استبدال السفير السعودي في العراق تغيير أشخاص أم تغير سياسات؟

طلبت الحكومة العراقية عن طريق وزارة الخارجية من السعودية تغيير سفيرها لدى بغداد (ثامر السبهان)، بسبب ما قالت عنه صدور تصريحات وُصفت بأنها تغذي الفتنة الطائفية وتدخل في شؤون العراق الداخلية، لقد كان العراق وعلى مدى العقود الأخيرة الماضية (ليس فقط بعد 2003) من أكثر المتضررين من السياسة السعودية التابعة والذيلية للبيت الأبيض، فخلال العهد الملكي كان ينظر للنظام السعودي انه مغتصب لحق عائلة الشريف حسين في الحجاز وطردها منها إلى العراق والأردن، كما إن العراق كان يستضيف المعارضة السعودية من شيوخ قبائل شمر (آل رشيد) من أمراء حائل بعد استيلاء بني سعود على الإمارة، ومحاولة استرجاعهم من العراق للقضاء عليهم، ولم يكن العهد الجمهوري أحسن حالا من الملكي، فقد كانت العلاقات متوترة حول قضايا المنطقة ومنها مطالب العراق بالكويت، كذلك المنافسة على الدور العربي والإقليمي في المنطقة، وقد كانت المنافسة على أشدها بين العراق ومصر والسعودية، وكانت فترة الثمانينات من القرن العشرين فقط شهدت نموا في العلاقات بسبب قيام السعوديين خاصة والخليجيين عامة وبدفع أمريكي من توريط العراق بحرب مع إيران استمرت ثمان سنوات قتل فيها مئات الآلاف وجرح وشرد الملايين، إضافة إلى مئات المليارات من الدولارات خسائر الحرب، فقد كانت السعودية ودول الخليج الممول الرئيسي للعراق بالأسلحة والأموال في هذه الحرب، ورغم هذه العلاقة المتطورة، فانه في عام ١٩٨٣ قامت السعودية بتمويل بناء سد أتاتورك بـ(مليار وربع المليار) دولار على نهر الفرات، بعدها زاد طلبهم لبناء سبع سدود على نهر دجلة من أموال الخليج، وكلها تصب في إفقار العراق و سوريا وتحويل النفط العراقي مقابل الماء، إلا إن هذه العلاقات بين العراق والسعودية لم تستمر طويلا، ومع نهاية الحرب بدأت الفصل الأخر من التأمر الخليجي ضد العراق من خلال الإضرار باقتصاده، ومن ثم دخول القوات العراقية للكويت في أب 1990 وعودتها للعراق، باعتبارها المحافظة التاسعة عشر، عندها بدأت السعودية وبالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة أمريكا بفتح أراضيها لقوات الغزو الأمريكي من اجل ضرب العراق وإخراجه من الكويت، وسحبت سفيرها من العراق عام 1990، وشاركت بما عرف بعاصفة الصحراء (1991)، وبعدها شاركت بقوة في حصار العراقيين لمدة 13 عاماً، ثم في غزو العراق عام 2003، ولما رأت إن الذين جاءوا للحكم خارج إرادتها بدأت تحصد بأرواح العراقيين عبر فتاوى مشايخها ومفخخات إرهابييها الوهابيين، ولا تزال مهتمة وشقيقاتها الخليجيات بتحويل القاعدة والجماعات المرتبطة بها وداعش، ولم تفتح أي آفاق من التعاون مع الحكومات العراقية المتعاقبة، وكانت الداعم الرئيسي للإرهاب في العراق بالأموال والسلاح، إذ تم إلقاء القبض على أعداد كبيرة من السعوديين في العراق قاموا بإعمال تفجير وقتل، ولم يتم تعيين سفير إلا في شهر حزيران عام 2015، بعد إن وصل الإرهاب ذروته في العراق من خلال دخول داعش وسيطرته على كل المنطقة الغربية للعراق، وتم تعيين السفير (ثامر السبهان) بهذا المنصب. وثامر السبهان هو أول سفير للمملكة العربية السعودية منذ إغلاق السفارة السعودية بالعراق عام 1990 ، عقب دخول القوات العراقية للكويت في آب 1990، و قد تسلم منصبه ببغداد في كانون الأول من عام 2015، بعد أن كان ملحقا عسكريا في سفارة الرياض ببيروت ، و قد أثار ثامر السبهان موجة من الجدل و الانتقادات الواسعة بعد أقل من عام واحد من تسلمه مهامه كسفير للمملكة العربة السعودية و ذلك بسبب مجموعة من الآراء التي قام بطرحها. أسباب طلب الحكومة تغيير السبهان،هي تتعلق بتصريحاته الصحفية المتكررة والتي كانت غالباً ما تمثل تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي العراقي وتجاوزاً لطبيعة مهام عمله الدبلوماسي كممثل لدولة داخل العراق، إضافة إلى أسباب داخلية وإقليمية أخرى، منها: 1- اغلب القيادات العراقية انتقدت تصريحات السبهان واعتبروها خارجة عن السياق الدبلوماسي، فقد قال اغلب قادة المقاومة الإسلامية في العراق، وقادة الحشد الشعبي إن السبهان لا يصلح كسفير للسعودية في العراق لأنه خلفيته الوظيفية كضابط مخابرات لا تؤهله لهذا المنصب، وانه منذ تسنمه المنصب وهو لا ينفك عن التصريحات ضد العراق وجيشه وحشده الشعبي، واعتبر وزير النقل (باقر جبر الزبيدي(، تصريحات السفير السعودي في العراق ثامر السبهان ضد الحشد الشعبي، "مخالفة" للأعراف الدبلوماسية و"تدخلاً سافراً" في الشأن العراقي، وطالبت كتلة بدر النيابية في البرلمان العراقي الحكومة العراقية بإعلان السفير السعودي "شخصا غير مرغوب به"، داعية إلى طرده من بغداد، وهاجمت النائبة عن ائتلاف دولة القانون فردوس العوادي، السفير السعودي في العراق ثامر السبهان، معتبرةً إياه بأنه "تجاوز الخطوط الحمر"، فيما دعت الحكومة إلى طرد السبهان من العراق، أما خالد الساعدي عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي فقال إن قضية "التدخل في الحشد الشعبي، والحديث عن المقدادية أو عن قضايا أخرى، أمر ليس من شأنه ." بالإشارة إلى السبهان، وكشفت البرلمانية ابتسام الهلالي النائبة عن ائتلاف دولة القانون في مجلس النواب العراقي، عن قيام نواب بجمع تواقيع في البرلمان لطرد السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان و مطالبة المملكة العربية السعودية بتقديم الاعتذار للعراق عن التصريح الذي أدلى به ضد الحشد الشعبي، وقد قال( إياد علاوي) "إن تصريحات السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان بأنها مزعجة. ولا أقبل أية تصريحات من أي كان"، واعترضت على اعتبار معركة الفلوجة في الإعلام بأنها حرب طائفية ، فهي حرب للخلاص من داعش"، لهذا هناك شبه إجماع وطني على استبدال السبهان. 2- التوترات حول السبهان ظهرت بقوة خلال معركة تحرير الفلوجة ، حيث قام السفير السعودي ( ثامر السبهان ) باتهام الحكومة العراقية بمحاولة إحداث تغييرات في التركيبة السكانية، واتهام القوات المهاجمة بأنها تريد حرق العراقيين بنيران الطائفية وأحداث تغيرات ديموغرافية على خلفية وجود شخصيات إيرانية و صفها السفير (ثامر السبهان بأنها شخصيات (إرهابية) و ذلك في إشارة منه إلى مشاركة (قاسم سليماني) قائد القدس الإيراني كمستشار عسكري لدى العراق . 3- هناك سلسلة من التصريحات والآراء التي صدرت عن (السبهان) في وسائل الإعلام تجاوزت حدود البروتوكول الدبلوماسي ومهام أي سفير، ومنها تصريح للسبهان بأن هناك مخطط لاغتياله من قبل جهات مرتبطة بالحشد الشعبي، هذا الاتهام غير المعزز بالأدلة حسب قول وزارة الخارجية العراقية، كما انه لم يخبر وزارة الخارجية حول الموضوع حسب الأعراف الدبلوماسية قبل أي تصريح يقوم به يعد تدخلا ومضرا بالعلاقات بين البلدين، ويعد كذلك تطاولا على الحشد الشعبي وهو ضمن منظومة الأمن الوطني، وأراد أن يصور الحشد الشعبي أنه يهدد أمن البعثات الدبلوماسية الموجودة، مما اعتبرناه تجاوزاً على هيبة الدولة وقدرتنا على حفظ أمن البعثات الدبلوماسية، لهذا عد وجوده عقبة أمام تطوير العلاقات بين العراق والسعودية. 4- زيارته للإرهابيين السعوديين في سجن الناصرية، وعلى الرغم من إن هذه الزيارة تمت بعلم الحكومة العراقية، وضمن السياق الدبلوماسي المتعارف عليه، إلا إن تصريحاته حول سعيه إلى نقض الأحكام الصادرة بحق السعوديين المسجونين في العراق، وإعادة محاكمتهم، مدعيا إن السفارة السعودية تمتلك أدلة على تعرضهم لضغوط أثناء التحقيق، على الرغم من إن اغلبهم قد ارتكب مجازر بحق العراقيين، هذه الأعمال تعد أعمال منافية لعمله كسفير وليس كمحامي دفاع عن الإرهابيين وداعما لهم. 5- إطلاق تصريحات وتغريدات على تويتر، حول موقفه من حكومة نوري المالكي السابقة وذلك بقوله ( أن العراق خسر في فترة حكمها سبعين بالمائة من أراضيه لصالح الدواعش ، الذين وصفهم بأنهم حلفاء تلك الحكومة، هذا يعد حسب الاعراف الدبلوماسية تدخلا في الشأن الداخلي، تقوم الدولة بطرده بدون طلب استبداله. 6- اتهام السبهان لدول إقليمية بأنها تتدخل في الشأن العراقي، وإنها تدعم الإرهاب في العراق، وهي إشارة مباشرة إلى إيران، لهذا يعد هذا خروجا على الاعراف الدبلوماسية وعلى سفراء الدول احترام سياسات الدول وعلاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى. 7- يرى البعض أن التجاذب حول السبهان يؤكد مرة أخرى أن العراق أصبح ساحة للتنافس و الصدام بين الرياض و طهران ما يبقيه في دائرة الصراعات الداخلية و الإقليمية، لهذا فان كل طرف يحاول إن يثبت موقعه في العراق من خلال إضعاف الطرف الأخر، لهذا لا يستبعد إن يكون لإيران يد في عملية أبعاده من العراق. 8- زيارته للمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء والدعوة والإفتاء الذي يعتبر دارا للفتوى وتجمعاً للعلماء وأكبر مرجعية دينية لسنة العراق في حي الأعظمية ببغداد، وخلال الزيارة، أطلق السفير السبهان الذي لم يمض على تعيينه في منصبه نحو شهر فقط، عبارة (لن نتخلى عنكم) وهب موجه لأهل السنة فقط، التي لقيت انتقادا في الأوساط الشعبية والسياسية العراقية والتقى السبهان كذلك عدداً من ممثلي الأقليات العرقية والدينية العراقية، بينهم وفد من أبناء الطائفة الإيزيدية ضم كلا من النائبة فيان دخيل والشيخ شامو شيخو وبعض وجهاء وشيوخ الطائفة، وأفراد من الطائفة المسيحية، مع العلم إن من قتل وهجر واستعبد هؤلاء هو الفكر الوهابي المتطرف الذي يحكم السعودية. هل تريد الحكومة العـراقية تغيير السياسة السعودية تجاه العراق أم تريد استبدال سفير؟، إن إصرار لدى الحكومة العراقية على استبدال السفير (السبهان) بأخر هي سياسة لن تجدي نفعا في الوقت الحالي لأسباب عديدة منها: 1- إن محاولة طرد أو استبدال السفير السعودي (السبهان) لم تكن وليدة هذه الساعة، بل منذ الإعلان عن اسمه كسفير للسعودية في العراق بدأت بعض الأصوات في العراق مطالبة بطرده أو استبداله بأخر، وهذا يعني إن هناك حكم مسبق على عدم أهليته لهذا المنصب، وانه شخص غير مرغوب في العراق، خاصة وان العديد من التقارير تحدثت عن كونه ضابط مخابرات سابق، وعمل كضابط امن وحماية لعدد من وزراء الدفاع في أمريكا وبريطانيا، وهذا يعني وجود خلفية استخباراتية لديه، وان السعودية ليست وحدها من اختار السبهان بل إن لأمريكا ومخابراتها يد في هذا الاختيار، لأنه الشخص المناسب لهم، إذ إن السعودية وبعد ربع قرن من القطيعة الدبلوماسية مع العراق تصحو فجأة لتعين سفير لها في العراق. 2- إن المسألة ليست مرتبطة بالسفير السعودي ( ثامر السبهان)، لان تعيين أي سفير سعودي في بغداد سيتصرّف بالطريقة نفسها، فالسفير يعبّر عن السياسة العامة للبلد الذي يمثّله، في إطار خطوط عريضة وتوجّهات مرسومة له، لا أكثر ولا أقل، أي من دون زيادة أو نقصان، فلا يمكن أي سفير مهما كان، ا نياتي بتصريحات ومواقف معيّنة من ذاته، بل هي تعبير عن مواقف دولته، إذ أكد السفير السعودي السبهان في تغريده له على تويتر "أن سياسات بلاده لم تتغير بتغير الأشخاص" إن السعوديين كلهم ثامر السبهان"، "ونحن نخدم بلادنا، وهذا يدل على انه هناك سياسة تخريبية متعمدة للسعودية تجاه العراق، وان استبدال السفير لن يغير من الأمر شيئا. 3- بعد إعلان الحكومة العراقية متمثلة بوزارة الخارجية الطلب من السعودية استبدال السبهان، أعلن عدد من قادة السنة في العراق رفضهم لهذا الطلب، وعدوه سابقة خطيرة تحدث في العراق، وهذا يعني إن محاولة العراق إجبار السعودية على تغيير سياستها في العراق، سوف تصطدم بالداخل العراقي قبل الرفض السعودي، وان تصريحات السبهان وتحركه كانت بدعم من داخل العراق، لهذا فان السعودية تستند في تحركها في العراق على ركائز داخلية، لها تأثير على الساحة العراقية، كما إن الإصرار على استبداله قد يفتح صراعا داخليا بين مكونات العراق الرئيسية، والعراق في أمس الحاجة للوحدة الوطنية. 4- إذا كانت الحكومة العراقية تريد من السعودية تغيير سياساتها تجاه العراق، وحيال ما يجري فيه، فعليها إثبات أنّها حكومة تعمل في بلد مستقلّ وبعيد عن التدخل الإقليمي، وهذا يعني إن يكون التعامل مع دول الجوار بنفس السياسة وان تكون مصلحة العراق هي العليا، ولكن نرى إن تركيا مثلا أدخلت قواتها في محافظة نينوى وهي مصرة على بقاءها، في نفس الوقت إن سفراء بعض دول الإقليم تطلق التصريحات وتقوم بجولات بدون أي رد من بغداد، هل تستطيع الحكومة العراقية التصرّف من هذا المنطلق مع سفراء الدول الأخرى؟. 5- إن طلب الحكومة العراقية استبدال السفير السعودي هو حق سيادي لها، ولا يستطيع احد إن يلومها عليه، ولكن في نفس الوقت يمثل عمق الأزمة التي يعاني منها العراق، وهي أزمة تعود إلى صراع دول الإقليم على النفوذ في العراق، نتيجة الاحتلال الأميركي عـام 2003، وما تبعها كان نتيجة طبيعيـة لتلك الحرب التي كانت السعودية شريكا أساسيا وفعليا فيها على كل المستويات، لم تكن شريكا عبر التسهيلات العسكرية التي قدّمتها للولايات المتحدة فحسب، بل كانت شريكا في تخريب العراق ومحاولة تقسيمه على أسس طائفية ومذهبية أيضا، لهذا ومن اجل تحقيق هذه الدول طموحها في العراق اصطدمت بدول الجوار الأخرى التي تسعى هي الأخرى للحفاظ على مصالحها فيه، لهذا فان محاولة العراق إجبار السعودية على تغيير سياستها تجاهه لا يمكن إن تتحقق في ظل صراع إقليمي ( سعودي إيراني تركي) حاد على مناطق النفوذ في العراق. خلاصة القول، إن طلب العراق استبدال السفير السعودي، يجب إن تكون رسالة ليس إلى المملكة فحسب، بل هو رسالة إلى جميع القوى الإقليمية وإلى القوى الدولية، على رأسها الولايات المتحدة أيضا، فحوى الرسـالة أنّه مثلما أن هذه الدول حريصة على سيادتها وأمنها الوطني، وان العراق بقواته المسلحة ومنها الحشد الشعبي والمقاومة الشعبية ة سوف لن تسمح لأحد إن يكون صوته اعلي من صوت العراقيين، وان ضعف العراق الحالي لا يعني الركون والسكوت على تصرفات بعض الدول وسفراءها ومحاولتهم التدخل بالشأن العراقي.
التعليقات