سابقاً. وفي ضوء الزيارات التي قام بها وزير الخارجية ورئيس الوزراء العراقي والسيد مقتدى الصدر من الواضح ان السعودية ستستمر في التواصل مع العناصر التي تسعى الى العمل معها ، بدلا من العمل مع نوري المالكي الذي تعده دمية لإيران، وفقا لرأي الكاتب. وجاء النهج السعودى الجديد تجاه العراق نتيجة لضغط البيت الأبيض ورغبته فى مواجهة نفوذ طهران الموسع فى البلد العربي.

ولابعاد العراق من محور المقاومة الذي تقوده ايران والتقرب من الطائفة العربية السنية، تأمل المملكة العربية السعودية في اقامة علاقات مع السياسيين الشيعة في بغداد الذين يدعون إلى سياسة خارجية تستعيد الدور القيادي للعراق في العالم العربي. وفي المعركة المتعلقة بالنفوذ الجيوسياسي في المنطقة، سوف تتنافس السعودية وايران لاعادة اعمار المناطق التي دمرتها الحملة الرامية الى هزيمة داعش.

وكان العراق وايران قد وقعا في ٢٣ تموز الماضي على اتفاقية التعاون العسكري لمكافحة الارهاب والتطرف، وهذا يمثل ضربة جديدة لجهود واشنطن الرامية الى مواجهة النفوذ الايراني في الشرق الأوسط. وذكرت وسائل اعلام ايرانية ان مذكرة التفاهم تشمل توسيع التعاون وتبادل الخبرات حول مكافحة الارهاب والتطرف، وتأمين الحدود، فضلا على الدعم  اللوجستي والفني والعسكري. وفى اليوم التالى، أعلنت وزارة الخارجية  الايرانية أن العلاقات الإيرانية العراقية هي مسألة ثنائية لا علاقة لها بأي حكومة أخرى، ووجهت الرسالة الى كل من اعضاء مجلس التعاون الخليجي ((GCCوالى المملكة العربية السعودية بشكل خاص.

اما طهران فتعارض الوجود العسكري الامريكي في العراق مابعد داعش . وقد حافظت الأجهزة الأمنية الإيرانية على نفس وجهة النظر المتعلقة بالتدخل العسكري الأمريكي في البلدان المجاورة التي عانت من التغييرات في العلاقات بين واشنطن وطهران منذ عام ١٩٧٩. ولم يتلاشى تصور النظام الايراني للتهديد الوجودي الذي يشكله الجيش الأمريكي في العراق حتى عندما قدمت ادارة اوباما تصريحات دبلوماسية لايران .

كما ينظر النظام الايراني للمجاميع الجهادية السلفية المتطرفة على انها تهديداً وجودياً ايضاً. ويظن زعماء الجمهورية الإسلامية بأن العالم يتآمر على إيران، ويعتقدون ان وجود المتطرفين بالقرب من الحدود الايرانية مثل طالبان في افغانستان و داعش في العراق ليس بسبب حل الانظمة العلمانية السلطوية في الدول الفاشلة والحروب وغيرها من المشاكل، بل ان هذه الجماعات قد تآمرت للإطاحة بالجمهورية الإسلامية بعد نشر الفوضى إلى بلدان إسلامية أخرى بدعم من المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين الإيرانيين بأن العمل العسكري الذي تقوم به قواتهم في العراق وسوريا لايرمي الى توسيع النفوذ الإقليمي لطهران، بل الى تعزيز الأمن الإقليمي وحماية إيران وجيرانها من الإرهابيين العالميين. لكن هناك مصالح جيوسياسية لا يمكن إنكارها تقود السياسة الخارجية للبلاد تجاه العراق. واستنادا إلى سعي طهران لإقامة روابط لوجستية بين العاصمة الإيرانية وساحل لبنان على البحر المتوسط عبر مجموعة من وكلاءها الشيعة، وعلى رأسها وحدات الحشد الشعبي التي تعمل بشكل وثيق مع الجيش العراقي وحزب الله اللبناني، فإن مستقبل الموصل مهم كثيرا بالنسبة للجمهورية الإسلامية، واستراتيجياتها لمواجهة التهديدات الأمنية، فضلا عن التأكيد على زيادة النفوذ في جميع أنحاء بلاد الشام والشرق الأوسط الكبير.

ومن العوامل الهامة التي ستشكل مستقبل العراق هو مدى قدرة الحكومة المركزية في بغداد على تحسين علاقاتها مع السُنة في محافظة الانباروبناء الثقة التي كانت غائبة على مدى السنوات الثلاث الماضية. ومما لاشك فيه ان انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها افراد بعض الفصائل الشيعية المدعومة من إيران في معركتها ضد تنظيم داعش تعد امر سيء للغاية عندما يتعلق الامر بالوحدة الوطنية العراقية في ظل سلطة الحكومة التي يقودها الشيعة في المستقبل. وان الفشل في محاسبة هؤلاء سيمكن داعش من السيطرة مستقبلاً على الاراضي الواقعة في المناطق الغربية ذات الاغلبية السنية.

ولمواجهة الضغوط التي تتعرض لها من قبل جيرانها وادارة ترامب، على الحكومة العراقية ان لا تواجه فقط التحديات المحلية لحل القضايا التي مكنت تنظيم داعش من السيطرة على مدينة الموصل ومناطق اخرى من العراق عام ٢٠١٤، بل التغلب على النظام الجيوسياسي المتقلب في المنطقة الذي يتنافس فيه الغرباء للتأثير على مستقبل البلاد الآن بعد ان يقل اهتمامهم بالكفاح ضد داعش. وفي الواقع لدى ايران حرية الحركة في الكثير من مناطق العراق الان بعد ان عزز العديد من وكلائها المتشددين مواقعهم في السلطة، ولم يتضح بعد كيف ستتمكن اشنطن والرياض من تغيير هذا الواقع بصورة مجدية.   

رابط المقال الاصلي:  

http://lobelog.com/addressing-iranian-influence-in-iraq/#more-40525 

التعليقات