أزمة ثلاثية الأبعاد في العراق - تاريخ وأزمات

لم يعرف العراق استقراراً واضحاً لمدة زمنية طويلة كونه يعاني من مشاكل كثيرة وكبيرة، باستمرار على كل المجالات ولمختلف المستويات.

وإذا ما استبعدنا التدخل الخارجي وآثاره السلبية التي امتدت حتى ما بعد تأسيس الدولة عام 1921، سنجد إن العراق لم ينفك من الأزمات المتوالية منُذُ التأسيس ولحد هذه اللحظة التي شهدت تحالفاً بين ثلاثة أزمات، سياسية ومالية وصحية، في آن واحد.

الملكية والانقلاب العسكري

فعلى إثر ثورة العشرين التي أقامها العراقيون ضد الاحتلال البريطاني، تم قيام نظام الملكية في العراق عام 1921، مع استمرار الرعاية البريطانية حتى نال استقلاله عام 1932، وحصل انقلاب عسكري عام 1936 برئاسة بكر صدقي الذي أزاح حكومة ياسين الهاشمي وقتل جعفر العسكري، وتولى على إثر هذا الانقلاب منصب رئيس أركان الجيش العراقي وتم اغتياله عام 1937، وسرعان ما انتهى نظام الملكية في أعقاب ثورة 1958 وإحلال محله النظام الجمهوري.

الجهورية والانقلابات

شهد العراق في ظل النظام الجمهوري انقلابات مستمرة أيضاً للاستحواذ على السلطة، حيث ابتدأ النظام الجمهوري بتصفية العائلة المالكة، بقيادة عبد الكريم قاسم الذي استمر بالحكم حتى عام 1963، وما إن نجحت الثورة سرعان ما دبَّ الصراع بين الزعيم الشيوعي عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف الرجل الثاني في الدولة، حتى تمت محاكمة الثاني بتهمة الشروع بقلب نظام الحكم، فحكم عليه بالإعدام ثم خفف إلى السجن المؤبد ثم بالإقامة الجبرية لعدم كفاية الأدلة. 

ونتيجة لتفرد عبد الكريم بالدولة وإقصاء الأعداء وتهمش الأصدقاء، أصبحت التحالفات كالضباط الأحرار وحزب البعث، تتشكل وأودت إلى الانقلاب بعبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963، وأصبح عبد السلام عارف رئيس للبلاد حتى عام 1966، واختلف مع حزب البعث بشأن إعدام عبد الكريم قاسم وأعمال العنف التي قام بهذا الحزب، مما دفع بالرئيس إلى إقصاء حزب البعث من الحكومة، وهذا الإقصاء دفع الحزب للانقلاب عليه عام 1964 إلا إنه باء بالفشل، كما وفشل في الانقلاب عليه ايضاً رئيس الوزراء ووزير الدفاع عارف عبد الرزاق عام 1965، ثم توفيَّ عام 1966 اثناء سقوط طائرة الهليكوبتر التي كان يقلها في البصرة، وتولى الرئاسة بعده شقيقه عبد الرحمن عارف.

انتهى حكم الأخير على اثر حركة تموز 1968 بقيادة احمد حسن البكر والتي اشترك فيها عدد من الضباط والسياسيين بقيادة حزب البعث حيث داهموا الرئيس في القصر الجمهوري وأجبروه على التنحي مقابل ضمان سلامته فوافق، ليصبح احمد حسن البكر رئيساً للبلاد حتى عام 1979 حينما أعلن استقالته وحله محله صدام حسين الذي ادخل العراق في نفق الحروب والحصار حتى عام 2003.

عام 2003

عام 2003 انتهى حكم صدام حسين بفعل التدخل الأمريكي الذي سرعان ما تحول إلى احتلال على ارض الواقع، ثم قيام الحرب الطائفية عام 2006/2007، ثم إصابته بالأزمة المالية العالمية عبر قناة أسعار النفط عام 2008، ثم الصدمة المزدوجة عام 2014 المتمثلة بالصدمة الأمنية(داعش) والمالية (انخفاض أسعار النفط).

أزمة ثلاثية الأبعاد

وفي الوقت الحاضر يعاني العراق من أزمة ثلاثية الأبعاد، سياسياً ومالياً وصحياً، وكل واحدة من هذه الأزمات أزمة معقدة لا يمكن حلها بليلة وضحاها كونها ناجمة عن مجموعة أسباب اجتمعت في نقطة من الزمن.

سياسياً

حيث لا تزال سفينة الحكومة العراقية تخلو من القبطان الذي يأخذ على عاتقه الإبحار بالعراق نحو بر الأمان وسط أمواج الأزمات المتلاطمة دولياً وإقليميا ومحلياً. إن فشل الحكومات المتعاقبة في محاربة الفساد وتقديم الخدمات وإشراك المجتمع بالاقتصاد، دفع لاندلاع ثورة 1 أكتوبر التي أدت لاستقالة عادل عبد المهدي واعتذار محمد توفيق علاوي ثم تكليف الزرفي والآن الحديث عن تكليف الكاظمي، فعدم الاتفاق على رئيس وزراء يقود العراق نحو بر الأمان، كشفت عن مدى غياب الإرادة الوطنية في صفوف القوى السياسية. 

مالياً

وعلى مستوى الأزمة المالية، فمعروف إن العراق يعتمد بشكل كبير على النفط في الموازنة العامة، يتجاوز هذا الاعتماد 90% من حجم الإيرادات العامة وكذلك النفقات العامة، وبما إن النفط خاضع لأسواق النفط الدولية مما يعني عدم وجود قدرة للحكومة العراقية على التحكم بأسعاره وفقاً لمتطلباتها المالية، مما يجعلها في موقف لا تُحسد عليه، في ظل تذبذب أسعاره وبالخصوص في حال انخفاضها لأسباب قد تكون مناخية أو سياسية كما هو الحال في الوقت الحاضر الذي انخفضت فيه أسعار النفط على خلفية الصراع الروسي السعودي بشأن الحصة السوقية في الأسواق الدولية للنفط.

صحياً

إن ظهور فيروس كورونا في الصين وانتقاله لدول العالم، قد كشف عن مدى كفاءة الأنظمة الصحية لهذه الدول، علماً إن هناك دول متقدمة لن تستطيع مجابهة هذا الفيروس ونسمع يومياً من خلال الإعلام عن إصابة الآلاف، خصوصاً وإن هذا الفيروس سريع الانتقال ولا يزال النظام الصحي عاجز عن اكتشاف العلاج المناسب، فاقتصر العلاج على الإجراءات الوقائية المتمثلة بحظر التجوال في العالم.

قبل ظهور فيروس كورنا في العالم وانتقاله للعراق كان النظام الصحي يشكو الضعف مما تسبب بهروب المزيد من العملة الصعبة لأغراض السياحة العلاجية في الدول المجاورة وبالخصوص إيران وتركيا. فكيف سيكون الحال في ظل انتقال فيروس كورونا للعراق بالإضافة لمعاناته من أزمة سياسية ومالية؟!

بالتأكيد، سيكون الوضع مأساوياً في ظل هذه الأزمة الثلاثية الأبعاد، إذ يتطلب فيروس كورونا الالتزام بحظر التجوال لسرعة انتقاله وعدم وجود العلاج المناسب، في ظل وضع اقتصادي هش لم يستطيع تأمين احتياجات الناس في أوقات الأزمات التي لم تتطلب حظر التجوال والأمر أسوء في الأزمات التي تمنع الحركة كالأزمة الحالية، بالتزامن مع غياب الإرادة الوطنية لدى القوى السياسية.

وعلى الرغم من قيام خلية الأزمة في العراق باتخاذ الإجراءات الوقائية والحث على تطبيقها من قبل الجهات المعنية، إلا إن الملاحظ إن الاتجاه العام لعدد المصابين في العراق باتجاه الارتفاع، إذ بلغ 1031 حالة إصابة في 6 نيسان2020 بعد إن كان 728 في 1 نيسان 2020، مما يعني ضعف تطبيق الإجراءات الوقائية إضافة للأزمات المذكورة آنفاً.

استنتاج

وبناءاً على ما سبق، منُذُ تأسيس الدولة ولحد الوقت الحاضر، إن العراق يفتقد للإدارة الناجحة التي تستطيع إن تدير الملفات بشكل سليم، هذا الافتقاد تسبب بوقوع الأزمات التي تتطلب ما يُعرف بـ “إدارة الأزمة"، والدليل إن آثار الأزمات كانت ولا تزال كبيرة.

وعليه، فالعراق بأمس الحاجة لإدارة ناجحة تتسم بالمرونة والوسطية، تستطيع إن تضع الأمور في نصابها وتتعامل مع الأزمات بشكل احترافي، لضمان تسيير جميع الملفات بكفاءة عالية ومعالجة الأزمات وتلافي آثارها. 

مصادر تم الاعتماد عليها

-------------------------

- موسوعة ويكيبيديا.

- شبكة رووداو الاعلامية.

- مقال بعنوان "إدارة الاقتصاد العراقي بين المركزية واللامركزية" متاح على موقع مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية

التعليقات