الحل الاقتصادي للاحتجاجات في العراق

شارك الموضوع :

لابُد أن تضع الحكومة القادمة والطبقة السياسية برمتها الحل الاقتصادي في أولويات برنامجها وبالخصوص مسألة التحول الاقتصادي والتنويع الاقتصادي

يُعد هذا المقال مقال وثيق الصلة بالمقال السابق "الجذور الاقتصادية للاحتجاجات الحالية في العراق" الذي تناول أبرز الجذور الاقتصادية التي كانت وراء الاحتجاجات في العراق، بمعنى إن المقال السابق أسهم في تشخيص الأسباب وجاء هذا المقال ليسهم في إيجاد الحلول الاقتصادية التي تمت الإشارة إليها سابقاً بشكل موجز. 

بالتأكيد لا يمكن الاقتصار على الحل الاقتصادي لانفراج الأزمة الحالية، إذ إن الاحتجاجات الحالية كانت نتيجة لإهمال الحلول الاقتصادية باستمرار فتسببت في تصعيد المطالب من اقتصادية إلى سياسية فلا يمكن الاقتصار على الحلول الاقتصادية بل يجب أن يسبقه وفي الأمد القصير الحلول السياسية-وهذه متروكة لأصحاب الاختصاص-ثم تأتي بعدها الحلول الاقتصادية والتي تتطلب بطبيعتها لمدة غير قصيرة، لا بُد من التجهيز لها من الآن.

أبرز الجذور الاقتصادية للاحتجاجات في العراق

إن أبرز الجذور الاقتصادية للاحتجاجات في العراق هي شكلانية التحول الاقتصادي وترسيخ الاختلال الاقتصادي، إذ إن أحدهما يغذي الآخر، وانعكست آثارهما معاً على المجتمع فرفضهما الأخير عبر الاحتجاجات المتناوبة لكن دون جدوى مما دفع به للاحتجاجات المستمرة الحالية التي ارتفع سقف مطالبها من اقتصادية تتمثل بفرص العمل، الخدمات، الكهرباء وغيرها، إلى مطالب سياسية تهدف لإسقاط الحكومة وتغيير النظام السياسي كونه لم يلبي مطالب الشعب وطموحه وتطلعاته.

وعلى هذا الأساس لابُد أن تضع الحكومة القادمة والطبقة السياسية برمتها الحل الاقتصادي في أولويات برنامجها وبالخصوص مسألة التحول الاقتصادي والتنويع الاقتصادي، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في ظل استمرار شكلانية التحول والاختلال الاقتصاديين.

إن مسألة تحقيق التحول الاقتصادي، من الخطة إلى السوق، والتنويع الاقتصادي، عدم الاقتصار على القطاع النفطي، لا يُمكن أن تتحقق في ظل غياب البيئة المناسبة وحتى وإن تحققت ستحتاج لمزيد من الجهود والإمكانات والوقت، ولتجنب هذه الجهود والإمكانات واكتساب الوقت لابُد من العمل على تهيئة البيئة المناسبة لتحقيق التحول والتنويع الاقتصاديين، والتي تتمثل بكل ما يؤدي لجذب الاستثمار ومنع طرده سواء أكان سياسي أم أمني أم اقتصادي أم اجتماعي...إلخ.

دلائل شكلية التحول الاقتصادي

وبما إن العراق تبنى اقتصاد السوق بعد عام 2003 وذلك في إطار التحول الاقتصادي، إذن ينبغي العمل الآن على تجذير هذا التبني بشكل حقيقي لا شكلي، حتى نستطيع تلافي الإفرازات السلبية التي حصلت منذ عام 2003 ولحد الآن نتيجة للتحول الشكلي لا الحقيقي.

إذ إن ابرز ما يدلل على شكلية التحول الاقتصادي، مسألة ملكية وسائل الإنتاج وأهما الأرض حيت لاتزال الدولة تملك أكثر من 80% من الأراضي، وتفرض سيطرتها على القطاع النفطي بشكل كامل، وتهيمن على الجزء الأعظم من القطاع المصرفي، كذلك تملك الكثير من الشركات العاملة والمتوقفة، كما ولاتزال تمارس التوظيف الحكومي على حساب الإنتاجية وغيرها بكثير.

دلائل أحادية الاقتصاد العراقي

وفي هذا السياق، تجذير التحول الاقتصادي، ينبغي العمل بشكل متكامل على مسألة التنويع الاقتصادي، لان الافرازات التي حصلت بعد عام 2003 لا تقتصر على تعثر التحول الاقتصادي فحسب بل ما رافق هذا التعثر هو غياب التنويع الاقتصادي والتركيز على القطاع النفطي بشكل كبير في تمشية الاقتصاد العراقي، مما أسهم في تفاقم الإفرازات وتعقدها.

وأبرز ما يدلل على غياب التنويع الاقتصادي والاعتماد على القطاع النفطي بشكل كبير، هو مساهمة القطاع النفطي في مؤشرات عديدة، أهمها، الناتج المحلي الإجمالي، حيث لم تنخفض مساهمة النفط عن 40% فيه، كما لم تنخفض مساهمة النفط عن 95% من الإيرادات المالية والصادرات السلعية، وغيرها من المؤشرات التي تكشف مدى أحادية الاقتصاد العراقي.

إن شكلية التحول الاقتصادي والاقتصاد الأحادي، أفرزا الكثير من الآثار السلبية التي امتدت لتشمل الكثير من المجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية وتعليمية وأخلاقية وغيرها، مما يُحتم التفكير من قبل الجميع لمعالجتها من خلال وضع الخطط ذات المديات المختلفة، والكفيلة بالتخفيف من حدتها على أقل تقدير في الأمد القصير وصولاً للعلاج النهائي في الأمد البعيد.  

بعد العمل على تهيئة البيئة المناسبة لتحقيق التحول الاقتصادي والتنويع الاقتصادي، كما أسلفنا سابقاً، يمكن تحديد أهم النقاط التي تسهم في معالجة شكلية التحول الاقتصادي والتنويع الاقتصادي لكي تسهم في معالجة الآثار السلبية التي تراكمت حتى ولّدت الاحتجاجات الحالية الصفرية، في الآتي:

أولا: انسحاب الدولة من الاقتصاد وإحلال القطاع الخاص

1- تخلي الدولة عن ملكية الأراضي للقطاع الخاص، من أفراد وشركات، وذلك بما يضمن الحاجة والكفاءة والعدالة.

2- إشراك القطاع الخاص، وبالخصوص الوطني، في القطاع النفطي بعيداً عن الاحتكار، ولو على مستوى عمليات الصناعة النفطية من حفر واستكشاف وإنتاج ونقل وتوزيع وتسويق.

3- كسر هيمنة الدولة على القطاع المصرفي وإتاحة الحرية للقطاع الخاص على ممارسة دوره بشكل حقيقي وفق مبدأ المنافسة بعيداً عن الهيمنة.

4- إشراك القطاع الخاص في الشركات المملوكة للدولة والتي لاتزال تعمل وبيعه الشركات المتوقفة عن العمل، وبأسعار عادلة حتى لا يظلم الشعب العراقي لان هذه الشركات هي أموال الشعب.

ثانياً: الابتعاد عن أحادية الاقتصاد باتجاه تنويعه

1- الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والصناعة والسياحة وغيرها، وعدم الاقتصار على القطاع النفطي والاهتمام بالطاقة المتجددة.

2- العمل تنويع إيرادات المالية العامة وعدم الاقتصار على الإيرادات النفطية، كالعمل على بيع الخدمات الحكومية، وإنشاء صندوق سيادي توضع فيه الأموال النفطية ليعود بالأرباح على الموازنة العامة.

3- الاهتمام بالصناعات التصديرية سواء كانت زراعية أم صناعية أم سياحية أم غيرها، لتلافي مسألة تركز الصادرات وتحقيق تنويعها.

4- العمل على إنشاء المناطق الحرة كونها تعتبر بمثابة إشعاع تنموي يسهم في تحقيق التنويع الاقتصادي وذلك من خلال الترابطات التي يخلقها بين مختلف المنتجين من الداخل والخارج.

خلاصة القول، إن العمل على ترسيخ التحول الاقتصادي والتنويع الاقتصادي بشكل حقيقي بعيداً عن السطحية والشكلية سيسهم في معالجة الافرازات السلبية المتراكمة وغلق بوابة هذه الإفرازات، لأنهما سيؤديان لتحقيق الرفاهية الاقتصادية ولاجتماعية التي يبحث عنها العالم برمته.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية