العراق في تقرير افاق الاقتصاد العالمي 2019: الاقتصاد ضحية السياسة

من ضمن العشرات من التقارير المتنوعة التخصص التي ينشرها البنك الدولي سنويا هو تقرير افاق الاقتصاد العالمي والذي يتناول القضايا الاقتصادية للبلدان حول العالم وفق تقسيم العالم الى مناطق عدة وهو تقسيم معتمد في اطار المؤسسات والمنظمات الدولية العالمية. صدر في حزيران الماضي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2019 بعنوان " توترات متصاعدة، استثمار مكبوح". وعادة ما يركز هذا النوع من التقارير على تناول الاثار السياسية على السياسات والمؤشرات الاقتصادية للبلدان التي تشهد عدم استقرار سياسي. واكثر المناطق التي تعاني من اشتداد التوترات السياسية هي منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وبلدنا العراق في طليعة الدول التي تعاني من انعدام – أو لنقل هشاشة – الاستقرار السياسي، او بعبارة اخرى يعاني من تصعيد وتوتر سياسي وامني – كما عبر عنها التقرير – الامر الذي ينعكس على كافة مجالات الحياة ويجعلها ضحية للوضع السياسي ومنها الاقتصاد.

من متابعة ما ذكره التقرير عن الاقتصاد العراقي ، نجد ان التقرير تعامل وناقش الاقتصاد العراقي كأقتصاد على الهامش في المنطقة، والعبارات التي ذكرها التقرير توحي للمتتبع ان السياسات الاقتصادية في العراق روتينية وتكاد تكون ثابتة، وبعيدة عن ان تجسد لرؤية اقتصادية طموحة تعالج بحزم وشجاعة معدلات الفقر والبطالة والتدني الكبير مشاركة القطاعات المختلفة – غير القطاع النفطي – في الناتج المحلي الاجمالي وبالتالي في الدخل القومي. هذا لا يعني ان المنجز منعدم، بل تمكنت الحكومة السابقة والمؤسسات المعنية بالجانب الاقتصادي بنجاح وبمساعدة دولية من تجاوز ازمة خطيرة جدا تمثلت بارتفاع النفقات الدفاعية بسبب الحرب ضد داعش الارهابي، وانخفاض اسعار النفط المصدر الاساس لإيرادات الموازنة الاتحادية.

ابرز ما ذكره التقرير عن الاقتصاد العراقي في اطار التفصيل الذي ورد حول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هو:

• ان الانتكاسات المتكررة ومخاطر تأخير الاصلاح لازالت موجودة بسبب المخاوف من عدم قدرة تغطية الموازنة المالية الاتحادية لاجراءات الاصلاح، وانعدام وجود توافق سياسي يستهدف بناء الدولة ومؤسساتها وتبني رؤية اقتصادية هادفة .

أ‌- ارتبطت المخاطر السياسية الكبيرة بتوليد حالة من عدم اليقين وتقليل ثقة المستثمرين، وبضعف مناخ الأعمال في العراق .

ب‌- وبخصوص إعادة الإعمار في العراق، يرى التقرير انها تمضي قدما بوتيرة معتدلة، ولكن لايزال التأكد من تحقيق فوائدها في عام 2020 غير مؤكد. 

ت‌- التصعيد الاضافي للتوتر بين ايران والولايات المتحدة سيشكل خطرا على اقتصاديات المنطقة ومنها العراق.

ث‌- من جانب آخر، فان ارتفاع الإنفاق على البنية التحتية في البلدان المتضررة من النزاع (على سبيل المثال ، العراق) قد يقود الى توليد آثار جانبية إيجابية على الاقتصاديات المجاورة. ويتضمن هذا الإنفاق على ما يطلق عليه البنك الدولي بـ(البنية التحتية المرنة soft infrastructure ) مثل خدمات الإنترنت ذات النطاق الواسع والهاتف المحمول ، والتي قد تسرع من الوصول الى الخدمة والتسليم في مجالات مثل التعليم والصحة، والخدمات المالية.

ج‌- يتوقع البنك الدولي ان يحقق العراق نمو في الناتج المحلي الاجمالي وفقا لأسعار السوق (2.8%) عام 2019، و (8.1%) عام 2020 ، و (2.3%) عام 2021. 

ح‌- الانتعاش الذي سيحصل عام 2020 سيكون مدفوعا بزيادة انتاج النفط.

وبهذا الصدد نود القول ان هذا النمو في الناتج لن ينعكس ايجابيا على الاقتصاد العراقي، بل هو زيادة في الايرادات النفطية اذا ما استمرت الاسعار على حالها او ارتفعت. وتبقى هذه النسب هي توقعات تفترض زيادة الانتاج وارتفاع الاسعار واستمرار الوضع في المنطقة على حاله.

حاليا تتوافر الحكومة العراقية على خطط استراتيجية مهمة وعملية قابلة للتطبيق على الصعيد الاقتصادي اذا ما توافرت ارادة سياسية وتوافق سياسي برلماني – حكومي، ومنها رؤية العراق 2030 وخطة التنمية الوطنية 2018 – 2022، واستراتيجية تطوير القطاع الخاص 2014-2030 ، واستراتيجية التخفيف من الفقر 2018-2022. وهذه الخطط تم اعدادها بخبرات عراقية ودولية وبأهداف مرحلية. 

لكن تبقى هذه الخطط والاهداف الاقتصادية ضحية انعدام التوافق السياسي على بناء الدولة. وبناء هذا التوافق هو مسؤولية الحكومة ومجلس النواب، ففي كلاهما تتشارك "الاحزاب السياسية" في ادارة السلطات. وبالرغم من ذلك، نجد ان الحكومة صاحبة الصلاحيات الاكبر في صنع وتنفيذ السياسات العامة تتخلى عن تلك الخطط ولا تعتمدها في برنامجها الحكومي الا بجزء يسير جدا تربطه بالتزامات ثانوية للوزارات القطاعية المعنية بالسياسة الاقتصادية. وهذه الالتزامات بعيدة عن اي رؤية استراتيجية لاصلاح الاقتصاد والتصدي للتحديات الكبيرة من قبيل معدلات الفقر والبطالة، وسيطرة الايرادات النفطية.. الخ.

التعليقات