ماكرون والمهمة الصعبة في الشرق الأوسط

شارك الموضوع :

إيمانويل ماكرون عازم على تغيير مسار الدبلوماسية الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام، بالرغم من كثرة العقبات والتحديات السياسية التي تقف حجر عثرة أمام جهوده السياسية

 على الرغم من العلاقات التاريخية التي تربط فرنسا بمنطقة الشرق الأوسط، وبغض النظر عن طبيعة العلاقات التي جمعت باريس مع دول المنطقة، إلا أن خروجها من لبنان بعد حادثة مقتل سفيرها "لوي دولارما" في سبتمبر من العام 1982، في فترة الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من عام 1975-1990، أدى إلى تذبذب دورها السياسي والعسكري في المنطقة. وعلى ما يبدو فأن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون عازم على تغيير مسار الدبلوماسية الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام، بالرغم من كثرة العقبات والتحديات السياسية التي تقف حجر عثرة أمام جهوده السياسية. هذه التحديات تكمن صعوبتها بالاختلاف السياسي والأيديولوجي والعداء التاريخي بين دول المنطقة، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها بعض دول منطقة الشرق الأوسط، والمنطقة بشكل عام. فهل تنجح جهود ماكرون السياسية في التخفيف من حدة الأزمات بين دول المنطقة أم ستكون الإرادات الدولية والإقليمية عائقاً إمام جهوده الدبلوماسية؟

يمتلك الرئيس الفرنسي الحالي رؤية سياسية واضحة على المستويين الداخلي والخارجي، ويريد أن يجعل من فرنسا لاعب قوي ومهم في صياغة مفاهيم السياسة الدولية، وهذا ما تبين خلال دوره الأخيرة في حل الأزمة اللبنانية بدعوته لرئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري إلى باريس، وزيارته إلى المملكة العربية السعودية قبل ذلك، فضلاً عن اهتمامه الدبلوماسي في حل الأزمة العراقية بين المركز والإقليم بعد عملية أجراء الاستفتاء الكردي، وزيارته المرتقبة إلى دولة الإمارات العربية نهاية الاسبوع الجاري، بالإضافة إلى مساعيه الدولية في حل الأزمة السورية ورؤيته السياسية المتوافقة "نوعا ما" مع الرؤية الروسية، فيما يتعلق بمستقبل الرئيس السوري بشار الأسد "بأن فرنسا لا تبحث عن بديل عن الرئيس السوري في الوقت الحالي"، ليؤكد فيما بعد على حرص حكومته على العلاقة مع دمشق في محاربة التنظيمات الإرهابية. كذلك يمتلك الرئيس الفرنسي رؤية سياسية مناهضة لسياسة الولايات المتحدة ورؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة والعالم ومتوافقة مع الرؤية السياسية الأوروبية، سواء فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني أو بجهود الولايات المتحدة الأمريكية المتعثرة في المنطقة.   

جهود الرئيس الفرنسي في المنطقة تبدو واضحة لكنها ستصطدم بعقبات اساسية، وهذه العقبات سيكون اختبار اجتيازها صعبا جداً، على الرغم من كثرة المشتركات السياسية والاقتصادية والثقافية بين فرنسا ودول المنطقة، وصعوبتها تكمن في الجمع بين الاضداد. فعلى سبيل المثال لفرنسا رؤية خاصة من الأزمة الخليجية، وغير مؤيده لسياسة الحصار التي تتبعها المملكة العربية السعودية وحلفائها ضد الدوحة، وتخالف الرؤية الأمريكية -الخليجية فيما يتعلق بتفكيك الاتفاق النووي الإيراني، فضلاً عن ذلك، فأن فرنسا برئاسة ماكرون لا تتفق مع الرؤية الخليجية بشأن الحل العسكري في اليمن. وهذا ما أكده قصر الإليزيه في مناسبات عدة، بأن هناك بعض الأمور لا يمكن لباريس أن تتفق فيها مع بعض العواصم الخليجية، منها الحرب في اليمن والحصار ضد قطر. كذلك يعتزم الرئيس ماكرون زيارة طهران من أجل تلطيف الاجواء الفرنسية الإيرانية، وكسر حالة الجمود السياسي بين البلدين، لاسيما وأن أخر زيارة قام بها رئيس فرنسي لطهران ترجع إلى عام 1976، وحث طهران أيضاً على لعب دور إيجابي في استقرار المنطقة والمساهمة في حل الأزمة السورية، وربما يعمل الرئيس الفرنسي على تخفيف الاحتقان السياسي والطائفي بين طهران والعواصم الخليجية، لاسيما بين إيران والسعودية من خلال سعيه إلى حل الأزمة اليمنية بدعم طهران للجهود السياسية الدولية الساعية إلى حل الأزمة. وهنا تكن صعوبة الدور الفرنسي من خلال الرؤية المتنافرة بين دول المنطقة وعدم وضوح الرؤية بين تلك الدول والضبابية السياسية التي تحملها كل دولة اتجاه الأخرى، إلا أن وضوح الدور الفرنسي ومقبولية الرئيس ماكرون وفرنسا بشكل عام لدى اغلب دول المنطقة أن لم تكن جميعها، قد يكون عامل نجاح في حل أو تخفيف حدة الصراع والعمل على أنهاء الأزمات المستمرة في حال أرادت دول المنطقة ذلك؛ لأن فرنسا تتمتع بمقبولية سياسية على مستوى دول المنطقة، على العكس من اللاعب الأمريكي الذي لا يحظى بقبول الجميع؛ وذلك بسبب دعمه لجهة على حساب جهة أخرى. 

من خلال ذلك، يبدو فأن فرنسا تريد أن تعيد دورها في المنطقة من خلال سعيها إلى لعب دور دبلوماسي في حل أزمات المنطقة وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، وهذا ما بدأ واضحاً من خلال تحركات الرئيس الفرنسي على الصعيد الخارجي، مدعوماً بالفشل الأمريكي المتكرر وتراجع دوره في المنطقة، سواء فيما يتعلق بعملية الاستقرار والتنمية المستدامة التي دعمتها واشنطن من خلال ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو دعمها لثورات الربيع العربي وسياساتها المتعلقة بالحرب على الإرهاب، على الرغم من أن حجم التقاطعات بين دول المنطقة والصراع السياسي والتوظيف المذهبي له، قد يكون عائقاً كبيراً أمام الجهود الفرنسية في حل مشاكل المنطقة، وإعادة الدور الفرنسي له، لكنه من غير الممكن أن يقف عائقاً إمام الجهود الفرنسية في المنطقة. فلماذا لا تجرب دول المنطقة حليفا أخر غير الحليف الأمريكي في حل أزمات المنطقة وإعادة الاستقرار؟  

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية