أن هجوم الموصل ما هو الا دلالة على قيام العراق والتحالف الدولي في القضاء على التهديد الجهادي في البلاد، اما بالنسبة للعراق، فإن هذا النصر يمثل خطوة صغيرة على طريق الوحدة والسلام الطويل
مع الاقتراب الوشيك لهزيمة الدولة الاسلامية في الموصل، يجب ان تجد الحكومة طريقة للاتحاد لمنع شبح الفوضى. ففي 29 حزيران، أعلن التلفزيون العراقي الرسمي بكل فخر ان " اسطورة الخلافة قد انتهت"، كما أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي توجه الى غرب الموصل لإعلان خطاب النصر. وفي 29 حزيران، وبعد أشهر من القتال العنيف داخل المدينة، استعادت القوات العراقية اجزاء حساسة من ذلك الجزء الغربي من المدينة، بضمنها بقايا جامع النوري في المدينة القديمة.
لقد تحولت الدولة الاسلامية الى ركام، حالها مثل الجامع، الا ان الهجوم على الموصل ساعد في زيادة اعتبار القوات الامنية في اعين الكثير من العراقيين، الا انه هناك المزيد من المعارك في المستقبل، بضمنها المعارك السياسية الخطرة. ورغم اقتراب النصر في الموصل، الا ان المعارك لم تنته، حيث أكد العميد يحيى رسول، المتحدث لقيادة القوات المشتركة، ان القوات العراقية قد هزمت الدولة الاسلامية عسكرياً. فخلال ساعات من هجوم فجر يوم 29 حزيران، تقدمت قوات مكافحة الارهاب الى جميع الاجزاء الرئيسة في مدينة الموصل القديمة، حيث يتواجد السكان بكثافة، وضيق الطرق والصدامات المميتة.
هدفت القوات العراقية السيطرة على الضفة الشرقية منذ شهر كانون الثاني، وبرزت مشاكل الرهائن والعوائل المتعبة من اماكن اختفائها من جميع الاجزاء الغربية لمدينة الموصل، وما زال هناك الالاف ينتظرون تحريرهم. وزاد هذا الأمر من متاعب المئات من المواطنين الذين حاولوا اللجوء الى المخيمات المتنقلة. ورغم استئناف الجزء الشرقي من مدينة الموصل لطرق العيش كما في فترة ما قبل الدولة الاسلامية والعودة الى بيوتهم، الا انه امام الجانب الغربي العديد من الاشهر للتعود على الحياة العادية بسبب الدمار ووجود المتفجرات والمفخخات التي زرعتها الدولة الاسلامية.
ما زال الطريق امامنا
إن القتال من اجل السيطرة النهائية على الموصل ومحافظة نينوى ومخاطرها كان الطريق الى استقرار العراق، فعلى الرغم من فقدان الارض، فالدولة الاسلامية ستحاول تجنيد او القيام بالعمليات الانتحارية داخل المدن العراقية، وربما تحاول الرد عسكرياً في ضوء سحب القوات العسكرية من هجوم الموصل الى محافظة الانبار القريبة من الحدود السورية. وتحاول الدولة الاسلامية الاحتفاظ ببعض الجيوب المقاتلة في امتدادات الصحراء المتناهية في المحافظات التي يسيطر عليها السنة. ومن المتوقع ان يتم توزيع بعض الوحدات العراقية في منطقة الحويجة، حيث توجد بعض وحدات المقاتلين هناك، الذين هاجموا بشكل متقطع خلال الاشهر الاخيرة قوات البيشمركة الكردية داخل وأطراف كركوك وطوزخورماتو. كما ان مقاتلي الدولة الاسلامية ظلوا قرب مدينة تلعفر الواقعة غرب الموصل، حيث تتواجد القوات الشيعية شبه العسكرية والقوات الكردية التي حررت تلك الاراضي.
وبتحقيق النصر في الموصل، يمكن للقوات العراقية القول انها حصلت على الثقة بها. فالعديد من سكان الموصل لم تكن لهم ثقة بالحكومة المركزية والقوات الامنية، وأدت عدم الثقة هذه الى مساعدة الدولة الاسلامية في السيطرة على الموصل بسهولة في عام 2014. وستساعد عمليات الانقاذ للموصليين من قبل القوات الامنية الى تحسين هذه النظرة، رغم وجود حالات من عدم الثقة، كما خشي المواطنون من القوات الشيعية شبه العسكرية ان تقوم بعمليات انتقام كرد فعل لرفض الموصليين مشاركتهم في القتال ضد الدولة الاسلامية.
ان عملية تحرير الموصل – بعيداً عن التقارير التي تحدثت عن الانتقام والتعذيب واعتقال السكان، او حتى مقاومة القوات العراقية – هي انتصار سياسي لرئيس الوزراء العبادي، كما انها نذير بنجاح بغداد في ادارة محافظة نينوى، مع احتمال ان يعزو بعض السياسيين، ومنهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ان يكون هذا النصر لهم.
سياسات الكسر والجبر
ان الصراع بين مؤيدي العبادي والمالكي داخل السياسات الشيعية ستتصاعد خلال الأشهر القادمة، في ضوء تجمع وتفرق التحالفات قبل الانتخابات المحلية والنيابية. فالمالكي ما زال يحتفظ بالكثير من نفوذه السياسي حتى لو لم يكن زعيماً للتحالف الوطني للأحزاب الشيعية، كما ان القتال ضد الدولة الاسلامية جعل الصراع السياسي في الخلف، الا ان المالكي سيحاول اضعاف شرعية العبادي ومؤيديه. إضافة الى ذلك، سيحاول مؤيدو المالكي تعظيم منجزاتهم من اجل الانتخابات، وكذلك سيفعل بقية الزعماء الشيعة، مثل مقتدى الصدر. الا انهم ليسوا وحدهم في هذه المناورات، فالأحزاب السنية والكردية تحاول بناء تحالفاتها لتنظيم مطالبها في الدولة ذات الاغلبية الشيعية. فالأكراد صعدوا من مطالبهم في الحصول على الاستقلال من بغداد والسيطرة على اراضيهم التي اقتطعتها الدولة الاسلامية. ويذكر ان بغداد اعترفت بالحدود الرسمية لإقليم الحكومة الكردية في عام 2005، الا انه خلال الاثنتي عشر سنة الماضية، حاولت القوات الكردية السيطرة على الاراضي في بقية المحافظات العراقية. فقتال السنوات الثلاث الاخيرة ضد الدولة الاسلامية لم يؤدي فقط الى تعظيم مطالب الاكراد في الاستقلال على اراضيهم، وانما شرع سياسيوها في الحديث عن الاستفتاء من اجل الاستقلال في موعد 25 ايلول 2017، وبالتالي تحاول الاحزاب الكردية تعزيز تحالفاتها الاقليمية في الصراع ضد بغداد.
القضية الاخرى التي تثير الامور بين العاصمة الكردية، اربيل، وبغداد هي وضع كركوك. فالمدينة مركز الثروة النفطية والموقع الاستراتيجي، كما ان الصراعات حول السيادة الاقليمية اثارت الخلافات بين الاحزاب الكردية، وكبار المدينة قرروا التصويت من اجل الاستقلال. ورغم ضعف بغداد في وقف الاستفتاء، إذا نجح في حد ذاته، فإنها ستحاول عرقلة التنفيذ، فقد أيد رئيس الوزراء الحق الدستوري في القيام بالاستفتاء، رغم معارضته للوضع النهائي للأمور، كما ان الاخرين، مثل تركيا وإيران والولايات المتحدة، قد عارضوا تصويت الاستقلال، مطالبين ببقاء والحفاظ على سيادة الاراضي العراقية.
وقد ابدت الدول المجاورة للعراق اهتمامها في مرحلة ما بعد تحرير الموصل. فالاهتمامات الامنية التركية مرتبطة في السيطرة على حزب العمال التركي، حيث استمرت في القيام بهجماتها الجوية على مواقع الحزب كما هددت بعمليات عسكرية برية داخل العراق. إلا انه بانتهاء عمليات تحرير الموصل، فمن الممكن ان تقوم قوات البيشمركة الكردية بالتعاون مع انقرة في ابعاد حزب العمال التركي من شمال العراق. وقد وردت انباء ان المدنيين شرعوا في الهرب من الاراضي المجاورة لمواقع حزب العمال التركي في محافظة دهوك، خوفاً من امكانية اندلاع صراع كبير هناك.
قبل ثلاث سنوات، في 29 حزيران 2014، اعلنت الدولة الاسلامية في العراق والشام تأسيس خلافتها بموجب بيان اصدره المتحدث باسمها ابو محمد العدناني. وفي الشهر التالي، قام قائد المجموعة ابو بكر البغدادي بإطلاق انتصاره من جامع النوري، الذي تم تدميره في الاسبوع الماضي لمنع القوات العراقية من الحصول على نصر رمزي في الوصول الى اليه. والمعروف ان العدناني قد قتل في ضربة جوية في سوريا في عام 2016، كما ان البغدادي قد هرب من مواقعه منذ زمن.
أن هجوم الموصل ما هو الا دلالة على قيام العراق والتحالف الدولي في القضاء على التهديد الجهادي في البلاد، اما بالنسبة للعراق، فإن هذا النصر يمثل خطوة صغيرة على طريق الوحدة والسلام الطويل.
اضافةتعليق