الثقافات الفرعية وأثرها في السلوك الانتخابي العراقي؟

قبل الولوج في تفاصيل الموضوع لا بد من وضع تعاريف محددة للثقافة وفروعها لتكن مفاتيح لمعالجة المشكلة ، فالثقافة بصورة عامة تعني " مجموعةٌ من العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها أفرادُ المجتمع، وأيضاً تُعرفُ الثّقافةُ بأنّها المعارف والمعاني التي تفهمها جماعةٌ من النّاس، وتربطُ بينهم من خلال وجود نُظُمٍ مًشتركة، وتساهمُ في المُحافظةِ على الأُسسِ الصّحيحة للقواعد الثقافيّة، ومن التّعريفات الاصطلاحيّة الأُخرى للثّقافة هي وسيلةٌ تعملُ على الجمعِ بين الأفراد عن طريق مجموعةٍ من العوامل السياسيّة، والاجتماعيّة، والفكريّة، والمعرفيّة، وغيرها من العوامل الأخرى  ، ومن ضمن انواع الثقافات هي الثقافة السياسية والتي عرفها غابرييل الموند:" بانها مجموعة من الاتجاهات السياسية التي هي استعدادات ونزعات طبيعية خفية لدى الافراد للتحرك بطريقة معينة دون غيرها باتجاه مواقف سياسية معينة ، وتتكون الثقافة السياسية من عناصر ادراكية وعناصر عاطفية وعناصر تقييمية التي تؤلف الاتجاهات السياسيــــــــة الخاصة بكل مجــــموعة من الافراد ". 

وبطبيعة الحال توجد ثقافة سياسية شاملة واخرى فرعية والثقافة الشاملة يمكن ان نطلق عليها الوطنية كما هو حال الثقافة الانكليزية او الثقافة الامريكية بمعنى انها تستوعب الجميع في خانتها الى جانب ثقافات فرعية لطوائف او قبائل او اديان او قوميات، وهذا مما لا اشكال فيه اما المشكلة الحقيقية تبرز عندما تطغى الثقافة الفرعية على الثقافة الشاملة او الوطنية وهذا الامر يقودنا لتساؤل عن السبب الكامن وراء تنامي الثقافات الفرعية على حساب الوطنية في المجتمع العراقي؟ 

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921م ، والى الوقت الحاضر برزت ظاهرة تنامي الثقافات الفرعية لاسيما عندما تضعف رابطة المواطنة يقابلها قوة رابطة العشيرة او المذهب او القومية، لا سيما عندما تضعف السلطة وتترك فراغا تسارع الهويات الفرعية لإشغاله ، وخاصة العشائرية نتيجة لجوء الافراد اليها لسببين : الاول هو البحث عن الحماية، والامر الاخر للحصول على الحقوق ، والامر تتحمله السلطات المتعاقبة فكثيراً من الاحيان وعلى مر التأريخ تلجأ الدولة للعشيرة اما للحصول على دعمها لفرض سيادة الدولة وبالتالي هناك ثمن في مقابل دعم العشيرة للدولة يكمن في استقواء العشيرة حتى على سلطة الدولة ، واحياناً تلجأ الدولة للعشيرة لضرب خصومها لا سيما المنافسين للسلطة وهذا الامر ظهر جلياً وفي مناسبات عدة ، اما بعد 2003 فالأمر اصبح اخطر مما سبق نتيجة لتعدد الولاءات وهامش الحرية الموجود وكثرة المخاطر والانفلات الامني والافراط في التعددية السياسية وانتشار السلاح وظهور جماعات مرادفة للدولة ، وغياب القانون والغزو الثقافي والاجتماعي والفكري وغيرها من المتغيرات ، نجم عنها تنامي للثقافة الفرعية على حساب الوطنية والامر لم يقتصر على الطبقات الاجتماعية العامة او الفقيرة بل تعداه للكوادر المثقفة وكما موضح اعلاه فترى الطبيب او الاستاذ يلجأ للمذهب او العشيرة او القومية للحصول على حقوقه الضائعة او لأجل الاحتماء بهم مسايرةً للوضع العام ، والمشكلة الاكبر لا توجد علاجات انية بالرغم من وجود مشتركات بالإمكان اللجوء اليها للخروج من بوتقة الولاءات الفرعية الا انها دائماً ما تصطدم بمتغيرات المرحلة ، وخير مثال على ذلك يظهر في التنافس الانتخابي اذ تسعى الكتلة او القائمة او الحزب او المرشح الى رفع شعارات اقرب للفرعية من الوطنية وهو ليس بالشيء المعيب انما المعيب عندما تطغي الشعارات الضيقة على العمومية وغياب الروح الوطنية والاصعب صار لها تقبل مجتمعي وبنسب كبيرة لا سيما في المواسم الانتخابية يلجأ الناخب والمرشح الى حد سواء الى الميل نحو ابن المذهب والدين والطائفة والقومية بعيداً عن البرامج الوطنية ومصلحة البلد وقد وضحنا الاسباب من وراء ذلك في اعلاه.

هذه الاسباب وغيرها تضعف مبدأ المواطنة ودولة تطبيق القانون وتزيد من تغلغل المحاصصة على المستوى السياسي وبالإمكان وضع خطة شاملة تدرجية لإعادة بث روح الثقافة العامة والوطنية عبر عدة اساليب ومنها: -

1- العمل على الغاء المحاصصة السياسية والطائفية والعمل بمبدأ الشراكة الوطنية بشرط ان لا يكون العامل الطائفي او العنصري هو الاساس وانما الروح الوطنية والاستحقاق الانتخابي والتوزيع العادل للثروات.

2- اشاعة روح المواطنة لا سيما في توزيع الحقوق والواجبات وتثقيف افراد المجتمع على الولاء للوطن اولاً مع الاحتفاظ بالعقائد والشعائر والانتماءات الا انها تأتي بعد المصلحة الوطنية.

3- تحتاج المؤسسات الحكومية عامة والتربوية خاصة بالعمل على تنشئة سياسية ناجحة يتم التأسيس لها منذ سن مبكرة تستهدف زرع مبادئ المواطنة والوطن في نفوسهم.

4- تطبيق القانون بنبرة واحدة بعيدة عن المحسوبية والمنسوبية حتى يشعر الفرد بالمساواة.

5- محاسبة من يدين بالولاء للدول الخارجية او يعمل على الترويج للعشيرة او الطائفة او المذهب في المؤسسات الرسمية.

6- توجيه وسائل الاعلام لطرح برامج توعوية تثقيفية شاملة ذات ابعاد وطنية لا سيما الانتصارات العسكرية والامنية العراقية وكيف اجتمع الجميع في قتال التنظيم الارهابي.

7- منع الدعاية الانتخابية ذات الابعاد العنصرية او الطائفية والتي توحي الاساءة للآخرين او تغليب المصلحة الشخصية على الوطنية.

التعليقات