مشروع القيادة في العالم ودوره في رسم السيناريوهات في الشرق الأوسط

يشهد العالم المعاصر صراعات ونزاعات وانشطارات وانهيارات سياسية وأمنية بالغة الاهمية والخطورة ، تمخض عنها تكريس للعنصرية والكراهية بين البشرية جمعاء ، وحدث من جراء ذلك ان اتجه الشرق الاوسط موضوع البحث حالماً بكابوس الماضي المتجدد المتمثل بإحياء اتفاقية سايكس بيكو في مخيلة العقل السياسي على المستوى الاقليمي والاوروبي وبقيت مخيلة السياسة الخارجية الروسية والامريكية تخطط لمشروع القيادة ، وتسعى الى تنفيذه بقوة في المنطقة ، وتحاول فرضه على مناطق النفوذ التابعة لكل من هاتين الدولتين ، وحتى التنافس بين القطبين قائم على أساس مشروع القيادة ، ونقصد به توحيد الدويلات والكيانات مع بعضها البعض ، واعتراض المدارس السياسية الساعية الى التمزيق والتفتيت والولايات المقسمة حسب طائفة او ديموغرافيا محددة بغية اخضاعها لنفوذ دولة معينة من الدول او قطب معين من اقطاب النفوذ الدولي المتصارع على السيادة والقيادة. منطقة الشرق الاوسط ليست منطقة جغرافية وحسب، بل انها منطقة جوهرية (انها نقطة الارتطام الدولي) او (بؤرة المصالح الدولية) ولا يمكن فهم هذه المنطقة وبيان معالمها الا بعد اخضاعها لبرنامج منظم من التحليل العلمي، واول محاور هذا البرنامج التحليلي، وصف المنطقة الشرق اوسطية دينيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا. من الناحية الدينية تدين شعوبها بعدد كبير من الديانات وتتمذهب فرقها بعدد اكبر من المذاهب ، ويتحرك عنصر الطائفة آخذا مأخذاً كبيرا من مشاعرهم واحاسيسهم وعلاقتهم مع الاخرين ، بل يقود سلوك شعوبهم ، فيتحول هذا الشعور الطائفي الذي تتصرف بمنهجه الشعوب الى وبال على الامن والثقافة والمعرفة والسلوك السياسي ، بل تحول هذا العامل بمرور الوقت الى عنصر بارز من عناصر التناقضات. أما من الناحية السياسية فانه تترعرع فيها الانظمة السياسية التقليدية ، وتنشط بقوة الانظمة الشمولية والدكتاتورية؛ لان شعوبها أعراق حسب وصف المحللين او جذور فكرية سياسية ، وهكذا شعوب تتمازج مع رؤيتهم السياسية عوامل وراثية ومعرفية متعددة تدخل هذه العوامل وبشكل دائم على منظومتهم الفكرية فتؤدي الى تجميدها وايقاف حركتها عن السير مع خطوط المكان ، وعومل ومتغيرات الزمان ، لتعود من جديد الى دائرة التقليدية او الكلاسيكية او الدكتاتورية معلنة عجز الشعوب عن التغيير في كل مرحلة تتراءى فيها فرصة للتغيير نحو الافضل. واجتماعيا هي منطقة تمتلك عنصر القبيلة و العرق والعرف ليصبح شكلا من اشكال نظامها الاجتماعي، الذي يتكون من طبقات اجتماعية متناقضة نوعا ما ، ويرى المحللون ان هذا التناقض كان سببا من اسباب الهزات العنيفة التي تتعرض لها المنطقة في كل جيل يمر من اجيال التغيير. اما اقتصاديا فهي منطقة غنية وتضم ثلث خيرات الارض حسب اغلب الدراسات والتحليلات ، في الوقت الذي تشكو شعوبها من العوز والحرمان ، بل تحولت الى سوق اقتصادي عالمي يتم تصريف منتجات العالم من خلال الثقافة الاستهلاكية للمجتمع الشرق اوسطي . عند تحليلنا للدلائل اعلاه سوف تُحيلنا النتائج الى وجود تناقضات بين بلدان الشرق الاوسط ، بل تناقضات بين المجتمعات المتداخلة بين دويلاته ، ويصل تأثير الاوضاع اعلاه الى تناقضات طائفية ومعرفية وفكرية وسياسية واقتصادية ، وكان من جراء ذلك ان نشبت الحروب بين ممثلي هذه الجماعات المتناقضة ، ومن ثم تَقولبت التناقضات في تحالفات بنيت على اُسس متناقضة ، ومن هذا الاصل تفرعت النزاعات ، وبناءا على هذه النزاعات نشبت الحروب ، فحل الدمار ، وتسيد الشر في كل ربوع الشرق الاوسط ، ليعلن الوقت عن ساعة صفر وشيكة التحقق ، ابرز معالمها التحالف الاسلامي المتكون من 35 دولة ، رفض كل من ايران وسوريا والعراق الانضمام اليه ، فجاءت هذه التحالفات لتمثل انعكاس حقيقي للصراعات الدولية المنقسمة الى ثلاث جبهات : اولا : المشروع التقسيمي : هذا المشروع منبثق عن الرؤية البريطانية الفرنسية والاوروبية والصهيونية ، قوام المشروع ، وديمومته ، وبرنامج تحقيقه وتنفيذه يعتمد على قدرة المخابرات الدولية المرتبطة بأصحاب هذا المشروع ، فضلا عن الكابينة السياسية واللوبيات التابعة لها على تحفيز عناصر الاختلاف والتناقض التي تراهن عليها في منطقة الشرق الاوسط مثل ( الطائفية ، التزمت ، الجهل السياسي ، الحرب الناعمة ....وغيرها من العناصر)، منظري هذا المشروع دائمي البحث عن التناقضات واستراتيجيات تحفيزها وتركيبها وتشكيلها من جديد. ثانيا: مشروع القيادة الروسي المنبثق عن رؤية الدب الروسي القائمة على الرغبة في استحصال مكتسبات استراتيجية بعيدة المدى ترتبط بحلم الوصول الى المياه الدافئة، فضلاً عن رغبتها في تكريس وجودها في المنطقة على حساب مصالح الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الخليج والبحر الاحمر والمتوسط، وتراهن في تحقيق وتنفيذ هذا المشروع على القوى الشيعية والمعتدلة في المنطقة او القريبة الى منظومتها السياسية مثل إيران والعراق وسوريا ومصر. ثالثا : مشروع القيادة الامريكي المنبثق عن رؤية اوباما القائمة على القيادة ومن الخلف وباقل الخسائر ، ويراهن على القوى السياسية التابعة له ، والمؤتمرة بأمره ، والدائرة في قطب الولايات المتحدة الامريكية ، مثل تركيا قطر السعودية والفصائل المعارضة داخل بعض الدول ، وتحديدا الغير معلنة لميلها للولايات المتحدة الامريكية ، مثل الجيش الحر ، او الحكومة السورية المعارضة ، ويرى محللون ان الولايات المتحدة الامريكية تراهن عل التحالف الاسلامي الجديد ، وتعلنه ورقة ضغط على روسيا بسبب تبنيها مشروع قيادة يتماثل مع مشروعها المطروح في المنطقة ، كما ويؤثر على المشروع الامريكي تأثيرا مباشرا . يتصارع أصحاب مشروعي القيادة وهم يراهنون على النفوذ والقيادة على حساب المشاريع التقسيمية، وهذا يعني ان ثمة تناقض بين برنامج الدولتين (روسيا – الولايات المتحدة الامريكية) مع البرنامج الاوروبي المتبنى من قبل بريطانيا وجماعات الضغط الصهيونية في الكونغرس الامريكي، وهذا البرنامج يدعم التقسيم بقوة، ويتجه عكس مشروع القيادة. وتبين لنا الاستنتاجات والتحليلات، ان كل من المشروع الروسي والامريكي يسيران بنجاحات جزئية نحو مرحلة التحقق ، او ربما مرحلة جني الثمار ، ومن مؤشرات ذلك اتفاق نيويورك الموقع بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية ، والتنسيق العالي والمشترك في الميدان بين الدولتين ، لكن هذا التنسيق وهذا الاتفاق منظم بأوراق ضغط قدمتها روسيا والولايات المتحدة الامريكية ، فروسيا قلمت وتقلم أضافر حلف الشمال الاطلسي ذات الاذرع الامريكية، والولايات المتحدة الامريكية من جهتها تشير لروسيا بتكتيك جديد متمثل بالتحالف الاسلامي وكأن لسان حال السياسة الامريكية يقول لروسيا انما " نحن نراهن على القوى الدولية والاقليمية السنية لتكون ورقتنا للضغط على نفوذ الدب المتنامي في المنطقة ". المشروع الاوروبي والصهيوني يظهر متقنع بانفعالات سياسية غير منظمة، وارتجالية تتمثل بدعم القوى المشاغبة والغير متحكمة في سياستها مثل تركيا، الاكراد، وتحريك عناصر التناقضات التي من شأنها ان تحدث شرخا في الشرق الاوسط، يتبعه تجزئة للدول ذات الاختلاف الديموغرافية والدينية والسياسية .... ونتمنى في نهاية هذا المقال ؛ لخير منطقة الشرق الأوسط ان تكون الدول متماسكة امام هذا المشروع؛ لأنه اشد خطرا من المشروعين اعلاه.
التعليقات