حقيقة ترمي بثقلها في الواقع العربي- الإسلامي ألا وهي أن ذلك الواقع يمر بظروف هي الأكثر تعقيداً عبر الزمان، وإن مرت الأمة الإسلامية بظروف سابقة أعقد منها، إلا أن الوسائل والآليات المتبعة في عصرنا الراهن تجعل من تلك الظروف هي الأخطر، وهذه الظروف هي التي نجحت واقترنت بمظاهر شديدة الواقع تكاد بمخرجاتها أن تجعل من الشعوب هي الضحية الأكبر والوحيدة منها، وما الإرهاب وأخطاره، وما يصاحبه من إقصاء للآخر وتكفير للأفكار، وإقحام سيء للإسلام فكراً وممارسة إلا مظهراً أساسياً للواقع العربي- الإسلامي.
وعندما نأتي لناقش قضية الإرهاب التي نشهدها اليوم نجد إن هذه القضية لها من الجذور التاريخية التي تجعلها متأصلة في التاريخ العربي والإسلامي، إذ لم يتورع قادة المسلمين في بدايات نشوء الإسلام وتحديدا بعد وفاة الرسول الأعظم ص إن يلجئوا إلى العنف والإقصاء واستخدام القوة من اجل الوصول إلى السلطة، فكان النتاج أن ترتكب أبشع جريمة دموية شهدها التاريخ ألا وهي قتل ابن بنت رسول الله ص وابن وصيه الامام الحسين ع لتعلن بداية الطريق لارتكاب مجازر دموية بحق كل من سار على ذلك النهج والمسار.
ولذلك إن ما نلحظه اليوم من مجازر بحق الأبرياء ماهو إلا رسالة من أولئك الذين أسسوا لذلك الطريق وعبدوه بجماجم الأولياء والعلماء والأبرياء، ليعلنوا استمرارية النهج والفكر.
وبعيداً عن الخوض في التفاصيل، لا يمكن القول قطعاً أن ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة دخيلة في المجتمع الإسلامي، بل إن لها أسبابها ومبرراتها التي ضربت بشراكها وشباكها دائرة مغلقة على العقل العربي- الإسلامي.
كما أن الأسلوب غير الصحيح في مواجهة هذه الظاهرة قد أدى إلى نتائج عكسية، ومن هنا فأن أي خطر، يحتاج إلى تكاتف موقفي، كي تستمر الحياة ويتم إبعاد شبح الموت عن الفقراء وعامة الشعب والذي أصبح يستهدفهم في كل مكان ولكن الحقيقة هي انتظار موقفي متناثر.
إن الجماعات الإرهابية وإن كانت تدعي لنفسها استهدافها لأعداء سياسيين احتلوا العراق ويماطلون في إعطاء الحقوق للشعب الفلسطيني ويعرقلون التنمية في البلدان الإسلامية إلا أن ذلك لا يبرر قتلهم للناس عموماً تحت ذلك المسمى.
أمام كل ذلك، نجد أنفسنا جميعاً أمام موقف اختياري، سواء شعوب البلدان العربية والإسلامية أو تلك الجاليات التي تعيش في البلدان الغربية، فبين نفي المهمة عن أنفسنا، أو السكوت على تلك الأعمال والأفعال، ذلك أن أولئك الذين يرتكبون تلك الأعمال والأفعال يعبرون عن أنفسهم أفضل تعبير، سواء في عدائهم أو في الميكانزم التي تحركهم وتحرك عقولهم بحيث أن أعمالهم تحمل دائماً توقيعاتهم، ومن هنا وضعنا جميعاً كمجتمعات عربية- إسلامية وكذلك الجاليات في العواصم الغربية تحت مجهر الاختبار، بل إننا أمام امتحان مفاجئ لطبيعة وحقيقة ثقافتنا وموقفنا من أعمال قتل المدنيين الأبرياء.
ومن هنا تصبح السلبية والوقوف والتعامل مع هذه الأعمال بمسافة وهمية، يعني بالنسبة لشعوب العالم الأُخرى أننا نقبل بوصاية الإرهابيين علينا، وإننا نشجع أعمالهم وحركاتهم، وبعيداً عن السلوك المتحضر الذي يجب أن يكون والذي يرافقه ضرورة ملحة للحفاظ على الحياة، من المهم أن ندرك أن الخطر أصبح لصيقاً بكل فرد ينتمي إلى العالم العربي- الإسلامي.
ومن هنا يصبح لزاماً علينا التمتع بأبسط مظاهر الوعي بخطورة استمرار طوفان الإرهاب وإقامة سد منيع وإعلان موقف مبدئي يناصر سلامة الإنسان باعتباره عنصر الحياة وأينما كان وهذا يحتاج إلى إجراءات عملية وملموسة وسريعة يتم تبنيها من قبل مؤسسات الحكم والمجتمع المدني وأجهزة الإعلام، يرافقها صراحة وشعور أكبر بالمسؤولية بعيداً عن المتاجرة بالموقف.
وقد جاء هذا البحث ليناقش قضية الإرهاب وامتدادها التاريخي الذي ابتدأ بقتل الامام الحسين وأهل بيته (ع)، ومن خلال المحاور التالية:
• المحور الأول: الإمام الحسين ع ونظرية اللاعنف في الإسلام .
• المحور الثاني: الجذور التاريخية للإرهاب في سلوك الدولة الإسلامية.
• المحور الثالث: معطيات الواقع العربي – الإسلامي وتأصيل ظاهرة الإرهاب.
• المحور الرابع : الفكر الحسيني والحاجة إليه في معالجة الأزمة الفكرية في العالم العربي والإسلامي.
ومن الله التوفيق