تصاعدت الخلافات الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى بسرعة قياسية تجاوزت كل التوقعات، فالتصعيد الذي شددته الرياض وحلفائها الخليج على قطر تجاوز حدود المؤشرات الأولية للأزمة وطال ليشمل كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والسياحية والإعلامية؛ في محاولة قوية من قبل المملكة العربية السعودية إلى أخضاع الدوحة على مقررات الاجماع الخليجي بقيادتها. وعلى الرغم من امتداد الخلاف الخليجي بين السعودية وقطر إلى حقب تاريخية طويلة وبشكل مستمر، لاسيما الخلاف الحدودي بين الدولتين، إلا أن حجم الخلاف الحالي، ربما هو انعكاس لوجهتي نظر مختلفتين: الأولى، تشير إلى الضوء الأخضر الذي أعطاه الرئيس الأمريكي للمملكة العربية السعودية بعد القمة الإسلامية – الأمريكية التي عقدت في الرياض والدور المنوط بالمملكة في قيادة المحور الخليجي، وبما أن الرياض لا تريد أن تتقاسم الدور مع الدوحة في المنطقة، وتحاول أن تكّسر اجنحتها التي نمت خلال السنوات الماضية، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي، فبادرت إلى هذا التصعيد غير المسبوق. أما الرأي الثاني فيشير إلى تذمر صانع القرار الخليجي، لاسيما السعودي من التقاطعات السياسية مع الدوحة ومخالفتها للأجماع الخليجي، ومن ثم وصول الخلاف السعودي – القطري ذروته في تغريدات الأمير القطري، التي أعلن من خلالها وبشكل صريح مخالفته للبيان الختامي للقمة الإسلامية – الأمريكية. وبغض النظر عن المقاصد السعودية والتقاطعات القطرية للتوجهات الخليجية، إلا أن للدوحة مآرب أخرى من خلال مقاربتها وإصرارها على التقاطع مع التفاهمات المشتركة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أحرج الدول العربية والإسلامية التي تتمتع بعلاقة سياسية متوازنة مع الدولتين "قطر والسعودية"، ومنها تركيا التي دخلت في وساطة لحل الخلاف الخليجي، وإعادة العلاقات بين الدول المتقاطعة. وبالرغم من العلاقة الوثيقة التي تربط دول الخليج بالجمهورية التركية، إلا أن الوساطة التركية لم تكن سهلة على الإطلاق. ولهذا يتسائل البعض عن دور المساعي التركية في حل الأزمة الخليجية، وهل باستطاعة أنقرة أن ترأب الصداع بين الأطراف الخليجية أم أن الدوحة فضلت خيار المواجهة مع المحور السعودي؟ وبالتالي فأن جهود أنقره قد تكون شكلية وتاريخية لا أكثر.
تركيا التي عرضت جهودها الدبلوماسية في حل الأزمة الخليجية مع انطلاقتها الأولية، لم تقف على الحياد منذ البداية، فكلمة الرئيس التركي الذي انتقد من خلالها سياسة المحاصرة على قطر، وأتهم دول خليجية لم يسميها "في إشارة منه إلى السعودية" بأنها كانت فريحة في الانقلاب التركي الفاشل، ليقوم البرلمان التركي فيما بعد بإقرار مشروع قرار نشر القوات التركية في قطر؛ الأمر الذي اعطى انطباعاً واضحاً بأن تركيا تقف مع قطر، لاسيما وأن أنقره اعلنت عن استعدادها في الدفاع عن الدوحة ضد أي تدخل أو اعتداء عسكري. هذا الموقف صّعب من مأمورية تركيا "بشكل أو بآخر" في لعب دور الوسيط الحيادي في حل الخلاف السعودي – القطري.
ترطيب تركيا للأجواء بعد ذلك، جاء عن طريق وزير خارجيتها "مولود جاويش أوغلو" الذي قام بتلطيف مواقف رئيسه السابقة بخصوص الأزمة الخليجية، وعرض مساعي بلاده في الوساطة بين الدول المتخاصمة، قائلاً بأن "تركيا على استعداد في أن تتدخل بشكل مباشر في حل الأزمة، وأن رئيسها يكن كل الاحترام لخادم الحرمين الشرفين ولم يكن يستهدف المملكة في كلامه السابق عن الأزمة الخليجية"، وعلى ما يبدو بأن التبريرات التركية لاقت قبول سعودي بوساطة تركية؛ الأمر الذي ادى بالملك سلمان أن يوجه دعوة للزيارة الوزير التركي للمملكة العربية في يوم الجمعة 16 يونيو/حزيران 2017.
وعلى ما يبدو بأن الوساطة التركية ووقوفها مع الدوحة سياسياً كانت نابعة من المخاوف السياسية المتولدة لدى أنقرة جراء علاقاتها المتأرجحة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فبالرغم من العلاقة الاستراتيجية التي تربط أنقرة بالدوحة، إلا أنها تخشى سياسة الحصار وقطع العلاقات التي اتبعتها دول الخليج وبعض الدول العربية ضد قطر؛ لأن ذلك إذا ما نجح سيسبب صداع لدى صانع القرار التركي، وبهذا الخصوص يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن “العلاقات التركية مع المجتمع الدولي متشابكة، وبالتالي يمكن أن يحدث لتركيا ما حدث لقطر، إذا رأت الولايات المتحدة أن هناك فرصة لتطويق تركيا وحصارها‘‘. أما القبول السعودي بالوساطة التركية، فله ما يفسره في ميدان السياسية الخارجية والتحالفات الدولية؛ لأن خسارة السعودية لدولة فاعلة في مجلس التعاون الخليجي ومتاخمة لها ولحلفائها حدودياً، فضلا عن متاخمتها البحرية لإيران، من الممكن أن يسبب لها مشاكل كبيرة في حال إصرارها على سياسة المواجهة والتصعيد ضد الدوحة. وبهذا تتبادل أنقرة والرياض الفكرة المشتركة التي تولدها مخاوف انفتاح طهران على الدوحة وما يمثله من تهديد على المصالح الخليجية والتركية المشتركة، ونفوذ أنقرة والرياض في المنطقة.
وبهذا، ربما تفشل المساعي التركية في حل الأزمة الخليجية؛ بسبب أن الدوحة اقتنعت في المقاطعة الخليجية وتداعياتها، وتيقنت من حجم الخلافات والتقاطعات مع دول الخليج، لاسيما السعودية؛ لذلك باشرت باتخاذ سياسة التصعيد السياسي والإعلامي، ولعل هدم قطر للنصب التذكاري لمجلس التعاون الخليجي وازاحته من وسط العاصمة القطرية خير دليل على ذلك، فضلاً عن تعاطف أنقرة وتقاربها السياسي مع الدوحة، ومحاولاتها قيادة المحور السني على حساب الجانب السعودي؛ الأمر الذي لا يؤهلها للعب دور الوسيط الحيادي بين الطرفين. ولهذا فوساطة تركيا تبدو صعبة للغاية في حل الأزمة القائمة بين السعودية وقطر.