يحتفي العراق هذه الايام حكومةً وشعباً بالذكرى الـسادسة والتسعين لتأسيس اول نواة للقوات المسلحة العراقية عام 1921. وعندما نتكلم اليوم عن القوات العراقية فان الكلام يشمل صنوف وتشكيلات تلك القوات كافة. حاليا القوات المسلحة العراقية محط أنظار واهتمام كل شعوب وحكومات العالم ومنظماته العالمية والاقليمية –بصرف النظر عن مواقفها من العراق-كونها القوات الوحيدة التي تقاتل الارهاب – الذي استحوذ على فكر صانعي القرار والسياسات العامة لاسيما في مجالها الامني – بشكل مباشر وليس بينها وبين العصابات الارهابية سوى أمتار.
بعد التغيير السياسي عام 2003، أُريد للمؤسسة الامنية العراقية محليا وأقليميا ان تبقى حبيسة الضعف والفساد وبأمرة غير المختصين وان تنشغل بمهام حماية السلطة التي عاشتها قبل ذلك التغيير. وهذه الارادة جائت لكسر قوة تلك المؤسسة وهيبتها وَليّ أذرعها لأن لا تكون ذات دور اكبر مما كانت عليه قبل عام 2003، وبالموازاة مع التخوف من ان يظهر العراق صاحب دور اقليمي ويتصدر زعامة المنطقة. بعبارة اخرى لم تكن المؤسسة العسكرية احسن حالاً من مؤسسات الدولة العراقية الاخرى.
هذه المعطيات قادت الى نكسة أمنية وانهيار كبيرين للقوات المسلحة لم تشهدهما الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها 1921. النكسة التي تجسدت بسيطرة مئات من الارهابيين على اكثر من ثلث مساحة البلاد في حزيران 2014. ووفقا لمراقبين كُثر ان تلك النكسة والانهيار للقوات المسلحة كانت سياسية ومخطط لها محليا واقليميا لتبقى حالة اللادولة واللانظام هي السائدة وتكون تلك القوات رهينة فسادها ولتبقى جهات معينة متسيدة الوضع المحلي وهو مايصب بمصالح بعض الاطراف الاقليمية التي تريد ان يبقى العراق المجال الحيوي لها وورقة تُستخدم لصراعاتها الاقليمية والدولية. الامر الذي شكل تحدي كبير للمؤسسة الامنية العراقية. مع ذلك، تحول هذا التحدي الى فرصة كبيرة لأعادة تلك المؤسسة لنشاطها وتجديد قوتها وتريميم جراحاتها بعد فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني اية الله السيد على السيستاني.
وعلى الرغم من ان الفتوى اكدت على تطوع من لديه القدرة على حمل السلاح في صفوف القوات الامنية العراقية، الا ان تلك المؤسسة العسكرية كانت تعاني الانهيار حينذاك السبب الذي جعلها غير قادرة على استيعاب المتطوعين الملبين للفتوى في صفوفها. وبالتالي تشكلت وحدات لاولئك المتطوعين اطلق عليها تسمية وحدات الحشد الشعبي فيما بعد.
ومع تأكيد البعض على ان تلك الفتوى تم مصادرتها سياسيا واتخاذها غطاء لتشكيل فصائل عسكرية ترتبط بالاحزاب الحاكمة وعدّهم ذلك تحديا آخر امام أستكمال بناء المؤسسة العسكرية وان تلك الفصائل تعمل لصالح استمرارية دورها، الا ان الواقع يؤكد العكس. اذ اصبحت قوات الحشد الشعبي ساند قوي للمؤسسة العسكرية واصبح جزءا منها. وهذا يضع امام صانع القرار فرصة كبيرة لابد من استثمارها بأتجاه تعزيز قوة المؤسسة العسكرية بوضع آليات تضمن اندماج قوات الحشد الشعبي في تلك المؤسسة وتذويب انتمائاتهم الحزبية والكتلوية الضيقة لتكون تحت راية المؤسسة العسكرية العراقية وتؤمن بعقيدتها وتلتزم بالقرار السياسي والعسكري للقائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء.
حاليا يشكل خوض القوات العراقية لمعاركها ضد العصابات الارهابية في اكبر مركز سكاني لتلك العصابات بعد مدينة الرقة السورية وهي مدينة الموصل وبدء المرحلة الثانية لعمليات تحرير الموصل، مؤشر واضح على استعادة تلك القوات لقدراتها التكتيكية واللوجستية الضامنة لتحقيق انتصاراتها المتلاحقة بدءا من تحرير محافظة ديالى ومرورا بمحافظة صلاح الدين والانبار واخيرا عمليات تحرير الموصل.
المؤشر الاخر ان القوات العراقية استطاعت القتال على جبهات متعددة وصلت في بعض الاحيان الى اكثر من (7) جبهات في آن واحد خلال الاشهر الماضية. ومع بدء عمليات تحرير مدن غرب الانبار (عنة ، راوة ، وحديثة، والقائم) - وهي جبهة واسعة – التي انطلقت يوم 5 كانون الثاني 2017 اصبحت القوات العراقية تقاتل على جبهتين كبيرتين وهذا ايضا مؤشر قوة اخر.
كل ماسبق يشكل عامل قوة للمؤسسة الامنية العراقية. وفي الوقت الذي يشكل فيه عامل الزمن – اي المرحلة الحالية وصعوباتها – تحديا امام تلك المؤسسة، الا انها تشكل في الوقت ذاته فرصة لتعزيز قوتها من حيث التدريب والتسليح وعديد الافراد الامر الذي يضع صانعي القرار والقائمين على هذه المؤسسة امام مسؤولية استكمال بنائها وابعادها عن التأثير السياسي المحلي والاقليمي وتذويب الانتماءات الفرعية داخل المؤسسة كون ذلك هو مطلب المرحلة الحالية. كذلك تعاني المؤسسة العسكرية من الفساد المنتشر لدى بعض مواقعها وبالتالي لابد من وضح آلية للوقوف على مكامن الفساد وردع رعاته. كذلك لابد من الاستفادة من اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الاميركية عبر ترجمتها على ارض الواقع من خلال تطوير منظومات التسليح والتدريب للقوات المسلحة العراقية.
اضافةتعليق