فكرة الأقاليم الاقتصادية في العراق

يمر العراق اليوم بصعوبات متعددة ولعل أخطرها توجه بعض المحافظات للمطالبة بتشكيل أقاليم فيدرالية , ورغم ان هذه المطالبة تعتبر حقا دستوريا وقانونيا وفقا للدستور العراقي النافذ لعام 2005 وقانون الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم رقم (13)لسنة 2008 ,إلا ان طرحه في هذا الوقت بالذات تعتريه مؤاخذات كثيرة إذ إن المتتبع لواقع الكثير من المحافظات يجدها تعاني من صعود وتيرة التحزبات المحلية الضيقة ونمو النزاعات السياسية بين الكتل المختلفة التي تشكل المجالس المحلية فيها فضلا عن افتقارها الى الكوادر الفنية والتخصصية التي من شأنها وضع الخطط والدراسات للتنمية في تلك المحافظات التي تشهد اليوم واقعا مترديا في كل الخدمات المقدمة لمواطنين تلك المحافظات ,ولذلك فان التحول المباشر والمتسرع من نظام اللامركزية الإدارية للمحافظات الى النظام الفيدرالي ,سوف ينقل كل الإمراض والسلبيات التي تعاني منها هذه المحافظات الى الأقاليم المنشودة. ولكي نكون منصفين في هذا المقام نقول أيضا ان الأخطاء القانونية التي احتواها الدستور الحالي وقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21 )لسنة 2008 في تنظيم اللامركزية الإدارية قد ساهم في تخبط هذه المحافظات في تأدية مهامها ,كما ان تدخل الحكومة المركزية في الكثير من شؤؤن المحافظات قد أسهم في زيادة التوتر مع تلك المحافظات,وكل ذلك في ظل عدم فاعلية ما سمي ب(الهيئة العليا للتنسيق)الذي أنشأها قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم في المادة (45 )منه والتي لم يعطها اي صلاحية تذكر من اجل متابعة شؤؤن المحافظات والعمل على ازالة العقبات ان المجالس المحلية في المحافظات بحجمها وإمكاناتها المالية والإدارية والفنية غير قادرة على مواكبة متطلبات الحياة العصرية اقتصاديا واجتماعيا ولذلك فهي لاتستطيع وضع خطط تنمية شاملة للنهوض بواقع الخدمات في ظل افتقارها للإمكانات المالية والبشرية. ولكل ماتقدم فإننا نقترح ولكي نتدرج بالتحول من اللامركزية الإدارية الى مرحلة تشكيل الأقاليم الفيدرالية الكاملة ,ان يصار الى إنشاء (أقاليم اقتصادية) أولا بين عدد من المحافظات المتجاورة وتشكل هذه الأقاليم برئاسة محافظ او رئيس الإقليم ويكون بالتناوب شهريا او سنويا بين المحافظات المكونة للإقليم كما يمكن تشكيل مجلس للإقليم من أبناء تلك المحافظات ويفضل ان يكون من المتخصصين في الشؤؤن الاقتصادية والقانونية والفنية وتعمل هذه الأقاليم الاقتصادية من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك المحافظات بشكل مدروس وبخطوات أسرع وعلى نحو تستطيع معه إقامة المشاريع الاقتصادية الكبيرة من قبيل إنشاء مشاريع السكك الحديد او المطارات او المصانع الكبيرة والتي من خلالها يمكن تحقيق طفرات اقتصادية كبيرة وخاصة عند التعاون مع القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات الأجنبية الراغبة في العمل في مثل هذه المشاريع الكبيرة والتي سوف تحقق لها الفائدة المادية,فضلا عن تحقيقها الدعم للاقتصاد العراقي ومن اجل استيعاب البطالة الكبيرة والتقليل من الاعتماد على الحكومة في زيادة عدد الوظائف وإرهاق ميزانية الدولة. ان النجاح الاقتصادي الذي يمكن إن يتحقق في ظل الأقاليم الاقتصادية سوف يساعد هذه المحافظات التي تشكل تلك الأقاليم على الانسجام ويدفعها إلى التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والذي قد يتبلور الى الدعوة الى إنشاء أقاليم فيدرالية كاملة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب وإنما تشمل الجانب السياسي وبالتالي تشكيل حكومات موحدة لتلك الأقاليم. ان فكرة تشكيل الأقاليم الاقتصادية بين عدد من المحافظات يحقق عدة أهداف ومنها: 1-القضاء او التخفيف من حدة الطائفية والحزبية الضيقة 2-استيعاب مشكلة المناطق المتنازع عليها وخاصة للأقاليم التي تضم تلك المناطق 3-تحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين المحافظات التي تشكل إقليما اقتصاديا 4-تجميع الكفاءات والطاقات العلمية التي تحتويها تلك المحافظات 5-يمكن ان يكون للحكومة دور محوري في إنجاح هذه الأقاليم من خلال إشراك وزاراتها وخاصة وزارة التخطيط ووزارة شؤؤن المحافظات من اجل التنسيق ووضع الخطط والدراسات للمشاريع اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم. ان الفكرة التي نطرحها اليوم قد تكون حلا وسطا بين المطالبين بالفيدرالية والرافضين لها ,اذ كما يعلم الجميع ان المواطن العراقي اليوم في اشد الحاجة للخدمات وتوفير فرص العمل ولا شك ان تجميع إمكانات أكثر من محافظة وتوجيهها في مشاريع اقتصادية وخدمية عملاقة سوف يضمن انفاق ميزانية هذه المحافظات والتي غالبا ما تعاد الى وزارة المالية ا وان تدور الى السنة المقبلة,واخيرا فانه لا داعي للتخوف من إمكانية حدوث النزاع بين تلك المحافظات التي سوف تشكل إقليما اقتصاديا ,اذ ان وضع الآليات القانونية لهذه الأقاليم وإيجاد جهة قضائية مختصة لحسم النزاع سوف يكفل نجاح هذه التجربة ,فضلا عن ان تلك المحافظات التي سوف تشكل اقليما اقتصاديا سوف يكون قادتها حريصون على انجاح هذه التجربة من اجل إرضاء ناخبيهم.
التعليقات