انشقاقات ما قبل الانتخابات العراقية

شارك الموضوع :

تحركات السيد الحكيم طيلة المدة السابقة تدل على عمق الخلافات ما بين جيل الشباب بقيادته وجيل المخضرمين او المؤسسين واختلاف وجهات النظر في مختلف المسائل

يعد النظام الحزبي جزءاً اساسياً من اي نظام سياسي قائم على اسس التبادل السلمي للسلطة فالتعددية الحزبية ينتج عنها نظام سياسي وعملية سياسية على وقع التنافس ما بين الاحزاب للظفر بأكبر عدد من اصوات الجماهير حتى تتمكن من الحصول على اغلبية تمكنها من تشكيل حكومة في الانظمة البرلمانية او تتمكن من حصد اكبر عدد من الاصوات لصالح مرشحها لتولى منصب رئيس الدولة في الانظمة الرئاسية ، لذلك تسعى الاحزاب لإنشاء مقرات لها في مختلف مناطق نفوذها وتحشد الاراء نحوها وتحاول ان تلعب دور الوسيط ما بين المواطن والحكومة في نقل معاناته او متطلباته او ما سواها من الامور ، وبنفس الوقت ومن ضمن دور الاحزاب هو تهيئة كوادر لمسك السلطة وملحقاتها عبر تدريب وتأهيل الكوادر على تلك المهمة يضاف الى كل ذلك للأحزاب السياسية برامج وقوانين داخلية تنظم عمل اعضائها ومن ثم المجتمع عبر طرح مشاريع وقوانين تلامس حياة المواطن تسعى لتنفيذها حال امساكها بزمام السلطة .

السؤال الذي يتبادر للأذهان دائما ما هو السب الذي يكمن وراء الانشقاقات والانسحابات والتشظي في الاحزاب السياسية؟ تتعدد الاجابات بحسب طبيعة وعمل الاحزاب فبالرغم من وجود ناظم داخلي يحكم تلك الاحزاب إلا انه بالتالي ليس دستوراً كما وان الخلافات هي واردة ما بين الكوادر والقيادات او ما بين القيادات انفسها لذلك نرى انقسام الاحزاب في الدول الديمقراطية او في طريق الديمقراطية واحياناً  حتى الانظمة الشمولية ان وجدت والأمر يرجع لأسباب عدة منها اختلاف الرؤية ما بين القيادات العليا والدنيا او عند مسك الحزب للسلطة تجري عملية واسعة لصعود بعض القيادات وإهمال اخرين وغيرها من الاسباب او اختلاف في بنية وأفكار وتوجه قادة الحزب او الحزب بشكل عام او انحرافه عن الهدف الذي انشأ من اجله وهذا ما نلاحظه عندما تنشأ احزاب يمنية ويسارية ومن ثم اقصى اليسار وأقصى اليمين او احزاب ليبرالية او ديمقراطية او احزاب البرامج او الكوادر او احزاب الاشخاص وحتى في الاحزاب الدينية، كلها ناجمة من جراء اختلاف او تنافس او خلاف سلطوي وتقسيم مكاسب . 

في العراق ما بعد عام 2003 ومن اكثر الاشياء جذباً للانتباه هو كثرة الاحزاب السياسية بعضها قديمة تشكلت خلال حقبة معارضة نظام صدام وبعضها تشكل ما بعد التغيير ، إلا ان المؤشرات كثيرة على عملها وتنظيمها وأهدافها وحتى اهدافها فبعضاً من تلك الاحزاب لا سيما الدينية منها قائمة ومرتبطة بشخص او رمز ديني بعيداً عن الالتزام بالنظام الداخلي والعمل الحزبي المعهود وتنتهي بانتهاء ذلك الرمز وتحل محلها مجموعة احزاب وهنا يحصل الانشقاق لكون انتماء الافراد الى تلك الاحزاب هو عقائدي من باب طاعة المرجع او نجل المرجع او حتى الاهداف الاسلامية المعلنة والأمر ينطوي على الاحزاب السنية والشيعية ، النوع الاخر هم احزاب السلطة اي الماسكين بالسلطة إلا ان ملامح الانقسام تبدأ حال خروج زعيم الحزب من دفة الحكم وتسنم شخص اخر يلجأ الاول للانشقاق وإعلان تشكيل جديد ينافس القديم ، النوع الثالث هي الاحزاب التي تندمج مع من يمسك السلطة وأيا كان وهذا النموذج يكثر في العراق لا سيما ان من يتزعم هذه الاحزاب هم الاكثر بحثاً عن المنصب الحكومي.

وتحديداً في هذه الايام كثر الحديث حول انشقاقات تجري داخل عدة احزاب سياسية مدنية وعلمانية وإسلامية وبحسب مصادر مقربة من تلك الاحزاب او الحركات المنشقة ان الهدف الاساس يمكن في خلافات حول الزعامة وخلافات حوله المناصب في الانتخابات القادمة ونادراً ما نسمع بانشقاق جهة عن الاخر نتيجة لخروج عن النظام الداخلي او طبيعة الافكار او الهدف المرسوم وهذه جميعها ناجمة من جراء وجود احزاب قائمة على اسس انتخابية هدفها الاساس الحصول على السلطة او هي احزاب اشخاص كونت دكتاتورية الحزب بوجه الاخرين ونتيجة طبيعية لعدم ضبط عدد وتوجه وصلاحية وعمل تلك الاحزاب ومن التراخي الواضح في تطبيق قانون الانتخابات وإلا ماذا يدل على السماح للأحزاب سياسية ذات اذرع مسلحة بالمشاركة والتسجيل تمهيداً للانتخابات القادمة , ايضا المحاصصة والتي تصنع من ورائها احزاب طائفية تستقطب عواطف الجمهور للحصول على اصواتهن . 

اما بالنسبة لإعلان السيد عمار الحكيم عن انشقاقه من (المجلس الاعلى الاسلامي )وتشكيله (تيار الحكمة الوطني) الامر لا يتعدى ما ذكرناه مسبقاً ، فجميع تحركات السيد الحكيم طيلة المدة السابقة تدل على عمق الخلافات ما بين جيل الشباب بقيادته وجيل المخضرمين او المؤسسين واختلاف وجهات النظر في مختلف المسائل لذلك سعى السيد الحكيم اى استقطاب اكبر عدد من الشباب وهو ما عرف (بتجمع الامل) تحسباً لهكذا لحظة وبطبيعة الحال تمكن من بناء تنظيم جديد مستثمراً طاقاته الشبابية وباعتباره نجل السيد الحكيم تمكن من الاستقلال بذاته عن تدخلات من يعتبرون انفسهم الاولى بقيادة المجلس الاعلى الاسلامي ، ايضاً البعض يربط الامر بإيران وبالتوجه المرجعي للمجلس إلا ان اقرب وجهات النظر هي التنافس القيادي وإزالة المخضرمون والاستعداد للانتخابات القادمة وهي خطوة قد تدفع الى ازالة قيادات اخرى او انبثاق مشاريع اخرى مع التحفظ على البقاء بقوقعة الاسلام السياسي.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية