إن القوتين الشيطانيتين ، إي العلاقة بين العصابات الاجرامية والارهابيين، تعملان في شراكة مريحة !
هناك عدد من المناطق في أوربا تعد مرتعا خصبا للجريمة والعصابات الإجرامية وتجارة المخدرات، كما تعد أوربا إحدى أهم أسواق تجارة المخدرات العالمية، ويقصدها العديد من المهربين والعصابات المسلحة، ونشأت فيها العديد من المافيا على مرور الزمن ومنها المافيا الايطالية والتي أغرقت ايطاليا في الفوضى، وانتشر أثارها إلى باقي أجزاء أوربا، ثم إن نظام (شنغن) المطبق في أوربا والذي يعطي حرية السفر للأوربيين بين دول الاتحاد الأوربي هو الأخر قد شجع على ارتكاب جرائم الإرهاب والعصابات المنظمة لسهولة تنقل الأشخاص الأوربيين المشبوهين بين دول الاتحاد الأوربي، ونشرت بعض التقارير الصحفية، حول العلاقة بين التنظيمات الجهادية والمافيا، قالت فيه إنه عندما ألقت الشرطة الإيطالية القبض على العراقي عزيز إحسان (46 عاما) بالقرب من نابولي، كان قسم مكافحة المافيا قد تتبعه لأيام لمعرفة سبب وجوده في قلب إقليم المافيا.
كما أثار حي (مولنبيك) مثلا، والواقع بإحدى ضواحي بلجيكا جدلا واسعا في وسائل الإعلام الدولية بعد التفجيرات التي استهدفت باريس، نظرا لارتباط بعض من منفذيها بهذه المنطقة الهامشية الواقعة بقلب أوروبا، منهم (يوسف بلحاج)، و(مهدي نموش) منفذا الهجوم الذي وقع في المتحف اليهودي بباريس، وبائع الأسلحة التي استخدمها (أحمد كوليبالي) في هجومه على المجمع التجاري (كوشير)، لكن حي (مولنبيك) ليس سوى واحد من بين خمسة أخطر أحياء أوروبية (خارجة عن القانون)، والتي أصبحت تؤرق مضجع السلطات الأوروبية بسبب شبح التهديدات الإرهابية المتزايدة الآتية منها، وذلك لكونها معقل لأخطر عصابات المخدرات، الإجرام، والحركات الجهادية بكل من إسبانيا، فرنسا، السويد وإيطاليا، وهذه الإحياء هي: حي البرينسيبي بإسبانيا ، وحي روبيه بفرنسا، وحي روسينغراد بالسويد حي سيكونديليانو بإيطاليا.
يحاول البعض التمييز بين الجريمة والإرهاب بالاستناد إلى فكرة ذهنية بالية، فالقول الذائع إن المجرمين يمارسون الجريمة لمجرد الربح المادي، وأن الإرهابيين يعملون بصورة حصرية لتحقيق أهداف سياسية، هذا الوصف يكذبه الواقع المعاصر لهاتين المجموعتين، فالمجرمون لا ينتمون اليوم إلى منظمات تخضع لسلطة هرمية لا تُشكّل تهديداً للدولة بالذات، كما كان ذلك صحيحاً بالنسبة للمافيا الصقلية أو الياكوزا اليابانية، والإرهابيون، كثيراً ما أصبحوا يتنقلون بدعم من الجريمة، ما بين هويتي الإجرام والإرهاب، تسمح هيكليات شبكات كليهما بالارتباط، عن وعي أو بدونه، بهوية احدهما الآخر. فقد تعمل المجموعتان مباشرة سوية أو قد تتصلان من خلال مسهلين بينهما، ففي لوس انجلوس، على سبيل المثال، منحت كلية تعليم اللغة نفسها إلى بعض الخاطفين المتورطين في أحداث 11 أيلول تأشيرات دخول وزودت كذلك تأشيرات دخول أيضاً إلى لعصابة رئيسية لتهريب البشر، وبدورها، انخرطت هذه الحلقة في تجارة بطاقات الهوية المسروقة التي يمكنها تسهيل نشاطات الإرهابيين.
وهناك رأي يقول إن العلاقة بين الإرهاب والعصابات الإجرامية هو حديث العهد، إلا إن الجريمة المنظمة والإرهاب كان لهما نشاط تاريخياً عابراً لحدود الدول في الماضي، في الثلاثينات من القرن الماضي، كان أعضاء عصابات المافيا الإيطالية في الولايات المتحدة يسافرون إلى كوبيه في اليابان والى شنغهاي في الصين للحصول على المخدرات، وكان يلجأ أعضاء من مختلف عصابات الإجرام الأميركية إلى الصين لتجنّب وصول السلطات الأميركية المختصة بفرض تطبيق القانون إليهم. كما وجد أعضاء منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي ملجأ آمناً في كنف الجاليات الأيرلندية في الخارج التي وفرت كذلك الدعم المالي لهذه المنظمة في أيرلندا، إلاّ أن الجديد اليوم، هو سرعة وتكرار تفاعلاتهم المتبادلة، وكثافة التعاون بين هذين الشكلين من الجريمة العابرة للحدود القومية.
لهذا تتحدد العلاقة التخادمية بين الجهاديين الإسلاميين والعصابات الإجرامية مثل المافيا من عدة نواحي منها:
1- وجود أشخاص من المتشددين الإسلاميين ومن المنتمين لتنظيم داعش في مناطق وإحياء المافيا والعصابات الإجرامية، ومنها إلقاء القبض على (عزيز إحسان) العراقي، بالقرب من نابولي مركز المافيا الايطالية، فتشير التقارير إلى أن إحسان معروف للمخابرات الفرنسية والبلجيكية، التي تشتبه بكونه نقطة اتصال لتنظيم الدولة، لافتا إلى أن شرطة نابولي كانت على علم بوجود مذكرة توقيف دولية بحقه في سويسرا، حيث أنه مطلوب في عدد من الجنح، بما في ذلك التزوير والاعتداء وامتلاك سلاح غير قانوني، وهو الشخص المناسب لمحاولة رسم تفاصيل العلاقة المعقدة بين الجهاديين وعصابات الإجرام الإيطالية المختلفة.
2- شكلت عدد من المدن الأوربية ومنها نابولي، ولسنوات طويلة، مركزا لوجستيا للجماعات المسلحة الإرهابية في الشرق الأوسط، فقد كان هناك تعاون بين مافيا الكامورا الايطالية وهي نشيطة في عالم الإرهاب الجهادي، الذي يمر من نابولي، فنابولي تهتم بمثل هذا النشاط، ففي الماضي كان هناك اتصال بين الجهاديين المتطرفين وعائلات كامورا، ومن المعروف أن عائلات الكامورا تدير مشروعا ناجحا في أراضي نابولي الخالية من القانون، حيث تتاجر بالمخدرات والأسلحة غير المرخصة والوثائق المزورة، التي تسهل لأي شخص دخول أوروبا بشكل غير قانوني لاجتياز حتى أصعب الحدود، كما أنه من المعروف أن الزبائن ليسوا فقط من الإيطاليين. إذ أن القوات المكافحة للمافيا نجحت في إحباط مخططات وتعاون بين الإرهابيين والعصابات، لكن ما هو غير معروف هو إن هناك العديد من المخططات لم يتم كشفه.
3- إن اغلب تجارة الجماعات الإرهابية من الشرق الأوسط يتم بيعها في أوربا، وهي اغلبها تتكون من الآثار، والمواد الثمينة المسروقة، والمخدرات، والنفط المهرب، فقد تم مثلا سرقة اغلب الآثار من مدينة نينوى العراقية، ومن مدينة تدمر السورية، وتم تهريبها عن طريق تركيا إلى أوربا، كما إن النفط المهرب يباع إلى عصابات خاصة بالتهريب عن طريق ميناء جيهان التركي إلى أوربا، كذلك تحويل الأموال هو الأخر يتم عن طريق مصارف خاصة في أوربا، وتورط مجموعات من المافيا الأوربية في مقايضة الأسلحة بالمخدرات مع الجماعات الإرهابية، هذه الأعمال تقوم بها عصابات خاصة كل حسب اختصاصه، لهذا نرى إن هناك علاقة بين تنظيم داعش مثلا وعصابات المافيا في أوربا.
4- وجود بعض المشتبه بصلتهم بالتنظيمات الجهادية في أحياء المافيا هو وجود تعاون بين الطرفين في مجال تأمين وثائق مزورة كالجوازات أو توفير الإقامة لعناصر الجماعات الإرهابية، أو شراء أسلحة بطريقة غير شرعية خاصة وان اغلب أسلحة تنظيم داعش مثلا تأتي عن طريق التهريب عبر تركيا، فقد ذكرت التقارير إلى أن شرطة مكافحة المافيا الإيطالية قامت بثلاثة اعتقالات رئيسية خلال عام 2015، حيث تمت خلالها مصادرة كميات من الأسلحة التي تضمنت كلاشينكوف ومدافع رشاشة شبه أوتوماتيكية وبزات واقية وذخيرة جاهزة للبيع للإرهابيين، ووجدوا أيضا قائمة بالأسعار مطبوعة باللغات العربية والإيطالية والفرنسية، حيث تتراوح الأسعار ما بين 250 يورو إلى 3000 يورو، وهي مصدر مدر للأرباح بين عائلات المافيا في أوربا.
5- حسب العديد من التقارير، هناك مساعدة لوجستية بين الجهاديين الإسلاميين وعصابات المافيا الأوربية والخاصة بنقل المقاتلين الجهاديين عبر أوروبا هي من إحدى أدوات النصب والاحتيال الأصعب تفكيكا، مشيرا إلى أن صلاح عبد السلام، المطلوب رقم واحد على مستوى أوروبا قبل اعتقاله في بلجيكا، قد تنقل بين دول أوربا بحرية من خلال إيطاليا، بمساعدة ما يمكن تسميته وكلاء السفر الذين تدعمهم المافيا، وإنه ركب العبارة من "باري" متوجها إلى اليونان في شهر آب ، واستخدم بطاقة ائتمان إيطالية مسبقة الدفع حتى وقوع هجمات باريس، وتقول السلطات إنه استخدم اسمه الحقيقي وربطه بوثائق إيطالية مزورة في المرتين، وهو مؤشر خطير على حجم التعاون بين المافيا في أوربا والتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط.
6- طور كل من المجرمين والإرهابيين شبكات تتخطى الحدود القومية، فوزعوا نشاطاتهم، وخططهم، عبر عدة قارات، مربكين بذلك الأنظمة القانونية للدول التي تُستخدم كأداة لمكافحة أنماط الجريمة العابرة للحدود القومية في كافة تبديلاتها المتعددة. يُعتبر المجرمون الذين يتخطون الحدود القومية من المستفيدين الرئيسيين من العولمة. فالإرهابيون والمجرمون ينقلون الناس، والأموال، والسلع عبر عالم أمسى التدفق المتزايد للناس، والأموال، والسلع فيه يوفر غطاءاً ممتازاً لنشاطاتهما. اعتمد الإرهابيون ومجموعات الجريمة العابرة للحدود القومية على نظام العولمة للوصول إلى أسواقهم ولتديم أفعالهم وللتهرب من الاكتشاف.
7- كذلك، تطورت صناعة من الخدمات الرئيسية لتوفير خدمة لكافة فئات المجرمين الذين يتخطون الحدود القومية، تشتمل هذه الخدمات على مزودي الوثائق المزورة، ومبيضي الأموال، وحتى مهنيين من المستوى العالي يقدمون خدمات قانونية، ومالية، ومحاسبية إلى كلا المجموعتين. يتبيّن هذا الاتجاه من الحقيقة الظاهرة في محاكمة بنك ريغز في واشنطن العاصمة، الذي شملت لائحة زبائنه القانونيين رؤساء أميركيين والعديدين من أفراد المجتمع الدبلوماسي في العالم، والذي تمّت مقاضاته لقيامة بتبييض الأموال لديكتاتور غينيا الاستوائية ولتسهيله لعمليات تحويل الأموال إلى إرهابيين، فحُكم عليه بدفع غرامة مقدارها 25 مليون دولار. تُبيّن هذه القضية إن نشاطات المجرمين والإرهابيين لا تبقى دائماً ضمن نطاق اقتصاد الظل، بل تتقاطع في أحيان كثيرة مع النظام الاقتصادي المشروع.
المعالجات:
1- يجب وضع إستراتيجية ناجحة للأمن، لان الاستمرار في اعتماد التوصيفات المصطنعة والمتهالكة التي تقول إن المجرمين لا يحفزهم إلاّ الربح، وإن الإرهابيين لا تحفزهم سوى الدوافع السياسية أو الدينية، هو ما يؤدي إلى فشل صانعي السياسة وهيئات فرض تطبيق القانون وواضعي الخطط الإستراتيجية العسكرية، بوجه عام، في التعامل بشكل فعال مع الظاهرة الجديدة لشبكات الجريمة المتخطية للحدود القومية.
2- ابتعاد الدول والمؤسسات المتعددة الأطراف عن المثال الأمني الذي ساد خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، والذي يعتبر النزاعات بين الدول القومية بمثابة التهديد الرئيسي للأمن الدولي، ويفترض، بناءً على ذلك، إن الدول قادرة على التحكّم بالأمن الدولي.
3- معالجة مسألة تقاطع كل من الجريمة والإرهاب والفساد ضمن البيئة العالمية، معالجة البيئة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية التي تولد وتساند هذه الظاهرة. ترتبط كل من تلك الشرور الثلاثة بالمشاكل العميقة العائدة لاختلال التوازنات الاقتصادية بين البلدان، وللحكومات المستبدة، ولغياب فرص العمل في العديد من مناطق العالم.
4- كثيراً ما تعتبر الجريمة كمسألة هامشية للإرهاب، فمنذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، تحولت موارد عديدة في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان عن عمليات مكافحة الجريمة العابرة للحدود القومية إلى عمليات مكافحة الإرهاب، قد يكون هذا التصرف خاطئا بالنسبة للقوات المسلحة ولمجتمعات الاستخبارات، ولغيرها. فالحاجة لمحاربة الجريمة ليست مسألة هامشية بل أنها قضية مركزية بالمطلق للحرب ضد الإرهاب.
5- قيام تعاون دولي أعظم، والى قوانين أكثر انسجاماً، والى تشاطر أكبر للمعلومات الاستخباراتية. وعند تطبيق سياسة مضادة للجريمة والإرهاب العابرين للحدود القومية، يتوجب علينا، بالترافق مع ذلك، احترام حقوق الإنسان وتجنب إجراءات تؤدي إلى تعزيز الراديكالية وتغذية الإرهاب، كذلك نرى ونعامل المجرمين، والإرهابيين، والفاسدين على أنهم متصلون ببعضهم البعض.
إن القوتين الشيطانيتين ، إي العلاقة بين العصابات الاجرامية والارهابيين، تعملان في شراكة مريحة، إذ أن غياب القانون الرادع في بعض دول أوربا وخاصة في ايطاليا وفي نابولي يوفر ظروفا ملائمة للدعم اللوجستي وتبادل الأسلحة والوثائق المزورة، وهناك مجموعات متخصصة تتبعناها في بلديات ومحافظات مختلفة نعرف أنها تسهل للإرهاب، إن تنقل المطلوبين في أوروبا بحرية هي مقلقة بما فيه الكفاية لدول العالم، على الأقل من بث الخوف بين المواطنين، كما أن الأسلحة التي يتم تهريبها عن طريق المافيا ستنتهي باستخدامها في العواصم الأوروبية قبل دول الشرق الأوسط، وقد أثبتت الأيام ذلك من خلال الانفجارات في عدد من دول أوربا.
اضافةتعليق