دعم السعودية لمجاهدي خلق... اتكاء على السراب

شارك الموضوع :

عقدت المعارضة الإيرانية متمثلة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية تحت قيادة منظمة مجاهدي خلق في العاصمة الفرنسية، السبت 9 تموز 2016، تجمع بحضور عدد من أقطاب المعارضة، وقد كان المؤتمر تحت قيادة المعارضة، مريم رجوي، وقد حضر أيضا عدد من المسؤولين من أمريكا ودول أوربية منهم مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق فيليب كراولي، أستاذ العلاقات العامة فريدريك أنكل، مارك غينسبرغ السفير الأمريكي السابق في المغرب والمستشار السابق للرئيس الأمريكي لسياسات الشرق الأوسط، لمستشارة السابقة للرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي فرانسيس تونسند، الرئيس السابق للوفد الأوروبي للعلاقات مع العراق ستراون استيفنسون، ولكن اللافت في هذا المؤتمر حضور احد أقطاب الحكم السعودي متمثل برئيس الاستخبارات السابق تركي الفيصل الذي كان عراب المؤتمر والداعم الأساسي له، وقد انتقد النظام الإيراني بقوة وحمله مشاكل المنطقة، إضافة إلى انه انتقد أيضا حركات المقاومة الإسلامية سنة وشيعة، ومنها حركة حماس واعتبرها أداة بيد إيران، في المنطقة، وهو يعد أول تدخل رسمي سعودي في الشؤون الإيرانية، وهو ما يعد مؤشر خطير في صراع المنطقة، فقد تحول الصراع من صراع بالوكالة إلى صراع مباشر، بدون إدراك تبعات هذه الخطوة على الأمن السعودي والمنطقة. وهي من أهم المنظمات التي ظهرت في إيران وتشكلت نواتها الأولى عام 1965، وتأسست من قبل ثلاثة أشخاص هم (محمد حنيف ، وسعيد محسن ، وعلي اصغر بديع) بعد إن انشقت عن حركة تحرير إيران التي ظلت تحت رئاسة ( مهدي بزركان )، وكانت أفكارهم عند تأسيس المنظمة دينية إسلامية ، إلا أنهم انفتحوا على الأفكار الماركسية والثورية وحاولوا مزاوجتها مع الإسلام في عام 1975، فقد اعتقد قادتها بعدم وجود تعارض مابين الأفكار الإسلامية الثورية والماركسية ، لذا وصفت من قبل البعض بالمنظمة اليسارية ، بينما يصفها آخرون بالمنظمة الإسلامية، وضمت المنظمة في بداية تأسيسها عددا من طلاب المدارس وفئات المثقفين والثوريين ، وكان هدفها هو خلق مجتمع خالٍ من الطبقات، وهي تعادي الاستعمار والاستغلال ، والرجعية ، وتتبنى الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها، ومارست المنظمة الكفاح المسلح ضد النظام الملكي وأسهمت بصورة جدية في إسقاطه ، كما شاركت في إقامة الجمهورية الإسلامية عام 1979، وعلى الرغم من تأييد المنظمة ل( آية الله الخميني ) وإعلان الجمهورية الإسلامية إلا إن الطرفين قد اختلفا على نوع نظام الحكم ، وكتابة الدستور ، وحول نظرية ولاية الفقيه ، وأكدت إن البلاد يجب أن تدار من قبل مجالس شعبية ، وسلطة الجماهير ، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وفي عام 1981 دخلت المنظمة في صراع مع السلطة الحاكمة الجديدة ، خاصة بعد عزل الرئيس السابق ( أبو الحسن بني صدر ) عام 1981، ولجوئه إلى معاقل المنظمة أول الأمر ، وأدت المصادمات بين الطرفين إلى سقوط العديد من الضحايا خاصة انفجار مقر الحزب الإسلامي ومقر الحكومة الإيرانية ، مما أدى إلى مقتل رئيس الجمهورية ( محمد علي رجائي ) عام 1981 ومعه ورئيس حكومته ، هرب بعدها زعيم الحركة ( مسعود رجوي ) إلى فرنسا عام 1981، وانخرطت المنظمة في أعمال تشكيل مجلس المقاومة الإيرانية في المنفى ، وضم في البداية أنصار ( بني صدر ) ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، ومجموعات معارضة قومية ويسارية عديدة ، إلا إن هذا المجلس لم يدم طويلا إذ سرعان ما أخذت الانشقاقات تدب فيه بسبب ما وصف من قبل المعارضة بدكتاتورية (مسعود رجوي) ، وزاد من الانشقاق لجوء زعيم المنظمة إلى العراق عام 1986 وتعاونه معه ، وهو ما اعتبرته المعارضة خيانة لإيران، وهي ألان مشتتة بين العراق الرافض لبقائها ودول أوربا المتذبذبة في دعمها. لقد أدرجت زعيمة ما يسمى بالمعارضة الإيرانية مريم رجوي عدد من الأسباب لعقد المؤتمر والدعوة لتغيير النظام في إيران، منها، إن النظام الإيراني تدخل في سوريا للتغطية على فشله، وشددت على أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران يشوبها التضارب وأفرزت مصائب للمنطقة، كما أنها اتهمت النظام الإيراني بتهميش السنة في إيران، وإنهم يتعرضون للاعتداء والقمع من قبل النظام أكثر من ذي قبل، كذلك اتهمت إيران، وهو نفس اتهام بني سعود لإيران وهو دعم إيران لداعش، وان انتهاء داعش بإخراج إيران من العراق وسوريا واليمن. هنا يطرح السؤال التالي: هل يحقق تدخل السعودية بشكل مباشر إلى جانب المعارضة الإيرانية انجازا ضد إيران؟ إن السعودية تدرك جيدا إن ورقة المعارضة الإيرانية ورقة معقدة جدا، ولا يمكن للسعودية إن تغوص في أعماقها، لان هناك دول قبلها قد ركبت هذه الموجه وفشلت في تحقيق أي نتيجة ضد إيران ومنها العراق الذي استخدم هذه الورقة سابقا، من عام 1986 إلى عام 2003، ولم يحقق أي شيء يذكر بل أصبحوا ضيف ثقيل على العراقيين، وأصبح العالم يبحث عن مؤوى لهم، وهناك عدة أسباب تقف عائق أمام السعودية من استثمار هذه المعارضة ومنها: 1- هنالك من يقول أن السعودية أخطأت بإعلان دعمها للمعارضة الإيرانية وأن ذلك سيعطي ذريعة لإيران بعمل المثل، وأنه لا يستبعد "تنشيط طهران لخلايا حزب الله النائمة في دول الخليج، خاصة وان هناك حركة إصلاحية قوية في البحرين منذ خمس سنوات، كما إن المنطقة الشرقية في السعودية قد تكون ساحة إيران المقبلة في السعودية، حتى الإمارات سوف لن تستثنى من هذا الأمر لوجود جالية إيرانية كبيرة فيها، كذلك وجود معارضة سعودية ناشطة في دول غربية بعضها من أصدقاء ال سعود ومنها المعارضة السعودية في بريطانيا، لهذا فليس صعبا على ايران ان تنضم مؤتمرا للمعارضة السعودية في اوروبا، خاصة وان الشعب السعودي يرزح تحت نظام ملكي تسلطي، لا وجود فيه لأي انتخابات او تداول سلمي للسلطة او أي حقوق ديمقراطية، كما وان هناك امتعاض شعبي اوربي من نظام ال سعود، بعد عمليات التفجير التي راح ضحيتها المئات في فرنسا وبلجيكا وغيرها، وقد كان تنظيم داعش الارهابي وراءها، وهو ذات الاصول الفكرية السعودية والوهابية. 2- وقوف عدد من دول المنطقة وحركات التحرر ضد تدخل السعودية الى جانب المعارضة الايرانية، خاصة بعد تصريحات تركي الفيصل ضد هذه الحركات ومنها منظمات المقاومة الاسلامية في فلسطين، كحركة حماس والجهاد الاسلامي، وقد اكد في تصريحاته ان إيران دعمت حركة حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله وتنظيم القاعدة لإشاعة الفوضى في المنطقة، والذي نفته حماس بشدة واكدت انها حركات مقاومة ضد اسرائيل، كما ان ربط هذه المنظمات بالقاعدة قد يعطى دعما لإسرائيل لكي يشن ضربات ضدها، وهو ما يفسر الامتعاض الفلسطيني من تصريحات الفيصل، وهو ما يؤشر على تخبط السياسة السعودية في المنطقة. 3- النبرة الطائفية العربية في المؤتمر، ففي الوقت الذي تدعوا فيه المعارضة الايرانية الى تغيير النظام الايراني الاسلامي، واقامة نظام سياسي لا ديني، علما ان اغلب اقطاب المعارضة الايرانية بما فيهم عائلة رجوي هم من الشيعة، ان الوفود العربية المشاركة في المؤتمر كانت تؤكد على الجانب المذهبي للنظام الايراني، فقد قال رئيس الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر المعارضة الإيرانية، محمد اللحام، إن "نظام ولاية الفقيه الإيراني يتحدى المجتمع الدولي عبر تأصيله للمذهبية والطائفية في دستوره، وإرسال ميليشياته للقتل وإثارة الفتن عبر الحدود، وان الشعب الفلسطيني دفع ثمناً غالياً جراء التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية الفلسطينية"، وهو بعيد كل البعد عن حقيقة موقف العرب من المعارضة الايرانية، وان هدفهم هو تدمير الدولة الايرانية وليس تغيير النظام فقط، وهو امر تدركه المعارضة الايرانية الحقيقية المتمثلة بالمعارضة القومية والعلمانية والضباط الكبار. 4- ان مشاركة السعودية مع منظمة خلق في المؤتمر هو كمن يبحث في القمامة عن شيء ثمين، فقد جرب العراق سابقا التعاون مع هذه المنظمة التي فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أي نصر لها او للعراق، فقد فشل هجومهم عام 1989 على ايران بمساعدة العراق، وتكبدوا خسائر جسيمة، كما ان اعتماد السعودية على المنظمات التي تصنف عالميا كمنظمات ارهابية سوف يرتد عكسيا عليها، خاصة وان اعتماد السعودية على القاعدة والنصرة وداعش قد جعل اغلب شعوب العالم تنظر اليها كدولة راعية للإرهاب، فلولا الاموال الطائلة التي تنفقها السعودية لإسكات منظمات حقوق الانسان الدولية وغيرها، لكانت السعودية الان ترزح تحت طائلة العقوبات الدولية. 5- ان محاولة السعودية في التأثير على ايران من خلال المنظمات الارهابية قد فشل لاكثر من مرة، فقد ذكرت وسائل الاعلام الايرانية قبل مدة من ان ايران القت القبض على مجموعة ارهابية كانت تنوي القيام بأعمال تخريب ضد ايران قبل ان تنفذ اعمالها، وحتى الاعمال التي نفذت ضد علماء الذرة الايرانيين قبل ذلك لم تنفذ من قبل المعارضة الايرانية او بدعم خليجي، بل كانت بتخطيط امريكي اسرائيلي وتنفيذ عملائهم في ايران. 6- ان منظمة مجاهدي خلق اصبحت منظمة مهترئة وقديمة في اسلوبها، وان الاعتماد على منظمة خلق في احداث تغيير داخل ايران هو غير ذي جدوى، لأنها اضعف من ان تؤثر في الساحة الإيرانية الداخلية لسببين هما، ارتباطها بالخارج وربط مصيرها به كمصادر تمويل وتسليح، وإن اغلب عملياتها ضد النظام السياسي كانت من خارج الحدود الإقليمية، الأمر الذي اضعف مصداقية هذه المنظمة في الداخل الإيراني، كما أن منظمة خلق لم تعد لها دعم حتى من قبل المعارضة الايرانية الاخرى، فمجلس المقاومة الايرانية لم يدم طويلا، اذ سرعان ما اخذت الانشقاقات تدب فيه بسبب ما وصف من قبل المعارضة بدكتاتورية (عائلة رجوي) ، وزاد من الانشقاق لجوء زعيم المنظمة إلى العراق عام 1986 وتعاونه معه ، وهو ما اعتبرته المعارضة خيانة لإيران، فقد وصفت المعارضة الايرانية (شيرين عبادي) وهي الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بان هذه المنظمة لن يغفر لها التاريخ خيانتها لإيران وتعاونها مع العراق ضده. 7- ان اتكاء السعودية على المعارضة الايرانية هو اتكاء على السراب، لان المعروف عن الايرانيين هو حبهم للروح القومية لإيران، وهذا معروف عبر التاريخ، فحتى تعاونهم مع بريطانيا وامريكا لم يجعلهم يتخلوا عن مصلحة دولتهم، وفي احلك الظروف، كما ان هذه المنظمة ان حكمت ايران فلن تكون اقل من حكم الشاه سواء على الداخل الايراني، او في تعاملها مع دول المنطقة، وينتقد المراقبون فكرة إقامة مؤتمر معارضة ضد النظام الايراني، ويرون أن اﻷحرى بالدول الغربية الداعمة للمعارضة، التي لا تختلف عن النظام في إيران، هو دعم القضية العربية في اﻷهواز التي تحتلها إيران منذ تسعين عاما. 8- بعد رفع الحظر عن ايران، والاتفاق النووي مع دول (5+1)، اصبحت ايران اكثر قوة من قبل، واصبح لها هامش من الحركة، فقد بدات الشركات تتجه لايران للاستثمار فيها لوجود سوق مربحة وامنة، ومنها ان ايران عقدت صفقة مع شركة بيونغ الامريكية لشراء عدد من الطائرات، وقطع غيار لطائراتها من نفس الطراز، وهو ما يدل على وجود رغبة امريكية للتعاون، لان مثل هذه الصفقات تحتاج الى موافقة من الحكومة الامريكية، لهذا تحاول السعودية ان تفشل مثل هذا التعاون من خلال دعم مكشوف للمعارضة الايرانية. 9- ان الفشل هو سابق لاي تحرك سعودي ضد ايران، فقد جربت السعودية سابقا قيادة مجالس المقاومة في سوريا واليمن وليبيا، الا انها لم تحقق اية من اهدافها، فقد تحولت المعارضة السورية الى مجموعات ارهابية متناحرة همها الوحيد القتال وقطع الرؤوس، ووصل شرها الى دول اوروبا، كما ان تدخلها في اليمن لا زال يراوح مكانه رغم الخسائر الهائلة في صفوف المدنيين، وفي ليبيا لم تحقق سوا تدمير ليبيا، فقد تراجعت امريكا ودول اوروبا وحتى تركيا عن فكرة اسقاط الاسد، بل حتى المعارضة السورية المعتدلة اكدت في بيان لها ان بقاء الاسد لفترة انتقالية في سوريا هو ضرورة ملحة، علما ان ايران هي اقوى من هذه الدول ولديها قدرة على امتصاص اي معارضة من الخارج، وهذا يعني ان المشروع السعودي في قيادة معارضة حقيقية هو من فشل لاخر، لان الذي يقود المعارضة يجب ان يكون لديه نموذج معارض يحتذى به. 10- فاقد الشيء لا يعطيه، لان مشاركة السعودية في مؤتمر المعارضة الايرانية في باريس هو ادانة صريحة للنظام السعودي، هذا النظام الذي يمنع اي حركة ديمقراطية في بلادهم، ويقطع راس كل من يحاول ان يكون معارضا ولو سلميا لال سعود وحكمهم، ومنها حادثة اعدام الشيخ ( نمر باقر النمر) الذي انتقد النظام بشكل سلمي وواقعي، كما ان وقوف تركي الفيصل الى جانب مريم رجوي هو الاخر فشل لمشروعهم، ففي الوقت الذي تمنع فيه السعودية المرأة من قيادة السيارة، تقوم امرأة بقيادة المعارضة الايرانية، كذلك ان المعروف عن السعودية انها وقفت ضد كل حركات التحرر العربية والاقليمية في مصر واليمن العراق وسوريا وايران، لهذا فليس من المنطقي ان تقف مع حركة تريد التغيير في ايران، وتطالب ببناء نظام ديمقراطي قد يكون يشكل ضررا على السعودية، لهذا فالسعودية تحاول جاهدة ان تستخدم المنظمة كمطية لتحقيق اهدافها في تدمير ايران. أن المؤتمر لا يمكن أن يحقق مكاسب على اﻷرض، لكون أن من حضروا المؤتمر هم أعداء لدودين للنظام اﻹيراني، وهو يبدو أمنيات لإسقاط النظام اﻹيراني، ورسالة سياسية ترويعية للنظام لا أكثر، كما أن النظام في إيران سيستغل شخصيات حضرت المؤتمر لترويج عبر وسائل إعلامه المختلفة أن إيران وثورتها اﻹسلامية تحاك بها المؤامرات، وذلك ردا طبيعيا لما تسميها نصرة المظلوم نتيجة لتدخلها في بلدان عربية عدة، وهو ما قد تنجح فكرته، وسيتحول المؤتمر إلى خبر كان، وسينتهي تأثيره مجرد انتهاء آخر فقرة من الفعالية، ولم يبتعد المؤتمر عن الاسلوب العربي في استغلاله كما هو الحال في استغلالها للقضية الأهوازية لصالح استقرار أنظمتها، وهو ما سيجعل هذا المؤتمر مجرد رياح تلوح بعيدا عن سماء طهران.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية