التهديد الجهادي لأمن دول مجلس التعاون الخليجي

ما يزال خطر وصول الجماعات الإرهابية وتأثيرها المدمر من العراق إلى دول مجلس التعاون الخليجي يؤثر وبشكل كبير على طبيعة رسم ملامح العلاقة ما بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي ، فقد كان التوجه السائد لدى هذه الدول أن العراق يمثل مصدر تهديد لأمنها الداخلي والخارجي ألا أن تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في العراق وسوريا ودول الربيع العربي أدى إلى تبلور قناعات جديدة لدى حكومات هذه الدول الخليجية بشكل مغاير عما كان سابقا خاصة بعد أن تم الكشف عن تشكيل شبكات متخصصة لتجنيد الشباب ضمن صفوف داعش الإرهابية خصوصا بعد تزايد تأثير الدعاة أمثال العريفي والعرعور الذين دأبوا على دعوة الشباب للقتال في صفوف هذه الجماعات الإرهابية من باب الجهاد في سبيل الله . أن دول مجلس التعاون الخليج ظلت تواجه تهديدات اتسمت بالتنوع من حيث طبيعتها ألا أنها في المرحلة الحالية تواجه تهديدا من نوع آخر وهذا يعود لعدة أسباب أهمها :- (1) التهديد من قبل الجماعات الإسلامية الراديكالية وعلى رأسها ما يعرف ب ( الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش ) والتي راحت تشكل خطرا يتمحور من خلال التهديدات التي تطلقها باتجاه الكويت والسعودية المحاطة من الشمال والجنوب بأسوار هذا الخطر . (2) وجود حواضن فكرية وإيديولوجية لهذه الجماعات في بعض الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية والكويت وقطر . (3) تجدد عوامل عدم الاستقرار والأسباب الدافعة لها في بعض دول مجلس التعاون وخصوصا في البحرين والسعودية ، بالإضافة إلى توتر العلاقات ما بين المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة من جهة وقطر المدعومة من تركيا من جهة أخرى . (4) تراجع في مستوى الالتزام الأمريكي اتجاه امن الدول الخليجية في أطار تراجع على مستوى كوني في أفغانستان والمغرب العربي وتحول الاهتمام إلى فضاءات أخرى مثل الأزمة الأوكرانية . (5) مظاهر التوتر الطائفي الواضح في المنطقة وإرهاصات حرب طائفية راحت تتنامى في سوريا ولبنان، ودول الخليج ليست بمنأى عن هذه التوترات وخاصة في البحرين والسعودية وقطر . وما يزال القلق والخوف يسيطر على دول مجلس التعاون الخليجي من تفاقم وانتقال التهديد الإرهابي لما يعرف ب ( داعش ) إلى بلدانهم بعد أن دخل العراق وسيطر على اكبر ثاني مدينة فيه وعاث فيها فسادا بالإضافة إلى بعض المدن الأخرى ، بالرغم من تصنيف السعودية لداعش على أنها منظمة إرهابية وإقرارها بذلك ، ألا أن هناك عدد من القضايا الشائكة والعالقة ما بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي وتعتبر دول الخليج هذه القضايا مهددة لأمنها وبدرجات متفاوتة ومن أهم هذه القضايا ما يلي :- (أ) الاهتمام الخليجي بمستقبل السنة السياسي في العراق خصوصا بعد أن أصبحت السلطة تدار من قبل الشيعة وهذا يمثل توتر مستمر ما بين العراق وبعض الدول الخليجية وأبرزها السعودية وقطر بدرجة كبيرة والبحرين بدرجة قليلة ، وهذا كان واضحا عبر التصريحات التي تطلقها السعودية وقطر بين الحين والأخر . (ب) القلق الذي تعيشه هذه الدول بسبب العلاقة الرابطة ما بين العراق وإيران واعتقادها بان العراق متصل بإيران ومرتبط بها ارتباطا قويا ، وهذا يعد متغيرا مهما في العلاقات بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية التي تفضل ان يكون هناك سياسة مستقلة نسبيا للعراق عن إيران . (ج) في المقابل فان العراق ما يزال يتوجس خوفا من استمرار بعض الأطراف والقوى في دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية وقطر من خلال تمويل التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش في العراق والشام . أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي تتخوف كثيرا من خطر الجماعات الجهادية لكونها هي أول من قدم لها الدعم سواء كان بصورة مباشرة أم غير مباشرة ، وهي اليوم تسعى وبشتى الطرق إلى أبعاد تأثيرها وخطرها عنها بعد سعي تنظيم داعش الإرهابي للوصول إليها وكان هذا على لسان الناطق باسم الجماعة ( أبو محمد العدناني ) . وسعت المملكة العربية السعودية بشتى الوسائل إلى أبعاد نفسها عن الإرهاب وما تتعرض له البلدان التي طالتها مطرقة الجماعات الإرهابية ( داعش ) وذلك من خلال عقد سلسلة من الاتفاقيات والمعاهدات مع الولايات المتحدة من اجل تجاوز خطر هذه الجماعات ، كما قامت قطر بعقد اتفاقية تعاون مشترك مع المملكة المتحدة من خلال رصد جميع المحاولات التي تسعى الجماعات الجهادية الإرهابية إلى تنفيذها على أراضيها أو محاولتها الدخول إلى أراضيهـا . ولكن على الرغم من ذلك فان احتمالية امتداد تأثير ما يجري في العراق بات مصدر قلق كبير لأمن دول مجلس التعاون الخليجي من خلال المؤشرات التالية :- (1) الخطر الطائفي الذي تكرسه هذه الأزمة ليس فقط في العراق وإنما في منطقة الخليج ككل . (2) أن تنظيم داعش الإرهابي لا يستهدف دولة دون أخرى ولا يقتصر على الداخل العراقي فقط وإنما مخططه يشمل جميع دول المنطقة وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي وهذا وفقا لما تعكسه الخارطة الجديدة للعراق التي نشرت مؤخرا من قبل التنظيم والتي شملت حدودها دولة الكويت . (3) أن نجاح تنظيم داعش في إعلان الخلافة وقيامها على أراضي العراق سوريا فرض تهديدات عديدة ليس بسبب التداعيات السلبية على بنية الدولة الوطنية التي نشأت فيها ، وإنما بسبب اثر انتشارها الذي قد يحدث نتيجة نجاح تجربة تأسيس أمارة ما دون تمكن الدولة من مواجهتها ووضع حد لانتشارها . في ضوء ما تقدم يتضح لنا ، أن مواجهة خطر التطرف الجهادي يمثل مصلحة إقليمية ، لذلك على دول الخليج عدم الاكتفاء بالإجراءات الأمنية الاحترازية في التعامل مع انخراط مواطنيين خليجيين في أعمال قتالية في الخارج لان الاكتفاء بمثل هذه الإجراءات يبدوا أمرا غير كافي في التعامل مع هكذا أزمة تهدد امن دول المنطقة ككل ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي ، وان تجاهل ما يحدث في العراق سيترك تأثيراته السلبية على دول الخليج ، وعليه فان التعاون والتنسيق العراقي - الخليجي بات أمرا ضروريا من اجل الخروج من هذا الوضع الحرج بأقل خسائر ممكنة .
التعليقات