تحرك العراق في محيطه العربي: الفرص والتحديات

شارك الموضوع :

كان العراق ولا زال يعد قلب الوطن العربي النابض، وبوبته الشرقية على عالم الشرق، منه انطلقت الفتوحات نحو بلاد ايران واسيا الوسطى حتى وصلت الهند والصين، وكان مقرا للخلافة العربية الاسلامية لعدة قرون، اضافة الى ما تحويه ارضه من خيرات وفيرة سمي قديما بارض السواد لكثرة الزراعة فيه، هذا ما جعله محط انظار دول العالم قديما وحديثا، فقد تعرض لعدة غزوات قبل الاسلام وبعده، كل هذه الغزوات لم تضعف الروح القومية فيه، بل كانت عامل قوة ودعم لها على مر العصور، وفي العصر الحديث كان العراق سباقا في العديد من الحروب منها حرب فلسطين 1948، 1956، 1967، 1973، بل كان له دورا في مساعدة العديد من الدول العربية لنيل الاستقلال من الاستعمار الاوربي بل هو اول دول عربية اصبحت عضوا في عصبة الامم عام 1932، وهو تاريخ استقلال العراقي الحقيقي لأنه اكسبه الصفة الدولية الكاملة، وكان عضوا مؤسسا وفعالا في جامعة الدول العربية عام 1945. بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، والاسباب معروفة لكل العالم، نرى ان العراق قد ابتعد نوعا ما عن محيطه العربي، بل حتى ان الدستور لم يذكر ان العراق جزءا من الوطن العربي، بل ذكر قي المادة ( ٣) "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها وجزء من العالم الإسلامي "، كذلك ادت العمليات الارهابية والتي اغلبها مدعومة من دول عربية معروفة، واغلبها نفذ على اساس طائفي وضد طائفة واحدة، الى زيادة الشرخ بين العراق ومحيطه العربي، بل ظهرت مطالبات الى انسحاب العراق من الجامعة العربية التي كانت ودولها قد دعمة الاحتلال الامريكي للعراق بصورة علنية وبكل التسهيلات، بل وقفت ضد الحكومة العراقية المنتخبة بصورة ديمقراطية وهي اول تجربة عربية في الديمقراطي، وكانت هذه التجربة مفتاح لثورات الربيع العربي عام 2011، وان بعض الدول العربية لازالت على موقفها من العراق، وهي مصرة على دعم الحركات الارهابية التي كلفت العراق الكثير، وكانت سببا في دخول داعش لأجزاء واسعة من الموصل والانبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، بل هذه الدول هي من يحرض الاكراد على الانفصال عن العراق، كما لا يمكن ان نغيب عن بالنا دور دول الاقليم المتنافسة على النفوذ في العراق في جر العراق بعيدا عن محيطه العربي، ليسهل عليها السيطرة عليه، والتحكم بالقرار السياسي فيه، بل هذه الدول اصبح لها قواعد قوية بعضها استخباراتي والاخر عسكري واضح للكل. رغم كل التحديات التي واجهها العراق في علاقاته مع الدول العربية، اتجه الى تعزيز التعاون معها في كل الميادين السياسية الاقتصادية والثقافية، بل اصبح عضوا فاعلا في الجامعة العربية، وعقدت القمة العربية لعام في العراق، ورغم ما يمر به من ازمات امنية وضائقة اقتصادية، الا انه سار على نفس طريقه السابق في دعم الدول العربية بكل ما يملك سواء المعنوي والمادي، فقد استمرت شحنات النفط للأردن، هي بأسعار تفضيلية، وهناك مشروع قيد الانشاء بمد خط انابيب للنفط من جنوب العراق الى ميناء العقبة الاردنية لتصدير النفط للخارج عن طريقه، كما ان العراق بدا بتجهيز مصر بكمية من النفط الخام تقدر بـ(مليون برميل) شهريا، بعد ان اوقفت السعودية تزويد مصر بالنفط الخام بعد الخلاف حول قضايا عديدة منها سوريا والخلاف حول جزر تيران وصنافير وغيرها، كما ان الموقف الرسمي للحكومة العراقية بدا باتخاذ الحيادية في قضايا الخلاف بين الدول العربية وبعض دول الجوار الاقليمي، وابتعد عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية التي تشهد اضطرابات داخلية، وزيارة وزير خارجية السعودية للعراق وهي الاولى منذ 2003، لهذا فان موقف العراق الان وخاصة اثناء حكومة رئيس الوزراء السيد(حيدر العبادي)، هو موقف التقارب بين العراق والدول العربية، وهناك عدة اسباب لهذا التقارب، منها: 1- مثل العراق على مدى عقود طويلة موضع اهتمام دولي وإقليمي، تقاطعت فيه المشاريع الكبرى، وبنيت عليه الرهانات المتفاوتة، التي تغيّرت بتغيّر اللاعبين، محليّا وإقليميّا، وبين تأسيس الدولة الحديثة في العراق، في عشرينيات القرن الماضي ويومنا هذا، تغيّر كل شيء تقريبا في النظام الإقليمي العربي. بيد أن إشكالية موقع العراق، ودوره في هذا النظام، ظلت قريبة من جوهرها، الذي بدت عليه لأول مرة، واليوم، تبدو تجاذبات العراق العربية، وكأنها تؤسس لمناخ نفسي يدفعه نحو الانكفاء على الذات، أو الذهاب بعيدا عن محيطه العربي، وفي وضع كهذا، لا بد للعرب من أخذ زمام المبادرة، والتحرك باتجاه يؤكد دورهم وحضورهم في بلاد الرافدين، وهنا، تبدو دول الخليج العربية في مقدمة المعنيين بالتأكيد على عروبة العراق، وانتمائه القومي، لكونها الأكثر تداخلاً معه، بالمعايير كافة، ومتى كسبت دول الخليج العراق، فإنها تكون قد حفظت أمنها الإقليمي، وعززت من ثقلها في المعادلة الإقليمية. 2- الثروة النفطية، يمتلك العراق ثروة نفطية مهمة في إطار بيئته الإقليمية، فهو يملك رابع أكبر احتياطي نفطي عالمي، بعد السعودية وكندا وإيران على التوالي، حيث يحتفظ بـ115 مليار برميل، وفق مؤشرات عام 2008، وعلى صعيد مخزونه من الغاز الطبيعي، يحتل العراق المرتبة العاشرة عالميا، والخامسة عربيا. ويأتي على صعيد النظام الإقليمي الخليجي بعد كل من إيران وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة على التوالي، حيث تفوق احتياطاته قليلاً ثلاثة تريليونات متر مكعب، ويرى العراق عن العامل الاقتصادي هو مفتاح كل مشاكل المنطقة، وان اغلب الدول العربية هي دول غير نفطية وبحاجة للمساعدة الاقتصادية وخاصة النفط الخام مثل (مصر وتونس والاردن وحتى المغرب)، وان الابتعاد عنها سيجعلها تحت رحمة اعداء العرب في المنطقة، وقد تكون سببا لمشاكل المنطقة، لهذا فان دعم هذه الدول هو كسبها الى جانب العراق في مواجهة الارهاب المتطرف. 3- بعض الدول العربية دول فيها صناعات ناشئة، وهي اقل كلفة من الصناعات الدولية الاخرى، لهذا يسعا العراق الى الاستفادة منها لسد حاجة السوق العراقية، والاستفادة من الشركات العربية للاستثمار في العراق لبناء بعض المشاريع فيه. 4- الكتلة الديمغرافية للعراق، ذات الموقع المهم للعرب، على مستوى محيطه الإقليمي خليجيا وعربيا وعلى مستوى الشرق الأوسط، فعدد سكان العراق يبلغ وفقًا للمؤشرات عام 2014، نحو (32 ) مليون نسمة، ويفوق تعداد العراق السكاني تعداد سوريا والأردن مجتمعين، وهو يقع بذلك في الترتيب الـ41 عالميا، والخامس عربيا، والثاني خليجيا، بعد إيران . 5- فائدة مستقبلية ان لم تكن آنية، والخلافات بين العراق والدول العربية ليست عميقة جدا او لا يمكن اعادتها، فهي ليست خلافات مستعصية على الحل، ولم تحدث حروب بين العراق وهذه الدول، لهذا فان كسب هذه الدول الى جانب العراق سوف يبعدها عن محور بعض الدول العربية التي تسعى دائما الى ابعاد العراق عن محيطه العربي، بل سوف يعرقل اي تحرك هذه الدول ضد العراق مستقبلا في الجامعة العربية او في المحيط الدولي. 6- ان سعي العراق في محيطه العربي سوف يقلل من اعتماد العراق على دول الجوار التي لها اطماع ومصالح كبرى في العراق، بل ان بعضها كان السبب في ابتعاد العرب عن العراق، وهذا سيساعد العراق على انهاء الاضطرابات الداخلية والانشقاقات السياسية فيه، ويقود حتما الى تعزز وحدته الداخلية، من خلال اسكات بعض الاصوات التي تدعوا الى عودة العراق للمحيط العربي، وابعاد العراق عن تأثير دول الجوار، خاصة اذا عرفنا ان اغلب الاعتصامات في الانبار والموصل واسباب دخول داعش للعراق حجته ابتعاد العراق عن الدول العربية، كذلك يسعى العراق انهاء النفس الانفصالي في العراق الذي تقوده قوى عراقية عربية من دول مجاورة له، او سحب اي تأييد عربي للأكراد في مسعاهم الانفصالي، المدعوم من الغرب الاوربي. 7- تحرك العراق في محيطه العربي سوف يسحب التأييد الديني من المجموعات التكفيرية، اذ ان الدول العربية مثل مصر والاردن وتونس والسعودية تضم اكبر المراكز الاسلامية في العالم، كما ان هذه الدول كانت لفترات قريبة من داعمي الارهاب الفكري في العالم، لهذا نرى ان بعضها بدا يغير من مواقفه السابقة ويقف ضد الارهاب، كما في موقف علماء الازهر في مصر وعلماء تونس والاردن ضد الحركات الارهابية المتطرفة . 8- الدول العربية هي الاخرى بدأت تدرك اهمية التعاون مع العراق، في المجالات كافة، خاصة بعد ان بدا حربا حقيقية ضد الارهاب في محاولة لإنهائه بشكل كامل من العراق، كذلك ان هذا الارهاب بدا ينتشر في العديد من الدول العربية حتى التي كانت لوقت قريب من الداعمين له، كما ان الدول العربية ادركت ان مقاطعة العراق او غير العراق من الدول العربية، سيدفعها حتما الى اللجوء الى دول الجوار والتحالف معها، لهذا فان الدول العربية بدأت تغيير سياستها من العراق تدريجيا. على الرغم من الرغبات المتبادلة بين العراق والدول العربية في اعادة علاقاتهم التاريخية، والتعاون من جديد ككتلة واحدة للوقوف بوجه التحيات التي تواجه المنطقة، الا ان هناك بعض التحديات التي تواجه هذه العودة منها ما هو داخلي واخرى عربية واقليمية ودولية، وهي: 1- التحديات الداخلية، وهي وقوف بعض الطراف الداخلية في العراق، منها احزاب وكتل وفئات مسلحة، ضد اي تقارب بين العراق والدول العربية، بل تهدد بالعنف او الانفصال في حالة عودة العراق الكاملة ضمن التكتل العربي. 2- على الرغم من ان مساحة العراق تزيد قليلاً على 438 ألف كيلومترا مربعا. وهو يحتل بذلك الموقع 64 على الصعيد العالمي، والعاشر على مستوى الوطن العربي، والثالث في النظام الإقليمي الخليجي، بعد السعودية وإيران على التوالي، بيد أن المعضلة لا تكمن في مدى مساحة العراق، بل في تكوينه الجيوسياسي. وتحديدا وهن ذراعه البحري، الذي لا يتعدى 58 كيلومترا، من إجمالي حدوده البالغة 3708 كيلومترا. أي أن حصة ساحله لا تتجاوز 0.015% من هذه الحدود، وعلى خلفية تكوينه الجيوسياسي هذا، بدا العراق في حاجة إلى طرق المواصلات التي تربطه بالموانئ الإقليمية المختلفة، مع الأردن أو سوريا أو تركيا. بل وحتى السعودية، حيث شُيّد في الثمانينيات خطٌ لتفريغ النفط العراقي في ميناء ينبع على البحر الأحمر، وعلى الرغم من ذلك، فإن المقاربة الكلية لمكانة العراق الجغرافية لا تشير إلى وهن، بل إلى حالة متوسطة، تقترب من كونها متقدمة. وذلك بمعيار عدد ومكانة الدول المجاورة له. وحساسية تخومه ذاتها في الحسابات الجيوإستراتيجية، الإقليمية والدولية. 3- التحديات العربية، يقف على راس هذه التحديات الدول العربية الخليجية، هذه الدول ومنذ احتلال العراق وخرجه من كتلة الدول العربية المؤثرة، ثم ثورات الربيع العربي التي اسقطت بعض الدول العربية المؤثرة مثل مصر وسوريا وتونس واليمن، تحاول هذه الدول ان تأخذ دور الدول العربية الاقليمية المهمة، على الرغم من انها لا يمكن ان تصل الى هذا الدور رغم امكانياتها الاقتصادية الهائلة، لان الدول العربية التي كان لها دور في الجامعة العربية تملك مميزات لا يمكن لدول الخليج ان تعوضه مهما بلغت من امكانيات اقتصادية، لهذا تحاول هذه الدول ان تتمسك بهذا الدور من خلال اثارة الفوضى في الدول العربية الاخرى، واثارة الخلافات بينها من خلال الاموال التي تملكها. 4- التحديات الاقليمية، تبقى التحديات الاقليمية على راس هذه التحديات التي تحاول ابعاد العراق عن محيطه العربي، ومنها ايران وتركيا، فايران التي لها دور مؤثر في العراق من خلال قوتها العسكرية الهائلة، وهي ترى ان عودة العراق للمحيط العربي سيكون عائق امام نفوذها في المنطقة، كما انها تخشى من استغلال العراق مرة اخرى ضد ايران، تركيا هي الاخرى دائما تبحث عن دور منفرد مع كل دول عربية على حدة، فهي من جهة تدعم الاخوان المسلمين في الدول العربية، ثم تقوم على تعزيز علاقاتها مع دول الخليج العربية التي تحارب فكر الاخوان بكل قوة، ثم هي من دعم الارهاب في سوريا، وهي الان نبحث عم حل ودور لها في سوريا بالتعاون مع ايران وروسيا، وفي العراق تضغط من جهة على العراق، وخاصة في قضية تحرير الموصل، وتساعد الاكراد على حساب الدول الاتحادية، في نفس الوقت تطالب العراق بأنهاء تواجد حزب العمال، وتتدخل في شؤونه الداخلية، بل كانت دائما بابا للمساعدات العسكرية الخليجية للمجموعات المسلحة في العراق. 5- التحديات الدولية، كانت ولا زالت الدول الاوربية الغربية تقف عائقا امام اي تقارب عربي – عربي او عربي - اسلامي، فهي دوما تحاول اثارة المشاكل بين الدول العربية لتبقى هي سيدة الموقف، وهي من يبيع السلاح على العرب للتقاتل بينهم، وقد ذكرت بعض المصادر ان اكبر ممول سلاح للتحالف السعودي ضد اليمن هي بريطانيا، فهي ممول رئيسي للسلاح لدول الخليج العربية، لهذا فهي لا تريد عودة العراق ثانية للساحة العربية، لأنه اول من اسس لفكرة تأميم النفط في المنطقة العربية بعد ثورة عبد الكريم قاسم 1958، وهو اول من طالب بالاستقلال من الاستعمار. الموقع الذي تبوئه العراق في معادلة القوة الإقليمية، في سياقها الكلي، وان لم يؤهله للاطلاع بدور قيادي إقليمي شامل، الا انه جعل منه عصيا على الانقياد، وهذا ما أثبتته التجربة التاريخية منذ ولادة الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، فقد بات العراق يمثل "بيضة القبان"، من ظفر به فقد كسب التوازن الإقليمي، إلا أنه لم يربح أحد الرهان، منذ ثمانين عاما وحتى اليوم، وهذا ينطبق على الخليجيين والإيرانيين على حد سواء، وعلى كافة المعنيين في هذا الوطن العربي عدم النظر إلى العراق من زاوية مصالحهم القطرية الضيقة، التي أدخلتنا لعقود في دوامة التجاذبات وصراعات النفوذ، ولا بد، في السياق ذاته، من أن يُعطى العراقيون موقعهم الذي يستحقونه في محيطهم العربي، فقد كانوا في طليعة المضحين من أجله.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية