تركيا لاعب محوري في إحداث الشرق الأوسط كونها تقع على تماس بري وبحري مع ابرز الدول التي هي محور النزاع فيه مثل سوريا والعراق وكذلك جورجيا وارمينا والعديد من الدول الأخرى ، ما حدث فيها أخيرا سيؤثر على موقفها ودورها الداخل بقوة في مجريات أحداث هذه الدول ، التحليلات والقراءات لما حدث ويحدث فيها منقسم في توصيف ما جرى هناك ، بعضها تسبغ صفة وواقع الانقلاب الفاشل على ما جرى،وأخرى تتحدث عن مؤامرة سياسية استدرج الجيش فيها لغرض الإطاحة به وإنهاء دورة كلاعب في السياسية التركية الداخلية والخارجية ، لكن ما هو مؤكد اليوم ان تركيا تعيش على اثر كل ما حدث واقع أزمة داخلية أثرت على موقفها ودورها في الإحداث المشتعلة في المنطقة وعلى جوارها .
أحداث المنطقة المحيطة بتركيا ليست بتلك الوقائع اليومية العابرة كتلك التي تحدث بين مختلف دول العالم كمشاكل الحدود البرية او المياه او اللاجئين او غيرها ، ما يحيط بها من أحداث هو صراع وتنافس إقليمي وعالمي ربما يهدد حتى وحدتها الجغرافية كونه قائم على إذكاء العناصر والقيم القومية والطائفية والعرقية داخل وفيما بين دول وشعوب المنطقة ، هذا الإذكاء لاشك انه أداة ووسيلة غاطسه في تنفيذها الدول الإقليمية ومنها تركيا بوعي وإدراك او بدون إدراك ، نتائج ومخرجات هذا الإذكاء الذي جعل المنطقة بركان ثائر حتما من نصيب الأقطاب العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وروسيا . اللاعبين مع تركيا في أحداث المنطقة يمثلون ثلاثة محاور إقليمية فضلا عن العالمية:
- المحور الأول يمثل إلى جانبها كل من السعودية وقطر والإمارات العربية وكذلك الأردن.
- المحور الثاني والمضاد منها يمثل كل من إيران وسوريا (الحكومة السورية) وكذلك الفصائل المسلحة التي تقاتل إلى جانب الحكومة السورية في سوريا مثل حزب الله اللبناني وكذلك فصائل مسلحة عراقية وأخرى إيرانية.
- المحور الثالث هو محور يتأرجح في مواقفه مابين المحور الأول والثاني تعيقه محددات اقتصادية وجغرافية وسياسية من اللعب بدور بارز مثل مصر والجزائر فضلا عن محاور إقليمية أخرى غير معلنة.
إما اللاعبون الدوليون فهم كل من:
- الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعاضد وتدعم المحور الأول الذي تقوده تركيا.
- روسيا الاتحادية والتي تدعم حكومة الرئيس السوري والقوة التي تسانده.
- الاتحاد الأوربي ويلاحظ هنا الاتحاد الأوربي يتأرجح موقفه تارة مع النظام السوري بالخفاء وتارة أخرى ضده مع القوى التي تقاتله.
هذه مجمل التحالفات الإقليمية والدولية اللاعبة في إحداث المنطقة وتركيا كما مبين وواضح أنها جزء منها؛ إحداث تركيا الأخيرة بصورة مباشرة او غيرة مباشرة سوف تخرجها منها وان لم يكن قريبا فانه حتما سيكون في المستقبل المتوسط او البعيد.
السؤال هو: من سيشغل او يحل محل الدور التركي في المنطقة؟ وما هو مصير المحور الإقليمي الذي تثمل هي فيه رأس الحربة وكذلك مصير المحور الدولي الذي يتكئ على دورها وفاعليتها جغرافيا وبريا ولوجستيا؟
المحور الإقليمي الذي تقف تركيا معه والممثل في الدول الخليجية فان خروجها من لعبة الصراع وانكفائها على مشاكلها الداخلية أخيرا فانه حتما سوف يتخلخل موقف ودور هذا المحور وربما يصبح محور ثانوي متراجع بامتياز قياسا بالمحور الذي تمثله كل من الحكومة السورية وإيران وغيرهما ، تركيا سبقت أحداثها الأخيرة التي وقعت بإشارات رسمية عن نيتها التراجع عن موقفها السابق من أحداث سوريا والعراق وشرعت بفتح قنوات تواصل رسمية مع هذا الدول وبالتالي يمكن إن نقرأ تأكل هذا المحور بصورة مؤكدة من دون تشكيك ، هذا من دون شك سيستثمر او يوظف لصالح كفة المحور المضاد لمحورها إقليميا قبل أحداثها وهذا ما يجري اليوم على الأرض فالنتائج العسكرية على الميدان بدأت تتغير بصورة تصاعدية .
إما ما يخص المحاور الدولية الداخلة في صراع المنطقة فهي الأخرى تتأثر بخروج تركيا من هذا الصراع، الولايات المتحدة الأمريكية متهمه بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل فيها وان كان هذا ضمنيا في الخطاب الرسمي التركي الموجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو يسوغ تحت إطار مطالبات الأخيرة بتسليم الداعية الإسلامي فتح الله غولن الذي تتهمه الحكومة التركية بالأب الروحي للانقلابين.
على اثر هذه الاتهامات التركية للولايات المتحدة يطرح البعض احتمال القطيعة السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها بين البلدين ، لكن هذا الاحتمال ربما يرد في أذهان حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا لكن من غير المنطقي إن تجازف الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها مع تركيا وان تصل إلى هذا الحد،السبب في ذلك أنها تعلم من سيكون بديلها ومن يحل محلها في العلاقات مع الأخيرة وهو روسيا ومحاورها الإقليمية وبالتالي تخسر مصالح جيوستراتيجية محورية تمثلها تركيا في موقعها وفي نفوذها لا يمكن إن تعوض في مكان أخرى. المتوقع هنا إن تركيا سوف تكتفي بموقف الحياد من أحداث المنطقة وربما تتعاون ضمنيا مع محاور يمثلون أعداء الأمس من اجل ضمان عدم ارتدادات هزيمة داعش على أمنها الداخلي ووحدة أراضيها وكذلك الحيلولة دون استقلال الأكراد في سوريا والعراق، وفي علاقتها مع الولايات المتحدة يمكن إن نشهد مستقبلا وليس الآن تحولها من علاقة حليف إلى علاقة دولة بدولة بدون تحالف. اما دول الاتحاد الأوربي فهي منقسمة على ذاتها على محاربة تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة والعالم، تارة يحلق بعضها عند روسيا طلبا منها التعاون كما هو الحال عند فرنسا التي تفضل ضمنيا التعاون مع روسيا في محاربة داعش في سوريا والعراق والعالم على غيرها ، وتارة أخرى بعضها يدور في فلك الولايات المتحدة لكن من الناحية الرسمية أخيرا وقبل أحداث تركيا الأخيرة فتحت الكثير من دول هذه القارة قنوات تواصل مع دمشق وتمثلت ذلك في زيارة وفد البرلمان الأوربي إليها ولقائه برئيسها بشار الأسد . كذلك موقف روسيا نتيجة لمصداقية وتفاعل في الرأي العالم العالمي مع الدور الروسي في محاربة الإرهاب وتلك النتائج الملموسة على الأرض التي حققها وابتعاده عن التناقض يرى البعض إن ربما هذا هو الذي دفع بتركيا قبل أحداثها وبعد إن اتضح إن دورها مع الولايات المتحدة وحلفائها هو دور مجهول وغير مضمون النتائج الايجابية لها في التوجه صوب روسيا ومحاورها ، روسيا من غير المتوقع إن تتحمس في تصعيد دورها في كسب شتات المحاور التي تقع في فلك اللاعب الدولي الأمريكي إلى جانبها , لأنها كدولة كبرى تجيد التعامل مع أقرانها الكبار وبذلك يمكن إن نشهد موقف روسي تدرجي هادئ في كسب رهان أحداث الشرق الأوسط ولعبت المحاور فيه.
إيران : امتاز الموقف الإيراني من أحداث تركيا الأخير بالانقسام مابين شعبي وسياسي ، سياسيا إيران للوهلة الأولى رفضت الانقلاب وأكدت إن الانقلاب مخطط أمريكي وصرح رئيسها إن فيما لو نجح الانقلاب فان أول المباركين والداعمين له هو الولايات المتحدة الأمريكية وشكك في بيانات الانقلاب الأولى وعدها خديعة ، بينما على الجانب الأخرى إعلاميا ورأي عام شعبي لوحظ دق طبول الفرح ابتهاجا بسقوط حكومة اردوغان وحزبه ، هذا الموقف الشعبي المتناقض لموقفها الرسمي السياسي سرعات ما تداركته في اليوم الثاني من الانقلاب وعدلت موازين كفته إلى جانب موقفها الرسمي ، القراءات للموقف الإيراني من تطورات الأزمة التركية يمكن إن نضعه في عدد من التوظيفات من المتوقع ان تقدم عليها إيران كونها لاعب إقليمي في إحداث المنطقة وهي : ترقب وحذر في تعاملها مع تركيا ومع رئيسها الحالي ، زيادة في دعمها العسكري والبشري واللوجستي في حسم معركة حلب السورية قبل إن تتغير الأوضاع كثيرا في تركيا والمنطقة ، كذلك الدفع بالحكومة العراقية بالتعجيل بحسم معركة الموصل وإنهاء ملف داعش فيها ، أيضا يمكن إن نشهد تقارب إيراني تركي في المستقبل .
إما العراق وسوريا، امنيا وعسكريا كلا البلدان هما الأكثر يمكن إن يستفيدا من ما جرى في تركيا وانكفائها على ذاتها بمشاكلها الداخلية فالمعرف إن ذهاب وإياب العنصر البشري والعسكري والمالي وغيرهما لتنظيم داعش هو عن طريق هذا البلد تركيا وبالتالي فان أحداثه الأخير من الممكن إن تحرم التنظيم هذا المزايا وبالتالي تستطيع بلدان سوريا والعراق وبمساعدة محاور كل منها في أنهاء ملفه على أراضي بلديهما.
إما محور مصر الجزائر في أحداث المنطقة يتمثل في التالي: تركيا صادرت من مصر الأدوار التالية : صادرت الدور المصري في التأثير على القرار السياسي في غزة – فلسطين ، صادرت موقفها ودورها بجوربها في ليبيا ، أيضا مصر تتهم تركيا بلعب دور بدعم تنظيم داعش في سيناء ، أيضا مصر تتهم تركيا يأخذا دول الخليج إلى عالم التطرف الإسلامي ، أحداث تركيا الأخيرة يمكن إن تجعل من مصر تعيد دورها كلاعب في هذه المحاور من جديد إلى جانب الجزائر التي تشهد دور متنامي تحال اللعب فيه في أحداث المنطقة .
نتيجة لما تقدم يمكن ان نعد تركيا بفعل الإحداث الأخيرة فيها من خارج عداد الدول الفاعلة واللاعبة محوريا في أحداث المنطقة وان لم يتضح هذا الدور حاليا فان بوادره في المستقبل يمكن إن نلمسها، كما إن خارطة تبدل وانتقال التحالفات والمحاور إقليميا ودوليا يمكن إن نشهد أثارها مستقبلا، كما أن خارطة وجود الإرهاب العاصف بالمنطقة يمكن إن نعيش تقلص وتلاشي وجودها على اثر أحداث تركيا الأخيرة وأيضا يمكن إن نشهد ارتداداتها بتزايد وبقوة امنيا على الداخل التركي وفي أوربا والعالم.
اضافةتعليق