مشكلة الكهرباء في العراق... اقتصادية أم فنية؟

يتطلب علاج أي مشكلة تظهر في أي مجال للتشخيص الدقيق لانه سيسهم في اختيار الحلول المناسبة لها، وفي ظل غياب التشخيص الدقيق ستتفاقم المشكلة.

ولأجل الاسهام في علاج مشكلة الكهرباء في العراق لابُد من تشخيص الاسباب بشكل دقيق ليتم تحديد المعالجات المناسبة.

حيث يعاني العراق من نقص مزمن في تلبية الطلب على الكهرباء وذلك لأسباب قد تكون اقتصادية أو فنية ستتضح في هذا المقال. 

بدايةً منظومة الكهرباء تتكون من ثلاثة مراحل وهي مرحلة انتاج الكهرباء(توليد) ومرحلة نقلها من مصادر الانتاج إلى مصادر التوزيع ومرحلة التوزيع التي تأخذ على عاتقها توزيع الكهرباء إلى المستهلك النهائي.

وعند الموازنة بين المراحل أعلاه يُمكن الحصول على التشخيص الدقيق وراء نقص الكهرباء في العراق.

المرحلة الاولى: الانتاج

حيث تبلغ الطاقة المنتجة في العراق 87899993 ميكا واط في الساعة لتمثل 100%، وعند خصم الاستهلاك الداخلي (داخل محطات الانتاج) والضائعات البالغ 5488828 ميكا واط في الساعة والتي تشكل 6% من طاقة هذه المرحلة، ستكون الطاقة المُتبقية والمُصدرة من محطات الانتاج 82411165 ميكا واط.

وعند إضافة الطاقة المستوردة من دول الجوار زائداً الطاقة المضافة من الاستثمار والبالغة 35305311 ميكا واط في الساعة، وكذلك الطاقة المُصدرة إلى شبكات التوزيع بشكل مباشر البالغة 1534453 ميكا واط في الساعة دون المرور بمرحلة النقل، سيبلغ إجمالي الطاقة المُصدرة إلى شبكات النقل 119250929 ميكا واط في الساعة عام 2019.

المرحلة الثانية: النقل

وهي المرحلة التي يتم من خلالها استلام خلاصة المرحلة الاولى (119250929 ميكا واط في الساعة) وتشكل هذه الخلاصة في هذه المرحلة نسبة 100% وعند طرح الضائعات والاستهلاك الداخلي في محطات وشبكات النقل والبالغة 10386392 ميكا واط والتي تشكل ما نسبته 8.7% من هذه المرحلة، ستكون الطاقة المُتبقية والمُصدَرة إلى المرحلة اللاحقة 108864537 ميكا واط في الساعة وتُشكل ما نسبته 91.3% من الطاقة المُستلمة من مرحلة الانتاج عام 2019.

المرحلة الثالثة: التوزيع

حيث استلمت هذه المرحلة(التوزيع) من مرحلة النقل 108864537 ميكا واط في الساعة وتمثل هذه الطاقة ما نسبته 100 لهذه المرحلة، وعند خصم الضائعات في شبكات توزيع بغداد والضائعات والاستهلاك الداخلي في شبكات توزيع المحافظات والتي تبلغ 66831525 ميكا واط في الساعة والتي تشكل ما نسبته 61.40 من الطاقة المُستلمة من مرحلة النقل، سنحصل على صافي الطاقة المباعة إلى المستهلكين في العراق والتي تبلغ 42086621 ميكا واط في الساعة والتي تشكل ما نسبته 38.60% من الطاقة المُستلمة من مرحلة النقل!

المٌختصر

يُمكن إعادة كتابة ما تقدم بشكل آخر وفي الاتي:

اجمالي الطاقة المنتجة= 124739757(انتاج محلي+ استيراد+ تحويل مباشر من الانتاج إلى التوزيع دون المرور بمرحلة الانتاج).

الاستهلاك الداخلي والضائعات في مرحلة الانتاج= 5488828 ميكا واط في الساعة ونسبتها 4% من إجمالي الطاقة المنتجة.

الاستهلاك الداخلي والضائعات في مرحلة النقل= 10386392 ميكا واط في الساعة ونسبتها 8% من اجمالي الطاقة المنتجة.

الاستهلاك الداخلي والضائعات في مرحلة التوزيع= 66831525 ميكا واط في الساعة ونسبتها 54% من اجمالي الطاقة المنتجة.

صافي الطاقة المباعة من قبل مرحلة التوزيع=42086621 ميكا واط في الساعة ونسبتها 34% من اجمالي الطاقة المنتجة.

وعند ملاحظة خارطة توزيع اجمالي الطاقة المنتجة يُمكن القول، ان مشكلة الكهرباء في العراق فنية أكثر مما هي اقتصادية وذلك بحكم الملاحظتين أدناه: 

1- ارتفاع اجمالي الطاقة المنتجة (124739757 ميكا واط في الساعة) في حين لم تتجاوز نسبة صافي الطاقة المباعة إلى المستهلكين ما نسبته 34% من اجمالي الطاقة المنتجة.

2- ارتفاع نسب الضائعات والاستهلاك الداخلي في مراحل منظومة الكهرباء ليكون مجموعها 66% من اجمالي الطاقة المنتجة، وبالخصوص مرحلتي النقل والتوزيع اللتين شكّلتا لوحدها 62 % من اجمالي الطاقة المنتجة.

بمعنى أن اجمالي الطاقة المنتجة يُمكن أن يسد حجم الطلب على الطاقة الكهربائية وهذا ما يعني تحقيق التوازن الاقتصادي في مسألة انتاج الكهرباء والطلب عليها، أي لا توجد مشكلة في الانتاج بقدر ما هي المشكلة في حلقات الوصل بين الانتاج والاستهلاك، والتي تستهلك الطاقة، وهذه مسألة فنية أكثر مما هي اقتصادية.

بمعنى ان نسبة عاليةً جداً من اجمالي الطاقة المنتجة تذهب للاستهلاك الداخلي داخل كل مرحلة من مراحل منظومة الكهرباء وكذلك الضائعات، وبالخصوص مرحلتي النقل والتوزيع والأخيرة بشكل أخص.

وهذا ما يعني هناك تقادم في محطات وشبكات نقل الطاقة الكهربائية في العراق مما يجعلها تفقد كمية من الطاقة الكهربائية المنقولة إلى مرحلة التوزيع، كما ان الاخيرة تعاني من ارتفاع الفاقد من الطاقة الكهربائية عند توزيعها على المستهلكين فضلاً عن السرقات التي تحصل لأجل تقليل الجباية أو بسبب عدم تغطية المناطق الجديدة بالكهرباء وشمولها بالجباية الكهربائية فضلاً عن ضعف الجباية الكهربائية بالأساس.

وبهذا الصدد، تشير بيانات البنك الدولي إلى ان فاقد الطاقة الكهربائية في عملية النقل بين مصادر التغذية(الانتاج) ونقاط التوزيع، وفي عملية التوزيع إلى المستهلكين، بما في ذلك السرقات، ارتفعت لتُشكل 51% في حين يشكل المتوسط العالمي لذلك الفاقد ما نسبته 8% عام 2014، وبهذه النسبة يحتل العراق المرتبة الخامسة عالمياً بعد كل من توغو وليبيا وبنن وهايتي.

جدير بالذكر، ان نسبة الفاقد قبل عام 2003 تختلف عما بعده، حيث كانت تتراوح بين 5 و 6 % وهي أقل من متوسط الفاقد العالمي الذي تتراوح نسبته بين 7% و 9% من 1971 وحتى 2004، لكنها من 2004 وحتى 2014 ارتفعت بشكل كبير لتتجاوز المتوسط العالمي بأضعاف حتى بلغت أعلى نسبة لها عام 51% عام 2014، وهذا ينسجم بشكل طبيعي مع الفوضى التي حصلت بعد 2003، حيث لم تستطع المؤسسات على تنفيذ خططها بشكل انسيابي بسبب الضغوط وشيوع الفساد في أغلب مفاصل الدولة بما فيها وزارة الكهرباء.

عموماً ولأجل تلافي مشاكل نقص الطاقة الكهربائية التي يعانيها المستهلك العراق يتطلب الأمر العمل على عدّة أمور من بينها 

1- وضع خطة للطاقة الكهربائية من قبل الوزارات المختصة كوزارة التخطيط ووزارة الكهرباء ووزارة النفط تهدف لزيادة الطاقة الانتاجية تهدف لزيادة انتاج الطاقة الكهربائية انسجاماً مع الزيادة السكانية المتزايدة في العراق.

2- العمل على تحديث مراحل منظومة الطاقة الكهربائية وبالخصوص مرحلة النقل والتوزيع وذلك لأجل تقليل الفاقد المرتفع فيها واستثماره في رفد المنظومة الكهربائية.

3- توسيع شبكات النقل والتوزيع لأجل شمول المناطق الجديدة التي استحدثت بعد 2003 والتحضير للمناطق التي ستستحدث مستقبلاً.

4- إعادة النظر بالجباية الكهربائية وذلك لأجل سد متطلبات منظومة الطاقة الكهربائية من ناحية وترشيد استخدام الطاقة الكهربائية من ناحية أخرى.

5- إشراك القطاع الخاص في منظومة الطاقة الكهربائية على أن يكون منافساً ومُراقباً خصوصاً في المراحل الاولى لضمان عدم انفراده في السوق الكهربائية.

---------------------------------------------------

مصادر تم الاعتماد عليها

1- وزارة الكهرباء، التقرير الاحصائي السنوي، 2019، صفحات مختلفة.

2- موقع بيانات البنك الدولي.

التعليقات