الأسهم: جهاز تنبؤ للنشاط الاقتصادي

تعد الأسهم إحدى الأدوات الرئيسة والمهمة في أداء الاقتصاد بشكل عام والأسواق المالية بشكل خاص، وأصبحت تحتل مكانة مهمة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بحكم الثورة المعلوماتية والعولمة التي تدعو إلى إزالة الحدود وتحرير التجارة بكل أصنافها السلعية والخدماتية ورأس المال والقوى العاملة.

الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي 

يتكون الاقتصاد بشكل عام من مجالين مهمين وهما الاقتصاد الحقيقي المتمثل إنتاج السلع والخدمات، والاقتصاد المالي المتمثل بالأسهم والسندات والمشتقات المالية وغيرها، ويعتبر الاقتصاد المالي بمثابة الزيت الذي يسرع من حركة العجلة، فكلما توفر بالكمية والنوعية ووفقا للظروف المكانية والزمانية المناسبة كلما أدى إلى تحسن أداء النشاط الاقتصادي بالشكل السليم والعكس صحيح، حيث لا يمكن للعجلة أن تسير بشكل سلسل بدون وضع الزيت عليها أي إنها ستسير ولكن بصعوبة كبيرة.

كما يعد الاقتصاد المالي واجهة الاقتصاد الحقيقي حيث إن إنتاج السلع والخدمات تتم بواسطة الشركات التي تتكون من أسهم أو التي تطرح السندات في الأسواق المالية للحصول على الأموال لتيسير عملية إنتاجها، فكلما كان الاقتصاد الحقيقي يتمتع بالمتانة كلما اتسمت الأسواق المالية بالمتانة أيضاً، لان الاقتصاد القوي يجعل إنشاء الشركات واستمرار إنتاج القائمة منها، تكون شركات مربحة وهذه الأرباح ستؤدي إلى زيادة مقسوم الأرباح للأسهم بعد خصم التكاليف او زيادة فوائد السندات، ولذا فكلما كان أداء الأسواق المالية جيداً لمدة زمنية طويلة يشير ذلك إلى سلامة أداء الاقتصاد.

الانفصال وعدم التناسب سبب الأزمات 

لكن بمجرد الخروج عن قاعدة التناسب وانفصال علاقة الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي بحيث يكون الاهتمام منصباً من قبل أصحاب السياسات والقرارات المالية والاقتصادية، على الاقتصاد المالي للحصول على أرباح الأسهم وفوائد السندات واستباق الزمن لتجنب المخاطر كالمشتقات المالية، مع عدم الاهتمام بالآثار المترتبة على هذا الاهتمام، وعدم إدراك أهمية الاهتمام بالاقتصاد الحقيقي الذي يمثل محتوى الاقتصاد المالي سيفضي ذلك إلى حصول الأزمات المالية والاقتصادية، والاقتصاد العالمي مليء بالأزمات المالية والاقتصادية وأشهرها في الماضي أزمة الكساد العظيم 1929 وأشهرها في الحاضر أزمة الرهن العقاري 2007/2008 .

كذلك أن غياب التناسب وانفصال علاقة الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي سيزيد عدم إمكانية التنبؤ بحالة النشاط الاقتصادي مستقبلاً وهذا ما يزيد من ضبابية اعتماد الأسهم كأداة إنذار للنشاط الاقتصادي وذلك لانفصال حركة الأسهم عن النشاط الاقتصادي فيصبح النشاط الاقتصادي معرض للازمات المالية والاقتصادية وذلك لغياب التنبؤ بحالة النشاط الاقتصادي بفعل عدم التناسب او انفصال العلاقة بين الأسهم والنشاط الاقتصادي، الناجم عن انخفاض كفاءة الأسواق المالية لان الأسواق المالية الكفوءة وكما أشار إليها الدكتور عامر عمران المعموري في أطروحته الموسومة بـ" فاعلية أداء الأسواق المالية في ظل الأزمات الاقتصادية في بلدان مختارة " تتسم بسمتين هما :

- سمة كفاءة التسعير 

والتي تعرف بالكفاءة الخارجية حيث يقصد بها ان المعلومات الجديدة تصل إلى المتعاملين في السوق بسرعة دون فاصل زمني كبير بما يجعل سوق الأسهم مرآة تعكس كافة المعلومات المتاحة، ليس هذا فحسب بل إن المعلومات تصل الى المتعاملين دون أن يتكبدوا في سبيلها تكاليف باهظة، بما يعني إن الفرصة متاحة للجميع للحصول على المعلومات.

- سمة كفاءة التشغيل 

والتي تعرف بالكفاءة الداخلية ويقصد بها قدرة السوق على خلق التوازن بين العرض والطلب دون أن يتكبد المتعاملون فيه تكلفة عالية للسمسرة ودون أن يتاح للتجار والمتخصصين فرصة لتحقيق هامش ربح مغالٍ فيه.

لا يمكن لأصحاب الأموال الفائضة أن يوظفوا أموالهم في الأسواق المالية من دون الحصول على عائدات ولذا فهم يتنافسون لتوظيفها بأفضل الأساليب للحصول على عائدات وأرباح وبنفس الوقت لا يستطيع المستثمرون الحصول على الأموال من دون مقابل، ومن بين أساليب توظيف الأموال واستثمارها من قبل المستثمرين هي الأسهم والسندات، فالعمل بإنشاء شركة تنتج سلع وخدمات لابد ان يسبقها تمويل وهذا التمويل يحصل من خلال الأسواق المالية عن طريق الأسهم حيث يتحدد سعرها في ضوء العرض والطلب بناءاً على توقعات المستثمرين، ولذا فحركة أسعار الأسهم تسبق حركة النشاط الاقتصادي.

فإذا توقع المستثمرون أن إنشاء الشركة الخاصة بإنتاج سلعة او خدمة معينة ستحقق أرباح كبيرة سيلجأون إلى طرح أسهم هذه الشركة في الأسواق المالية للحصول على الأموال عن طريق قيام أصحاب الأموال بشراء هذه الأسهم بناءاً على مواصفات الأسهم وتوقعات أصحاب الأموال ومدى ربحية وأهمية السلعة او الخدمة التي تنتجها الشركة في الأسواق، فكلما كانت توقعاتهم تصب في مصالحهم سيقدمون على الشراء والعكس صحيح.

ويذكر الدكتور عامر المعموري بشكل صريح إلى إنذارية وتنبؤيه الأسهم للنشاط الاقتصادي حيث ان أسعار الأسهم تتحرك في اتجاه معاكس لحركة أسعار السندات، إذ تصل أسعارها(الأسهم) إلى أقصى مستوى لها قبل وصول النشاط الاقتصادي إلى قمة الانتعاش وتصل إلى أدنى مستوى لها قبل وصول النشاط الاقتصادي إلى قاع الركود.

نقطتان يفسران أسبقية حركة الأسهم للنشاط الاقتصادي

وما يؤكد الكلام السابق هو تفسير أسباب حصول تغير أسعار الأسهم قبل التغير في النشاط الاقتصادي بنقطتين ذكرهما الدكتور فاخر عبد الستار حيدر، وهما كما يلي 

الاولى:

ان أسعار الأسهم تعكس التوقعات الخاصة بالعوائد ومقسوم الأرباح وتتفاعل مع تصورات المستثمرين حول العوائد ومقسوم الأرباح المستقبلية، فالمستثمرون يحاولون القيام بعملية تقدير للعوائد المستقبلية لذلك فإن أسعار الأسهم تعتمد على مستوى النشاط المستقبلي وليس الجاري. فإذا كان المستثمرون بارعين بالاتجاهات المستقبلية للاقتصاد فسيكون بمقدورهم التنبؤ بالعوائد المستقبلية وبالتالي بأسعار الأسهم، وفي ظل هذه الحالة ستتحرك أسعار الأسهم قبل التقلب في النشاط الاقتصادي، وهذا التفسير ينسجم مع السوق المالية الكفوءة التي تشدد على ضرورة التنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية المرتبطة بأسعار الأسهم، التي تمت الإشارة إليها سلفاً.

الثانية:

ان سوق الأسهم تستجيب(Reacts) للعديد من المتغيرات الاقتصادية والتي تعتبر ضمن المؤشرات الاقتصادية القائدة في الاقتصاد، ولعل أهم هذه العوامل هي عوائد الشركات، الهوامش الربحية، وأخيرا عرض النقد، ولان المحلل الاقتصادي ومدير الحافظة الاستثمارية يقومان بتحليل السلاسل الزمنية الخاصة بالمتغيرات الاقتصادية التي تقود النشاط الاقتصادي وتعديل أسعار الأسهم، وبسرعة، طبقاً للتغيرات الحاصلة في السلاسل الزمنية ذات العلاقة تصبح أسعار الأسهم من المؤشرات القائدة للنشاط الاقتصادي.

ونستنتج مما تقدم ان هناك علاقة وثيقة الصلة بين هذه العوامل، عوائد الشركات، هامش الربحية، عرض النقد، وثيقة الصلة بسوق الأسهم، حث تستجيب هذه الأخيرة للتغيرات الحاصلة في هذه العوامل بسرعة، ونتيجة لهذه السرعة في الاستجابة والتي تحصل قبل استجابة النشاط الاقتصادي كالناتج المحلي الإجمالي مثلاً فإن أسعار الأسهم تعتبر مؤشراً قائداً وبالتالي تكون التغيرات الحاصلة في أسعار الأسهم سابقة للتغيرات في مستوى النشاط الاقتصادي ولذا تصبح أداة للتنبؤ بحالة النشاط الاقتصادي.

المصادر:

1- عامر عمران المعموري، فاعلية أداء الأسواق المالية في ظل الأزمات الاقتصادية في بلدان محتارة، أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة بغداد، 2009، صفحات مختلفة.

2- فاخر عبد الستار حيدر، التحليل الاقتصادي لتغيرات أسعار الأسهم منهج الاقتصاد الكلي، دار المريخ للنشر، 2002، ص140-141.

التعليقات