مصير الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية على إيران بعد تسلم ترامب الرئاسة الأمريكية؟

شارك الموضوع :

على الرغم من ما قد تحققه إيران من مكاسب من الاتفاق النووي بينها وبين الدول ( 5+1 ) ورفع بعض العقوبات عنها، والذي عد اكبر مكسب للحكومة وللدبلوماسية الإيرانية، إذ تعد إيران أول دولة من دول العالم النامي تستطيع انتزاع حق من الغرب عن طريق المفاوضات وبدون خسائر أو الدخول في مواجهات عسكرية معهم، على قرار ما حصل للعراق من 1991 إلى الاحتلال عام 2003، إلا أن فوز المرشح (دونالد ترامب) بالرئاسة الأمريكية والذي يعد من اشد المعارضين للاتفاق النووي مع إيران، فقد قال إثناء حملته الانتخابية انه سوف يقوم بإلغاء هذا الاتفاق حال فوزه بالرئاسة، وهو ألان قد فاز بها وتستلم منصبه في 20/1/2017، لقد مدد الكونغرس الامريكي العقوبات على إيران لمدة عشرة سنوات أخرى، وهي مدة ليس بالقليلة، فقد أيد مجلس الشيوخ تمديد العقوبات بأغلبية (99) شيخا بدون معارضة تذكر في الثاني من كانون الأول 2016، بعد أن حصل التمديد على تأييد مجلس النواب في تشرين الثاني التمديد بالأغلبية أيضا، كما ان ادارة الرئيس المنتخب (ترامب) فرضت عقوبات جديدة في 3 شباط شملت (12) مؤسسة و(13) شخصا، ردا على التجربة الصاروخية التي اجرتها ايران، كما اعلن الرئيس الامريكي الجديد ان كل الاحتمالات مفتوحة للتعامل مع ايران، واعلن ايضا ان ايران اكبر دولة ارهابية في العالم، وهي اوصاف قل ما ظهرت من مسؤول امريكي كبير بهذا الوصف، لهذا فان الفترة القادمة سوف تشهد نوع من التجاذب بين الدولتين، ورغم من ان الحرب مستبعدة بينهما، الا ان هناك عدد من الفرص التي يمكن لأمريكا استخدامها ضد ايران في المستقبل، وهي: 1- إن القرار الدولي المرقم 2231، لا يلغي العقوبات بشكل آلي، بل من خلال شروط القرارات الدولية السابقة التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي وتحت البند السابع للأمم المتحدة، وهذا الإلغاء هو مشروط حتى نهاية المدى الزمني للقرار الجديد، ويمكن إحياؤها من خلال الآلية الموضوعة في القرار الجديد لإعادة العمل بالحظر، كما أن إلغاء القرارات والحظر مرتبط بوفاء إيران بالتزاماتها، وتأييد ذلك من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وينص مشروع القرار على أن إلغاء القرارات السابقة يتم بعد استلام تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول التزام إيران بكافة التزاماتها، وفي حالة إذا ما ادعى أحد أعضاء دول مجموعة 5+1، أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران نقضت بنود الاتفاق، يمكنه أن يرفع ذلك إلى لجنة مشتركة من 8 أعضاء (إيران، أميركا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، والاتحاد الأوروبي)، وإذا لم يتم حل ذلك في هذه اللجنة الذي يمتلك الجانب الغربي الأكثرية فيها دائما، سيتم رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يصوت على استمرار إلغاء القرارات السابقة - وهي طريقة جديدة التف فيها الغرب لمنع الصين وروسيا من حق استخدام النقض الفيتو- وإذا لم يتم التصويت خلال الثلاثين يوماً على القرار، فان الحظر سيعود إلى ما كان عليه، وسيعمل زناد الحظر تلقائياً، بحسب المصطلح الدارج، وهذا يعني حسب رأي العديد من الباحثين إن إيران ستكون رهينة الدول الغربية وتقارير المفتشين الدوليين على غرار ما حصل في العراق- وان أي سوء تفاهم بين إيران والمفتشين الدوليين سوف يؤدي إلى فرض العقوبات مجددا. 2- على الرغم من الدعوات الأمريكية للتهدئة بين دول الخليج وإيران، إلا إن أمريكا في حقيقة الأمر هي من يغذي هذا التوتر من خلال إتباع سياسات تزيد التباعد والشقاق بينهم، فقد أكد محللون إن قرار الكونغرس الأمريكي تمديد العقوبات على إيران، ومنع سقر مواطني سبع دول شرق اوسطية منها ايران، الغرض منه قطع لأي تقارب سعودي إيراني، بعد أن تم حل بعض قضايا المنطقة بالتوافق ومنها انتخاب رئيس للبنان، وترشيح الحريري لرئاسة الوزراء، من اجل إعداد لبنان لكي تلعب دور جديد نحو الوساطة والتقارب بين طهران والرياض، فأرادت واشنطن إشعال الوضع بالخليج بين إيران والعرب، فبكل تأكيد خطوة استفزازية مثل تلك، سترفع درجة التوتر بالخليج إلى أقصى درجة ممكنة كي توقع دول الخليج مجددا عقود صفقات تسليح بعشرات المليارات مع أمريكا، كي تكون تخلصت الولايات المتحدة من أخر مخزونها من السلاح بأسعار خيالية، برغم ما عقدته دول الخليج خلال العالم الحالي والماضي من عقود أسلحة مع أمريكا قد تفوق قيمتها 180 مليار دولار أمريكي، لان دعوة (دونالد ترامب) من إن تدفع دول الخليج للولايات المتحدة ثمنا حماية أمريكا لها، قد يتم من خلال صفقات السلاح الخيالية. 3- استمرار الخطابات المتشنجة بين إيران وأمريكا، رغم الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها، هذا ما يؤكد استمرار الخلافات بين إيران وأمريكا، إذ إن عقلية صانع القرار الأمريكي في البيت الأبيض هي انعكاس لسياسة المؤسسات الأخرى ولا تخرج عنها، بل هناك تعاون وتوافق بين المؤسسات الأمريكية كافة فيما يخص السياسة العليا للدولة، حتى الخلافات التي يراها البعض بين المؤسسات هي خلافات حول أساليب العمل وطريقة التنفيذ، وليس خلافات جوهرية قد تضر بمصالح أمريكا، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ( مارك تونر) " ... إن أي طرف يمكنه الانسحاب من الاتفاق الذي أبرمته الدول العظمى وإيران العام الماضي لضمان عدم حيازة طهران السلاح الذري...... وشدد المسؤول الأميركي على أن الاتفاق مع إيران ليس ملزما من الناحية القانونية ولكن إدارة الرئيس (باراك أوباما) ترى أن من مصلحة الولايات المتحدة التمسك به"، كما إن النواب الديمقراطيون في الكونغرس الذين ساندوا الاتفاق النووي إنهم لا يعتقدون أن تمديد قانون العقوبات ينتهك الاتفاق النووي لأنه يواصل نظاما للعقوبات قائما بالفعل، لهذا فان المصلحة وحدها هي من تحدد سياسة أمريكا في العالم وليس الاتفاقات. 4- لم يظهر أي اعتراض أو تنديد من شركاء الولايات المتحدة الذين وقعوا الاتفاق النووي مع إيران، حتى من الدول التي تعد حليفة أو صديقة لإيران مثل (روسيا والصين)، على تصريحات الرئيس (ترامب) بإلغاء او تعديل الاتفاق النووي مع إيران، او وصف ايران بانها داعمة للإرهاب في المنطقة، لهذا فان أمريكا دائما تلعب على حبل التناقضات الدولية في تحقيق مصالحها، فهي تدعي دائما وتقنع هذه الدول بان إيران سبب لاستمرار الصراع في سوريا واليمن، وبهذا فان اغلب دول أوربا تتوافق سياستها مع السياسة الأمريكية ضد إيران. 5- أن الرئيس (ترامب) وإدارته الجديدة (التي بغلب عليها التشدد) سوف تصعد من تصريحاتها العدائية ضد طهران، وأن هذه السياسة ستصبح الرؤية السائدة للسياسة الخارجية الأمريكية تحت حكم الجمهوريين على البيت الأبيض وهي تتوافق مع وجهت نظر مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة، وأن الإدارة الأمريكية المقبلة ستحاول إعادة النظر في بعض بنود الاتفاق النووي وترغيب دول مجموعة 5+1 على تدشين جولة جديدة من المفاوضات مع إيران، إذ إن سياسة الجمهوريين هي دائما سياسة عنيفة وأكثر استخداما للقوة العسكرية في العالم. 6- شروط وتعهدات ومراقبة البرنامج النووي الإيراني التي تمتد إلى عشر سنوات، قيدت إيران أكثر، وجعلت منها مكشوف وتحت رحمة الغرب، وتحت رحمة أمريكا من خلال منظومة الأمم المتحدة، فقد منع التخصيب في محطتي ( فوردو، ونطنز)، ومراقبة الأنشطة النووية تبدأ من المناجم إلى المحطات، وعدم بناء محطات جديدة لمدة 15 سنة ، وتفتيش المواقع العسكرية التي تثار الشكوك حولها، وهذا يعني إن إيران سوف تواجه مشاكل عديدة مع المفتشين وخاصة حول المواقع العسكرية التي أكد الإيرانيين أكثر من مرة بأنها خط احمر، ولن يسمح بتفتيشها، وقد تكون تجربة العراق مع المفتشين الدوليين هي السائدة مع إيران أيضا. 7- إن الاتفاق النووي فتح عدة جبهات معارضة ضد سياسة أمريكا تجاه إيران، وهي دول الخليج العربية والكيان الصهيوني، والمدعوم من منظمة ايباك اليهودية في أمريكا، هذه المنظمة التي تملك الكثير من التأثير على أعضاء الكونغرس والحكومة الأمريكية، علما إن لمنظمات الضغط اليهودية تأثير على العديد من دول أوربا وليس في أمريكا فقط، لذلك اعتقد إن هذا التأثير والضغط سوف يستمر على الحكومات الأوربية والأمريكية، وقد يضع العديد من العقبات في طريق تحقيق الاتفاق، ولا ننسى معارضة بعض دول المنطقة ومنها السعودية التي أكدت أنها لا تعارض الاتفاق بشرط إن يمنع إيران من إنتاج سلاح نووي، كذلك تطالب السعودية بموقف أمريكي لردع النفوذ الإيراني بالمنطقة، ومنعها من دعم بعض المنظمات المسلحة، ويرى البعض إن عدم تنفيذ أمريكا لشروط هذه الدول، قد يقود إلى قيام هذه الدول من زيادة دعمها للمنظمات الإرهابية مثل (داعش، والنصرة)، من اجل إجبار أمريكا على أتباع سياسة تتوافق معها، مما قد يقود إلى وضع العراقيل أمام الاتفاق النووي. 8- إن الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران فتح المزيد من التوتر والمزيد من سباق التسلح وأجواء الاستقطاب في المنطقة، ومزيد من السياسات الصراعية التي تستنزف موارد وجهود ينتظر أن توجه لملفات التنمية البشرية المتدهورة (الصحة والتعليم والإسكان ...الخ). وإذا كان من غير الوارد أن تستسلم دول المنطقة لدور إيراني ، فإن الاستسلام لأجواء الصراع والتناحر لا تبدو مستبعدة، فقد وقعت السعودية اتفاقا نوويا مع كوريا الجنوبية، خلال استقبال العاهل السعودي لرئيسة كوريا في الرياض، كما استقبل الملك سلمان رئيس الوزراء الباكستاني المقرب من الرياض نواز شريف، وهو ما استدعى تاريخ من الدعم السعودي للبرنامج النووي الباكستاني، كذلك لا ننسى حضور رئيسة وزراء بريطانيا (تريزا ماي) في القمة الخليجية المنعقدة في البحرين، وتقديمها التعهد والدعم الكامل لدول الخليج في مواجهة إيران، وانتقادها سياسة إيران في المنطقة، وهذا يعد مؤشر خطير قد يجعل من أمريكا تعيد سياستها تجاه إيران، وخاصة ما يتعلق بالبرنامج النووي ورفع العقوبات عنها، خشية من تراجع دورها ونفوذها في المنطقة. 9- على الرغم من إن أمريكا لم تسمح لدولة ما في المنطقة إن تقوم بصنع سلاح نووي يكون منافسا وخطرا على حليفتها الرئيسية في المنطقة الكيان الصهيوني، إلا إن هدف أمريكا الأساس ليس وقف البرنامج النووي الإيراني السلمي، -الذي هي من سمحت به في عهد الشاه محمد رضا بهلوي في ستينات القرن الماضي- بل هو تغير النظام السياسي في إيران إلى نظام سياسي يتلاءم مع سياستها في المنطقة، فأمريكا تعد إيران من الدول المهمة في المنطقة ومن حلفاءها الرئيسيين في السابق، لهذا تحاول وبطرق عديدة وبالتعاون مع بعض الجهات الإيرانية في الداخل والخارج لإزاحة هذا النظام وقيام نظام سياسي جديد يتبنى أطروحاتها في المنطقة، ويكون بعيدا عن روسيا والصين. ختاما، على الرغم من التهليل والمباركة الدولية للاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، إلا إن بعض المحللين والمتابعين يرون إن فيهما الكثير من نقاط المعوقات والفخاخ ، والتي قد تكون نقاط معرقلة بدلا من إن تكون حلا، فالمشاكل بين الدولتين لا زالت قائمة، وما البرنامج النووي إلا جزء بسيط من هذه المشاكل، ومسوغ لاستمرار الضغط على إيران، فحتى لو إن إيران كسبت جولة ما في المفاوضات من خلال رفع العقوبات الدولية أو الاعتراف ببرنامجها النووي السلمي، إلا إن شروط التفتيش على المفاعل النووية والمواقع العسكرية وبرنامج الصواريخ، وحقوق الإنسان ودعم المنظمات المسلحة في المنطقة، تعد سلاح بيد أمريكا، يمكن للإدارة الجديدة من استغلالها إلى ابعد حد من اجل الوصول لأغراضها وغاياتها، فمن جهة تريد أمريكا إن تبرئ ساحتها أمام العالم وإنها فعلت ما بوسعها لأجل الاتفاق مع إيران، ومن جهة أخرى قد تستغل فرق التفتيش الدولية لأغراض استخباراتية للتجسس على إيران، ونؤكد مرة أخرى إن تجربة العراق مع المفتشين والغرب واضحة أمام الإيرانيين، وهذا ما دفع المرشد الأعلى (علي الخامنئي) إلى دعوة الإيرانيين إلى الحذر من مخططات الغرب، والى التأكيد على عدم استغلال الاتفاق النووية من قبل الغرب أو محاولة الالتفاف عليه، لهذا فان فرض الكونغرس الأمريكي للعقوبات على إيران، وبمجلسيه (النواب والشيوخ)، يدل بما لا يقبل الشك إن نوايا أمريكا تجاه إيران لن تتغير بتغير الرؤساء، بل هناك سياسة عداء أمريكية ثابتة تجاه النظام السياسي القائم في إيران، وان ما صرح به (ترامب) هو شيء طبيعي وضمن السياسة العامة الأمريكية في المنطقة.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية