معركة الموصل ما بين صراع النفوذ وحتمية استعادة المدينة

شارك الموضوع :

ما أن تم الإعلان عن بدء معركة استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم "داعش" حتى تعالت معها الأصوات من مختلف الجهات، سواء الداخلية أم الخارجية، وكلّ يبدي رأيه عن موعد وسير تلك العمليات، وهذا يفسر لنا توقف تلك العمليات، مبررين ذلك بأن هذه المعركة هي عبارة عن مراحل قد طويت صفحتها الأولى من محور مخمور والقيارة، وأن الظروف مهيأة لاقتحام المدينة. لكن هذا ليس هو السبب الرئيس الذي حذا بالقوات للتوقف على مشارف المدينة من محاورها الثلاث، سواء محور الشرقاط أم محور مخمور أم من المحور الذي يخضع لسيطرة البيشمركة الكردية أم حتى من قاعدة القيارة والتي تبعد قرابة الـ60 كيلو متر عن مركز المدينة والتي حررتها القوات الامنية مؤخراً. إذاً، التساؤل هنا هو: أين يكمن السبب الرئيس وراء تأخر إعلان ساعة الصفر؟. هناك اختلاف ما بين المدن التي حررت مؤخراً وما بين مدينة الموصل، وذلك للأسباب أدناه: 1- تعد الموصل أولى مناطق العراق التي سيطر عليها التنظيم الإرهابي المتمثل بتنظيم "داعش" فضلا عن مجموعة فصائل منها "ثورة العشرين، والجيش الإسلامي، وبقايا البعث، والنقشبندية وغيرها" وأغلبها ذابت وانصهرت تحت قيادة التنظيم، وبعض منها بقى يسيطر بشكل جزئي، أو تم طرده خارج أماكن سيطرة تنظيم "داعش". 2- تظم المدينة العديد من قادة الأجهزة الأمنية والاستخبارية إبان حكم نظام البعث، وأغلب هؤلاء - ولاسيما من لم يعودا أو من لم يسمح لهم بالعودة إلى الجيش الجديد بعد 2003 - احتواهم التنظيم واستفاد من خبراتهم الأمنية والعسكرية والاستخبارية، وقد زودوا التنظيم بخبرات هائلة في مختلف التخصصات؛ لذلك ربما ستكون المعركة أصعب بوجودهم، ومن المحتمل أنهم يبحثون عن مكاسب شخصية يساومون عليها. 3- تعدد مكونات المدينة، ففيها المسيحي والصابئي الأيزيدي والشيعي والسني والكردي، موزعين على مختلف مناطق المدينة. وترى جميع هذه الأطراف أنها تضررت بنسب متفاوتة، فالأيزيديون قد تعرضوا للقتل والذبح وسبي النساء في سنجار، وعليه لهم ثأر كبير مع التنظيم وحواضنه، فضلا عن أنهم قد شكلوا وحدات قتالية لحماية مدنهم. وقد تعرض المسيحيون للتهجير والسلب. أما التركمان الشيعة المتواجدون في أغلب مناطق تلعفر، فقد هجروا وقتلوا وتم إحراق بعض نسائهم. وكذلك تعرض بعض السنة ممن رفضوا التنظيم للقتل، ولا سيما بعض عشائر الجبور. أما البقية فقد رضخوا لسيطرة التنظيم، سواء أكانوا مكرهين أم قانعين؛ لذلك هذا التداخل المكوناتي والقومي يصعّب من العملية. 4- تعدد الأطراف العسكرية الراغبة بتحرير المدينة من الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية، وقوات البيشمركة الكردية التي تبسط سيطرتها على قرابة الـ 11 وحدة إدارية من أصل 31 في مدينة الموصل، والتي ترغب بالاحتفاظ بهذه الوحدات وإخضاعها لسيطرتها، وكذلك ترهن مشاركتها في اقتحام وتحرير الموصل بتقديم ضمانات لها بما يتعلق بوضع المدينة السياسي ما بعد التحرير والوضع الميداني وبسط نفوذها على مناطق متنازع عليها كانت قد سيطرت عليها خلال قتالها لتنظيم "داعش"، وهذا الأمر ليس بالسهل ولا سيما بعد تصريحات وزير الدفاع العراقي بشأن عدم مشاركة البيشمركة بتحرير المدينة، وأنه لا يمكن لها الاحتفاظ بتلك المناطق، وهي أصلا خارج إقليم كردستان. كما يوجد ما يطلق عليها بالحشد الوطني بقيادة محافظ نينوى السابق "أثيل النجيفي". فهو يتزعم هذه القوات التي تتدرب منذ أكثر من عام، ويقول أنها ستشارك في المعركة، لكنها في المقابل تتلقى معارضة شديدة سواء من الحكومة المركزية أم من بعض فصائل الحشد الشعبي، موجهين اتهاماتهم لهذه القوات بأنها تبحث عن نصر سياسي، كما وإن هذه القوات هي ليست تحت منظومة الدولة الرسمية، وإنها تتلقى دعماً من بعض دول الخليج، وكذلك فهي تحتمي بالقوات التركية التي تحتفظ بتواجد عدد منها بعد أن أقامت معسكراً لها خارج المدينة، الأمر الذي رفضته الحكومة العراقية التي طالبت هذه القوات بالانسحاب فوراً لكن دون جدوى. في الطرف الآخر، توجد بعض القوات مكونة من مسيحيين وصابئة وإيزيديين، وجميعهم يمتلكون وحدات مقاتلة بعضها منضوية تحت منظومة الحشد وهي تطالب بالمشاركة واستعادة مدنهم. كذلك تتعالى الأصوات بشأن مشاركة قوات الحشد الشعبي. ففي الوقت الذي تقول فيه الحكومة إن الحشد هو جزء من القوات الرسمية، فهي لم تحسم أمرها بشأن مشاركة هذه الفصائل. في حين يمانع البعض هذه المشاركة لحساسية وضع المدينة، الأمر الذي يرفضه الحشد، معلنا عن نيته في المشاركة ولا سيما تحرير مدينة تلعفر والتي غالبية سكانها من التركمان الشيعة والكثير منهم كان قد انخرط في صفوف الحشد التركماني، وهذا ما لا يحبذه الجانب الأمريكي الذي طالب بمشاركة القوات الرسمية فقط على حد وصفه. العامل الآخر وهو محل خلاف، ويتعلق بمشاركة الحشد الشعبي ككل، إذ يصر قادة الحشد بضرورة المشاركة وبصورة واسعة لاستعادة المدينة، عادين الأمر جزءاً من واجبهم الرسمي والوطني بوصفهم قوة تقاتل تنظيم "داعش" على مختلف جبهات القتال، فضلاً عن أنهم يسعون من وراء مشاركتهم استعادة مدينة تلعفر ذات الأغلبية التركمانية الشيعية، كما وينظرون لمعسكر أثيل النجيفي والقوات التركية بعين الريبة، متهمين النجيفي بأنه كان جزءاً من عملية سقوط المدينة، فيما رد الأخير بنفي تلك الاتهامات، وبيّن رفضه لأي دور لفصائل الحشد في عملية تحرير الموصل نظرا لحساسية وضع المدينة، كما وأنه يطالب الحكومة بتوفير ما يحتاجه من أموال وسلاح لمواجهة التنظيم، وهذا ما تعارضه الحكومة، معتبرة هذا المعسكر بالغير الشرعي والخارج عن السيطرة والمتعاون من الوجود التركي. أيضاً من ضمن تلك العقبات هو العامل الخارجي. فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية له شروط وخطط تتعلق باستعادة المدينة. وأيضاً التحالف العربي بقيادة السعودية يطالب سراً بأن يكون له دور ولا سيما بدعم بعض العشائر السنية في المدينة، أو كما تتناقل بعض الأخبار أن أثيل النجيفي كان قد طالب بدعم التحالف العربي دون موافقة أو علم بغداد. هذه الأمور وغيرها تصب في خانة البحث عن انتصارٍ لا يخلو من الأهداف السياسية وترتيب وضع المدينة لمرحلة ما بعد "داعش". فالكرد لهم نصيبهم عبر مطالبتهم بضرورة بقاء نفوذهم وسيطرتهم على الوحدات الإدارية التي استولوا عليها خلال المواجهة مع التنظيم، كما وإنهم يطالبون ببحث مستقبل المدينة قبل أي مشاركة لهم في استعادتها. وهناك بعض العشائر السنية المنضوية تحت مظلة الحشد العشائري ولا سيما من عشيرة الجبور لديهم شروط ومتطلبات تخص وضع المدينة. الجانب التركي ومعسكر أثيل النجيفي هم أيضاً يبحثون عن تواجد سياسي وعسكري لما بعد التحرير. ناهيك عن خلافات مشاركة الحشد الشعبي من عدمها في المدينة. كما وإن رئيس الوزراء يواجه ضغطاً سياسياً من بعض الأطراف السنية المؤثرة. في مقابل كل ذلك، أزمة النازحين في حالة بدء العمليات، إذ تشير التقارير إلى إمكانية نزوح قرابة المليون شخص من المدينة في ظل الأزمة المالية وصعوبة تلبية متطلباتهم وتوفير أماكن سكن لهم وكذلك طعامهم وشرابهم...إلخ. لذلك، فإن التأخر في إعلان الموعد النهائي للشروع بعملية استعادة المدينة يرجع للأسباب أعلاه. وربما تعمل الحكومة على حل كل تلك الإشكالات قبل بدء العمليات في الأيام القليلة القادمة. وحسب تصريحات القادة، فإن استعادة المدينة سيكون قبل نهاية العام الجاري.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية