منذ أن توصلت إيران مع وزراء خارجية دول مجموعة 5+1 “الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا”، إلى اتفاق في عام 2014، على ملفها النووي أصبح التفاهم بين تلك الدول على أن العدو المشترك لهما جميعا هو الجماعات السنية الأصولية المتشددة مثل ( تنظيم داعش وغيرها من الجماعات ) إضافة إلى ذلك ترسخ التعاون بينهم ضد هذه الجماعات وأصبحت الأرضية مناسبة للتوافق وتبادل الأدوار إلى حدا ما في حسم الملفقات والقضايا الإقليمية الشائكة وأبرزها الأزمة السورية ، تبادل وتقسيم مناطق النفوذ تم الترسيخ له منذ ذلك الوقت حسب المعطيات والوقائع على الأرض وكلا حسب حجمه وامتداداته الديموغرافية والعسكرية،الانسحاب العسكري الجوي الروسي الجزئي أخيرا جاء ليمثل مرحلة التفاهم بين القوى الرئيسية الداخلة واللاعبة في الأزمة السورية ومن أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران واللذان كان أول المرحبين بالقرار الروسي بينما القوى الأخرى كانت تعيش المفاجئة عند إصدار قرار الانسحاب من قبل الرئيس الروسي ، القرار الروسي كان يمثل خطوة من روسيا من اجل الدفع للأمام بالمفوضات الجارية في جنيف ومرحلة إثبات جدية في دعم روسيا للحل السلمي عبر المفاوضات في هذا البلد ، في المقابل إيران والتي وضعت كل إمكاناتها الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، في صالح النظام ومؤسسات الدولة السورية منذ بدأ انتقال عدوى انتفاضات الميادين إلى هذا البلد مطلع العام 2011 كانت تدرك أن النظام انتهى بنيوياً، ولا بد من نظام جديد وجغرافيا جديدة وعقد اجتماعي جديد بين النظام والجغرافيا والديموغرافيا وان دوامة الصراع وتزايد الأقطاب الداخل فيه لا تخدم مجريات الإحداث في المنطقة والتي أخذت تتصاعد إلى أفق مجهولة النتائج ، لذلك كان التدخل الروسي المباشر يمثل التوافق بينها في الكثير من المشتركات حول التعامل مع الأزمة السورية ، في المقابل إيران بدورها كانت ولازالت تفتقد إلى هامش المناورة في أروقة المؤسسات الدولية كمجلس الأمن وغيرها في توفير مضله دبلوماسية داعمة للنظام السوري لذلك كان الدور هنا مكفول لروسيا في هذا الجانب والتي وفرت مضلة الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والأمني في دعم بقاء النظام والمؤسسات السورية ، الدور الإيراني ميدانيا وعلى الأرض خفف على روسيا ضرورة تواجد قوات على الأرض إلى جانب القوة الجوية ، روسيا ورميها بكل ثقلها في دعم النظام والمؤسسات الرسمية السورية بموجهة القوى التي تقاتله كانت تندرج تحت عدد من المبررات أبرزها الحفاظ على مصالحها في هذا البلد والحيلولة دون الوقوع في الخطأ الذي وقت فيه بليبيا عندما صوتت في مجلس الأمن لصالح إسقاط النظام وبالتالي فقدت مصالحها هناك وأيضا روسيا تتخوف من انتقال عدوى التنظيمات التكفيرية إليها ، لذلك هي وقفت في مجلس الأمن ضد تدويل القضية السورية على الشاكلة الليبية، إيران في المقابل تم تشديد العقوبات عليها وخاصة الاقتصادية جراء ملفها النووي الذي يمثل عمقا إستراتيجيا وهدفا قوميا لها ، اشتداد الضغط الغربي والأمريكي على إيران دفع بإيران إلى المناورة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحسم هذا الملف ، حسم الملف كان يتطلب من إيران التضحية بالملف السوري أو تقليل من زخمها في دعمه هناك ، وهذا ماحدث ، ترك هذا التراجع الإيراني تزايد ضغط الجماعات المسلحة على النظام السوري وبدأ النظام شيئا فشيئا يفقط السيطرة وهنا جاء الدور الروسي . التدخل الروسي جاء بعد تراجع الدور الإيراني شكل التدخل الروسي صدمة كبيرة وتحول في مسار الإحداث في سوريا ، كان الهدف المعلن من التدخل الروسي هو الدفع بالعملية التفاوضية السياسية بين طرفي الصراع في سوريا النظام والمعارضة ، وكما شكل دخولها العسكري مفاجئة وصدمة شكل خروجها وان كان جزئي أيضا صدمة ، الدور الإيراني هنا بعد الانسحاب يؤشر عليه عدد من القراءات منها :-
- هناك رأي يقول بان الانسحاب الجزئي الروسي من سوريا لا يصب في صالح إيران كونه يشكل مدخل لمطالبات دولية بضرورة إن تقدم إيران على سحب اذرعها العسكرية التي ترتبط بها يصوره مباشرة أو غير مباشرة من سوريا وهذا ما يشكل تحدي لإيران وللنظام السوري هناك كون إن اغلب خبراء العليات العسكرية على الأرض في سوريا هم من اذرع إيران ، وبالتالي في حال إقدام المجتمع الدولي على الضغط على إيران بهذا المطلب فان إيران سوف تخسر سوف تخسر كل مصالحها واهدافها في هذا البلد .
- ورأي أخر يقول إن الانسحاب الروسي يصب في مصلحة إيران كونه يشكل تحديا وعاملا معرقلا لخطط وتكتيكات مسرح العمليات التي تديرها إيران وحلفائها هناك وهذا التحدي نابع من تخوف وخشية إيران من التفاهم الروسي الإسرائيلي الذي سبق التدخل الروسي المباشر ، هنا إيران كانت وكما تشير بعض التحليلات تتخوف من انتقال المعلومات من جبهتها في سوريا إلى إسرائيل عبر الروس .
- ورأي ثالث يرى إن هناك تنسيق إيراني وروسي وتبادل ادوار يؤشر الكثير هنا إن الدور الروسي والإيراني متناوبات في تقديم الدعم والإدارة للأزمة السورية فعندما تكون هناك حاجة إلى دعم دبلوماسي في مجلس الامن والأمم المتحدة يكون الدور الروسي هو الفاعل هنا وعندما تشتد التحديات على الأرض يكون الوجود الإيراني هو الكفيل في مواجهته.
لقد أظهرت السياسة ألروسية ألمعاصرة بأن القيادة ألشابة للكرملين عن طريق القيصر ألهادئ بوتين أن روسيا هي عكس واشنطن قادرة على تحقيق نتائج عسكرية حاسمة في أقصر وقت ممكن وبدون خسارة ، فعند دخول روسيا المعركة مباشرة مع النظام السوري وضد الجماعات التي تقاتله قال حينذاك إنه يستهدف من تدخله أمرين: أن يعزز موقف الحكومة السورية، وأن يمهد الطريق "لتسوية سياسية" للأزمة، التي امتدت الآن لخمس سنوات.لكن تدخل بوتين في سوريا حقق هدفه تماما من وجهة نظر موسكو، ولذلك فهو الآن يتخذ قراره بالتهدئة، وسحب جزء من القوى الجوية الروسية في سوريا . التدخل الروسي كان مدفوعا قبل أي شيء بحقيقة أن السعودية وتركيا وقطر وربما الولايات المتحدة قد كثفوا ونسقوا دعمهم لجماعات المعارضة السورية المسلحة، التي كانت بدورها تتعاون بشكل متزايد، وبدأت في تشكيل تهديد حقيقي على حكومة الأسد.روسيا والى جانبها إيران خشيا من فقدان حليفهما الاستراتيجي في دمشق، ولذلك فقد كثفت روسيا من تدخلهما لصالح الأسد.النتيجة ساعد الروس والإيرانيون القوات السورية الحكومية على تعزيز خطوطها الدفاعية، واستعادة بعض المناطق الاستراتيجية، ودحر المجاميع التكفيرية التي تقاتل النظام هناك ، كان بإمكان روسيا تحقيق نصر شامل هناك لكن توقفت عند تكاليفه العالية ، وهي اندلاع حرب طائفية مفتوحة المدى وذات بعد إقليمي . هنا توقف الروس عند هذا الحد من النتائج واكتفوا بها ولم يأخذهم الطمع أكثر من ما كانوا يهدفون وبالتالي يغوصون في مستنقع متجذر الأعماق . بشار الأسد كان يرغب في الذهاب إلى نهاية الطريق، متخيلا أن حكومته في دمشق يمكنها أن تعيد فرض سيطرتها على أغلبية الجغرافية السورية ، إما وجهة نظر إيران، تتماثل مع للروس وهي الدفع بمفاوضات جنيف، لان الفرص في المفاوضات أفضل من ذي قبل؛ لأن معظم اللاعبين الخارجيين أصبحوا يقفون على أرضية مشتركة، وعلى رأسهم الأمريكان والروس، كما إن إيران ترى أيضا ان هناك توافق سوري داخلي ورغبة لدى الحكومة السورية والمعارضة لإنهاء النزاع المستمر منذ قرابة الستة أعوام، لهذا فهي تدفع باتجاه الحل السلمي لكسب بعض المعارضة إلى جانب سياستها .
اضافةتعليق