يوفر الوجود التركي في قطر معنىً اخر في تحدي المحاولات السعودية في السيطرة على الشرق الأوسط وقيادة العالم السني
رغم قطع المملكة العربية السعودية وحلفائها العرب علاقاتهم مع قطر، واثارة أزمة دبلوماسية في الشرق الأوسط، الا ان صديقاً واحداً رفض ترك الدولة الصغيرة في الخليج، وهو تركيا. فثبات تركيا في اسناد قطر بقي قوياً منذ الخامس من حزيران، ليس فقط في توفير الاسناد الدبلوماسي والتجاري، وانما سارعت في توزيع قواتها في قطر، وهو قرار سيؤدي الى تعزيز الاسس في العلاقات بين البلدين.
بناء علاقات امنية قوية
على الرغم من موافقة البرلمان التركي على نشر القوات في الاسبوع الماضي، الا ان قرار نشر هذه القوات يعود الى اتفاق في عام 2014 بين الدولتين. فتركيا ارسلت قوات محدودة الى قطر تصل الى 100-150 جندي كما جاء في بعض التقارير، الذين تمركزوا في قاعدة عسكرية قطرية منذ شهر تشرين الأول 2016.
كانت هذه القوات مجرد طلائع لما يتوقع ان يكون انتشاراً عسكرياً مكثفاَ، حيث قامت تركيا بإرسال وفد مؤلف من ثلاثة اشخاص في 12 حزيران الحالي للتنسيق حول وصول قوات اضافية.
وتبين اخر المعلومات المتوفرة وجود امور عملية اخرى تتعلق بالمنشأة التي ستضيف القوات التركية التي يجب التوصل اليها قبل وصول هذه القوات.
قبل مصادقة البرلمان التركي والرئيس رجب طيب اردوغان على نشر القوات التركية في قطر، اتفقت الحكومتان مسبقا على الوضع القيادي للقاعدة العسكرية التركية هناك. ويبدو من هذه الاتفاقية ان تركيا لم تكن تبحث عن قاعدة تدير بها عملياتها من هناك، وانما كانت تبحث على كيان مشترك يجعل من علاقاتها تتداخل مع الامور العسكرية القطرية. وبينما سيكون للأتراك قاعدتهم العسكرية، الا انها ستكون تحت القيادة المشتركة في الدوحة بقيادة جنرال قطري يساعده جنرال تركي في الموقع القيادي الثاني.
في المراحل الاولى، خططت تركيا لإرسال 600 جندي الى قطر، ويبدو ان هذا الرقم سيبقى ثابتاً في المرحلة التالية من الانتشار التركي، الا ان التصويت في البرلمان والتصريحات التركية الرسمية الاخرى كانت تتحدث عن 3000 من القوات. ومن ناحية اخرى، تفكر تركيا في ارسال طائرات مقاتلة وسفن حربية اخرى الى قطر.
إن مثل هذا الانتشار سيعطي تركيا وجوداً مهما في قطر، ولو انه لا يبدو مثل 11000 جندي امريكي موجود هناك. ستقوم القوات التركية الاولى بمساعدة وتدريب القوات القطرية، اضافة الى استخدام القاعدة للقيام بعملياتها العسكرية. فمن الناحية النظرية، يمكن للقوات التركية الدفاع عن الحكومة القطرية ضد اية تهديدات داخلية او خارجية، كما ان انتشار 3000 جندي تركي، اضافة الى الطائرات المقاتلة والسفن الحربية، سيعززان الموقع العسكري القطري الذي يتألف من 11800 من القوات.
وفي ضوء الأزمة السياسية بين قطر ودول الخليج وتطورها، ستختار تركيا توزيع قوات أكثر من العدد 600 التي خططت لها في البداية كجزء من اسنادها لقطر، او لضمان أمن الحكومة القطرية في حالة بروز أي من الأخطار. وبينما سيكون الانتشار العسكري التركي مرحليا، الا انه من غير المتوقع ان يصل الى اعلى من المستوى كرمز للتعاون العسكري والوحدة السياسية.
الأهداف المشتركة في الشرق الأوسط
من الناحية الاستراتيجية، اعتبرت الحكومتين القطرية والتركية في السنوات الاخيرة ان مصالحهما متشابهة. فكلاهما حددتا اسبقياتهما في توسيع نفوذهما في الشرق الأوسط من خلال اسناد المجاميع الاسلامية. وقد زادت هذه المساعدات في مرحلة الربيع العربي، عندما حصل الاسلاميون المضطهدون مواقع قدم في الانظمة المنهارة. وبررت الدوحة وانقره اسنادهما للإخوان المسلمين والمجاميع المشابهة بالادعاء انهما يساندان القيم الديمقراطية وحق تقرير المصير في المنطقة، في وقت كانت فيه تركيا وقطر تساندان عقائدياً المجاميع الاسلامية السنة، وبالتالي يهدف اسنادهما الى الحصول على التأثير في الحركات الشعبية التي يتبعها الملايين في المنطقة.
تركزت محاولات قطر في بناء علاقات امنية وتجارية مع تركيا في الوصول الى مرحلة تحقيق نفوذ يفوق موقعها الصغير، اضافة الى تعزيز امنها خارج نطاق المظلة السعودية والامريكية. فقد راقبت الدوحة محاولات الرياض كبح جماح الاولى طيلة السنوات الماضية، واعتبارها دولة تابعة للمملكة العربية السعودية، وبالتالي دفعت الحكومة القطرية الى تنويع تحالفاتها، او حتى تطوير علاقاتها مع تركيا التي تعتبر الدولة المنافسة للسعودية. والاكثر أهمية، سمح قطاع الغاز السائل القطري – الذي أحد أكبر القطاعات في العالم -في الحصول على الاستقلال الاقتصادي، وبالتالي – بسبب هذه الثروة – لم تجبر قطر على السقوط في مجالات السياسة السعودية التي تقدم المساعدات، كما حصل في البحرين.
اعتمد استقلال ونمو قطاع الغاز القطري على حفاظ الدولة على علاقات متوازنة مع إيران، ايضاً، وهذا ما أزعج المملكة العربية السعودية، وهو امر لم تتخلى عنه قطر.
يوفر الوجود التركي في قطر معنىً اخر في تحدي المحاولات السعودية في السيطرة على الشرق الأوسط وقيادة العالم السني، فالسعودية لها علاقات ايجابية مع تركيا، الا ان الرياض ترى ان الوجود العسكري في قطر امراَ مزعجاَ وتحدياَ لسلطتها. في تلك الأثناء، كان الخلاف القطري مع السعودية وتنامي علاقتها الامنية مع تركيا سبباً في التعاون العسكري القطري مع الولايات المتحدة، الا ان الوجود التركي لا يعني ان تتحول قطر عن الولايات المتحدة كضامن لأمنها من اجل الاسناد التركي.
على كل حال، تعود العلاقات العسكرية القطرية – الامريكية الى عدد سابق من السنين، ولا تثير حفيظة الرياض، وبهذا لن تنازل الدوحة – بمزيد من الاسناد التركي – عن علاقاتها الامنية والدبلوماسية مع امريكا وما يوفره لها هذا الوجود.
اضافةتعليق